رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

"أفشور"استثمار سيئ السمعة
«موساك فونسيكا» كبدت الدول النامية 7.8 تريليون دولار فى 10 سنوات

تقرير: محمد حماد
فتحت تسريبات مؤسسة موساك فونسيكا التى تعمل فى مجال الخدمات القانونية ومقرها بنما النار على صناديق الاستثمار المباشر المعروفة اصطلاحا «أفشور».

وشركات «أفشور» عبارة عن شركات عابرة الحدود، التى يتم تأسيسها فى بلد، وتمارس نشاطها فى بلد آخر، أى أن المستثمر ينشئ شركة خارج وطنه الأم ليمارس من خلالها نشاطه داخل الوطن، أو فى أى بلد ثالث، وقد يتم ذلك الاستثمار بشكل مباشر، أو غير مباشر من خلال البورصات.

ويتم تأسيس هذه الشركات فى جزر ودول تعفى أموال تلك الشركات من الضريبة على الدخل، وبالتالى تعد من أهم الملاذات الضريبية أو الجنات الضريبية لأنها لا تخضع إلا للضريبة على أرباح تعاملاتها فقط، دون أى نوع آخر من الضرائب.

ومن أبرزها جزر الباهاما، وكايمان، وجزيرة بيليز فى أمريكا الوسطي، وسيشيليس بإفريقيا، وبنما، وجزر العذراء البريطانية، وجزيرة موريشيوس فى المحيط الهندي، وجبل طارق، وموناكو، وجزر مارشال والأنتيل، وبرمودا، وكوستاريكا، ورأس الخيمة، وهونج كونج سنغافورة، وقبرص، ولوكسمبورج، وهولندا، وسويسرا.

وبموجب عقد التأسيس، فإنه لا يتم الإفصاح عن هوية الأفراد المؤسسين، وكذلك مصدر ثرواتهم، مما جعلها مقصداً رئيسياً لإخفاء الأموال والثروات غير المشروعة، بل تعد مقصداً لعمليات غسل الأموال.

ويتم تأسيس هذا النوع من الشركات فى ثلاثة أيام فقط، وبحد أدنى ألف دولار، مما يجعلها ملاذاً للأثرياء لإخفاء جزء ضخم من ثرواتهم، وباتت بابا خلفيا للتستر على الفساد.

ولأن هذا النوع من الشركات إحدى ثمار الرأسمالية المتوحشة، فإن الوثائق التى أطلق عليها تسريبات «بنما» ستسبب أزمة عظمى للنظام الرأسمالى الذى تسبب بالفعل فى نمو النظام المالى الموازى أو السرى فى العالم بشكل غير مسبوق.



كبدت أساليب «موساك فونسيكا» الدول النامية نحو 7.8 تريليون دولار خلال الفترة من 2003 إلى 2013 بحسب تقديرات مؤسسة «جلوبال فاينانشال إنتيجريتي» التى نشرتها مجلة تايم الأمريكية، وقامت «موساك» بمساعدة عملائها فى إقامة شركات سرية أو وهمية فى الملاذات الضريبية الآمنة.

وشهد معدل التحركات غير المشروعة للأموال ارتفاعاً بنسبة 6.5%، بما يعادل ضعف متوسط نمو إجمالى الناتج المحلى للدول النامية.

وقالت «وول ستريت جورنال» إن مجموعة بوسطن الاستشارية قدرت حجم تحويلات الأموال من الدول الأم إلى المراكز المالية فى الخارج أو شركات «أفشور» بـ11 تريليون دولار عام 2014، بفضل الأموال المتدفقة من آسيا والشرق الأوسط.

وتضمنت وثائق «بنما» أسماء 140 من الساسة البارزين وأسرهم ومعارفهم فى أكثر من 50 دولة يتصلون بشركات «أفشور» فى نحو 21 ملاذاً ضريبياً حول العالم.

وشملت القائمة علاء مبارك النجل الأكبر للرئيس الأسبق حسنى مبارك، حيث أكدت امتلاكه لشركة «بان وورلد» للاستثمارات التابعة لشركة «بريتيش فيرجين أيلاند» العملاقة والتى تدار أعمالها عبر شركة الخدمات المالية «كريدى سويس».



يقول هانى توفيق رئيس الاتحاد العربى للاستثمار المباشر السابق: إن غالبية رجال الأعمال يؤسسون تلك الشركات فى الخارج، بهدف امتلاك كيان قانونى يستثمر به فى أى دولة.

ويوضح إن أمريكا لها أيادى رئيسية فى تسريب تلك الوثائق، بسبب تتبع حسابات الأمريكيين خارج حدودها لتطبيق الضرائب عليهم وفق قانون الأمتثال الضريبى الأمريكي.

ويضيف: إن أمريكا تهدف من خلال هذا التتبع حصر إلى المجتمع الضريبى الأمريكي، ثم انتقلت الآن إلى شركات «أفشور» كخطوة ثانية لفضحها، ثم لمنعها لاحقاً، لتحصل مليارات الدولارات ودخولها للخزانة الأمريكية.

وتوقع انتهاء شركات «أفشور» على مستوى العالم خلال عشرة أعوام من الآن، بسبب ارتباط تأسيسها بالسياسيين والفساد، وهو ما سبب موجة كبيرة أكثر حرجًا بعد فضائح «بنما».

ويرى الدكتور مدحت نافع خبير الاستثمار والتمويل إن اللافت هذه المرة أن المؤسسة مصدرة التسريب هى فى ذاتها صاحبة سجل مشبوه فى الخدمات المالية السرية، وإن كانت قد أصدرت بياناً تنفى فيه ذلك ضم أولئك المتعاملين بتهم خطيرة أدناها التهرّب الضريبى وتعمّد إخفاء الأموال.

ويشير إلى أن القضية لم تعد حسابات سرية، بل تعاملات مشبوهة ضاع خلالها حق الدولة فى أقل تقدير، وغسلت بواسطتها أموال صفقات غير مشروعة فى حالات أخري.

ويوضح أن العالم اهتز فى فبراير عام 2015 لتسريبات خطيرة بطلها أحد العاملين فى بنك HSBC بسويسرا واسمه هيرفى فالشيانى (HervéFalciani) الذى استولى منذ عام 2008 من خلال عمله كخبير تقنى بالبنك على بيانات خطيرة لحسابات عالية السرية أشارت بأصابع الاتهام إلى أسماء كبيرة فى مجالى السياسة والمال حول العالم،بلغ إجمالى الأموال المشار إليها فى تسريبات سويسرا أكثر من مائة مليار دولار لصالح ما يزيد على مائة ألف عميل بأكثر من مائتى جنسية كان نصيب مصر منها نحو 3.5 مليار دولار.

ويشير إلى أن التسريبات ألقت فى حينها بظلال من الريبة على كفاءة عمل اللجان الحكومية التى شكّلت بعد ثورة يناير من أجل التحرّى عن أموال أقطاب النظام السابق على الثورة، حتى الأموال التى تمكّنت اللجان الحكومية من تعقّبها وتجميدها فى بنوك سويسرا لم تتمكّن مصر من استردادها لأنه لم يصدر حكم قضائى نهائى وبات بخصوص عدم نزاهة مصادر تلك الأموال.

لكن الريبة وحدها لم تكن كافية للمطالبة بحق مصر فيما تم الكشف عنه من حسابات البنك صاحب السوابق فى عمليات غسل الأموال والذى قام فى عام 2012 بدفع غرامة مالية ضخمة على سبيل التسوية المالية مع وزارة العدل الأمريكية مقدارها 1.9 مليار دولار، إذ من الصعوبة بمكان إثبات عملية غسل الأموال أو إخفائها عن أعين الضرائب فى «حسابات سوداء»، وظل الرأى العام مشتعلاً فى مصر والدول التى تورّط بعض مواطنيها فى تلك التسريبات حتى مرّت العاصفة وتحقق السبق الصحفى وأسفرت المكلمات عن لا شيء.

ومن اللحظة الأولى لنشر التحقيق الصحفى الكبير، وبذات الآلية المنظمة التى اصطلح فريق العمل الاستقصائى المحترف على اتباعها من تنسيق المحتوى وتوقيت النشر، بدأت جهات التحقيق القضائى فى عدد من الدول عملاً موسعاً للتحرى عن تلك الوثائق وملاحقة المتورطين فيها، ففى أيسلندا تحرّكت جموع ساخطة من المواطنين فى اتجاه البرلمان وطالبوا الحكومة بالاستقالة، نظراً لأن التسريبات تشير إلى رئيس الحكومة الحالي. القضية هذه المرة أكبر من أن تمر بمرور زخم السبق الصحفي، بل هى من الخطورة بمكان أن تسقط حكومات، وتغيّر موازين القوى الاقتصادية داخل بعض البلدان والأقاليم.

واتسعت دائرة الاشتباه لتشمل عناصر وشخصيات مهمة فى النظام الاقتصادى العالمى يمنح أعداء النظام الرأسمالى والداعين إلى إسقاطه أو فى القليل إصلاحه بصورة ثورية فرصة ذهبية لترويج أفكارهم، تلك الأفكار التى وجدت فى كتاب «رأس المال فى القرن الحادى والعشرين» لصاحبه الاقتصادى الفرنسى الشاب «توماس بيكيتي» أساساً نظرياً قوياً مدعوماً بالبيانات.

وفقاً لـ«بيكيتي» فإن تراكم الثروة وتركّزها فى عدد محدود من الوحدات الاقتصادية يتم بوتيرة أسرع كثيراً من نمو الناتج الاقتصادى ما لم تعترضه الفواجع والحروب!، لكن تلك التسريبات ترشدنا إلى ان هذا التراكم للثروات لا يحدث فقط بصورة تلقائية وفقاً لآلية مشوهة فى عمل النظام الرأسمالي، بل هو أحياناً عمل شيطانى يعتمد أساليب خسيسة لإخفاء الثروات بعيداً عن أعين الدولة وخارج حدودها، فإذا كانت هذه الدولة فقيرة الموارد كان الجرم أكبر، إذ تحرمها تلك الممارسات من أبسط مواردها الضريبية، ومن إعادة تدويرها فى الاقتصاد المرهق والمستنزف أصلاً بفعل هؤلاء الشياطين.

وفقدت مصر منذ ثورة يناير 2011 نحو 20 مليار دولار من احتياطى النقد الأجنبي، وما زالت تنزف دولارات فى ظل تراجع عائدات السياحة والتصدير، بينما يملك عدد من رموزها السياسية والاقتصادية مليارات الدولارات فى بنوك وصناديق خارج البلاد وعبر مؤسسات مشبوهة لإخفاء الأموال.

ويطالب الحكومة بتدشين برنامج حماية المال العام، على أن يخضع هذا البرنامج لرقابة البرلمان، مع تحقيق تواصل دائم مع المواطنين عبر وسائل الاتصال التقليدية والحديثة، وعلى أن ينشأ هذا البرنامج بعضوية الجهات الرقابية والحكومية ومؤسسات المجتمع المدني، ذات المهام الرقابية الشعبية، فضلاً على خبراء المال والاقتصاد المستقلين، وأن يضع القواعد والأسس اللازمة لحماية المال العام، وآليات وبرامج العمل لاستعادة الأموال المنهوبة من الشعب وفقاً لجداول زمنية محددة سلفاً.

ويوضح محمد ماهر، نائب رئيس الجمعية المصرية للأوراق المالية، ان شركات «أفشور»، تمثل نحو 5% من صناديق الاستثمار فى البورصة المصرية.

ويقول: لقد تسببت هذه الشركات فى تصاعد المخاوف لدى المتعاملين خلال الفترات الماضية، إذ إنها تستثمر وتربح ولا تدفع أى ضرائب على المكاسب الرأسمالية، ما يجعلها وسيلة للتلاعب والتربح السريع.

ويؤكد شريف سامى رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية ان هناك رقابة من جانب الهيئة على تعاملات شركات «أفشور» فى القطاع المالى غير المصرفى بمصر، ويتم إلزام هذه الشركات بكل قواعد الإفصاح.

ويشير إلى أن نسبة الصناديق العاملة بنظام «أفشور» تقل عن 10%، أما النسبة الغالبة والتى تزيد على 90% فهى للشركات.

ويوضح اننا قد نطلب مزيداً من الإفصاح عن هياكل الملكية والمؤسسين حال رغبة هذه الشركات فى الاستحواذ على حصص حاكمة فى الشركات، وقد يصل الأمر إلى الاستعلام الأمني.

ويوضح أن العديد من رجال الأعمال قد يلجأ للاستثمار فى مثل هذا النوع من الشركات بهدف عدم الإفصاح عن شخصة، فعلى سبيل المثال قد يلجأ مستثمر كبير فى تكوين محفظة مالية، ويفضل تكوينها من خلال شركة «أفشور»، لأنه يخشى أن يتسبب الإفصاح عن شخصه فى التأثير على السهم.

ويضيف إن تأسيس شركات «أفشور» ليس جريمة فى حد ذاته، لكن كيفية إدارة نشاطها هو الذى يحدد حجم المخاطر التى تتسبب فيها، مشيراً إلى أن هناك فرقا كبيرا بين استخدام هذه الشركات فى الاستفادة من التجنب الضريبى وهو مشروع أما التهرب الضريبى فهو مجرم.

ويوضح أن هناك حالات استثمارية تفضل هذا النظام منها استخدام البعض هذا النظام فى نظام الوقف الخيري، أو شراء السفن والطائرات وغيرها من الأنشطة.

ويؤكد إننا نرصد حركة هذه الصناديق فى القطاع المالى غير المصرفى منذ فترات طويلة وليس بعد تسريبات بنما، أو غيرها، لكن حجمها ليس كبيراً فى البورصة المصرية، حيث إن أكبر المستثمرين الأجانب فى البورصة صناديق استثمار أمريكية وبريطانية وخليجية.

وخلال العام 2014، تقدم تحالف ضم رجل الأعمال نجيب ساويرس وشركة بلتون المالية القابضة للاستحواذ على 20 % من أسهم المجموعة المالية هيرمس، إلا أن الصفقة باءت بالفشل.

وكان الطرف المشترى عبارة عن صندوق «أفشور» أسسه ساويرس بغرض الاستحواذ على هيرميس تحت مسمى «نيو إيجيبت فاند»، وهو سلسلة من صناديق «أفشور».

وأسس أيضاً رجل الأعمال منصور عامر فى شهر يونيو الماضى صندوق «وقف ايجيبت»بنظام، أوف شور، وقام بنقل ملكية 800 مليون سهم من أسهم مجموعة عامر جروب إليه فى صفقة بلغت قيمتها نحو 160 مليون دولار تقريباً.

تتبع الثروات

وقال عمرو المنير نائب وزير المالية للسياسات الضريبية، إن مصر لديها تشريعات ضريبية تسمح بتتبع حالات التهرب والتجنب الضريبى الدولي.

وأكد فى بيان رداً على تسريبات بنما أن قانون الضريبة على الدخل، يتضمن محاور لمواجهة هذه الحالات، منها تفعيل مبدأ السعر المحايد، الذى يتم من خلال المعاملات بين الأطراف المرتبطة وصولا للسعر الحقيقى لمنع التحايل الضريبي.

أوضح أنه بصرف النظر عن نشر هذه التسريبات، فإن أولوياتنا تفعيل الآليات اللازمة لمواجهة أى ممارسات ضارة تخص المنظومة الضريبية، وهذه الآليات سوف تمكننا من الحصول على المعلومات المتعلقة بعمليات التهرب الضريبى الدولى ومواجهته.

ويوضح شريف الكيلانى رئيس قطاع الضرائب بمؤسسة أرنست أند ينج العالمية، إن تسريبات بنما فتحت باب استرداد مصر للأموال المصرية التى يتم استثمارها فى الخارج، وبالتالى لابد من تأسيس وحدة لشركات «أفشور» بمصلحة الضرائب، حيث تشير التقديرات إلى أن حجم هذه الأموال يتجاوز المليارات.

ويوضح أن الطلب على تأسيس هذه الشركات زاد بشكل كبير بعد ثورة 25 يناير 2011 من جانب العديد من المستثمرين حفاظاً على ثرواتهم من جهة وارتفاع المخاطر بسبب حالة عدم الاستقرار السياسى والأمنى خلال تلك الفترة.

ويضيف أنه من الممكن الحصول على المعلومات الكاملة حول هذه الشركات بالاستفادة من تبادل المعلومات مع الدول التى توقع مصر معها اتفاقيات منع الازدواج الضريبي، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا وألمانيا وإيطاليا.

ويؤكد أنه من خلال عمليات تبادل المعلومات يمكن الحصول على هياكل ملكية هذه الشركات وتعاملاتها فى مختلف الأسواق، ومن هنا يتم فرض ضرائب على المستثمرين المصريين المؤسسين أو المشاركين فى رءوس أموال هذه الشركات.

ويوضح أنه يمكن تتبع نشاط هذه الشركات أيضا من خلال الإقرارات الضريبية التى يقدمها الممول كل عام.

وأوضح أن قانون الضرائب المصرى يسمح بفرض ضرائب على تعاملات هذه الصناديق، من خلال بعض الضوابط، منها نسبة الإدارة، وعدد أعضاء مجلس الإدارة ونسبة الملكية واتخاذ القرارات الإدارية.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق