طالعتنا الصحف اليومية صباح الأحد الموافق 10/4/2016 بخبر تأكيد مجلس الوزراء المصرى أن اتفاق تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية يعد إنجازا مهما من شأنه تمكين مصر والسعودية من الاستفادة من المنطقة الاقتصادية الخاصة لكل منهما، وأن الرسم الفنى لخط الحدود بناء على المرسوم الملكى السعودى والقرار الجمهورى لمصر اعتبرا وقوع جزيرتى تيران وصنافير داخل المياه الإقليمية للمملكة.
وكان من طبائع الأمور وقوع جدل قانونى حول هوية الجزيرتين وهل هناك شبهة تفريط لمصر فى ترابها الوطنى من عدمه، وهو أمر دفعنى إلى معالجة الأمر من المنظور التاريخي.
أولا: يرتبط خليج العقبة من المنظور الإسرائيلى ارتباطا وثيقا بقناة السويس باعتبار أن النتيجة المشتركة لحصار قناة السويس البحرى وخليج العقبة هى الحيلولة دون وصول إسرائيل إلى الأسواق الإفريقية والآسيوية بوجه عام.
ثانيا: يبلغ طول خليج العقبة من مدخله حتى نهايته عند ميناء العقبة نحو 175 كيلو مترا، كما يبلغ طول سواحله التى تنتمى للبلاد التى تطل عليه نحو 415 كيلو مترا، منها 192 كيلو مترا لمصر، 205 كيلو مترات للسعودية، وعشرة كيلو مترات لإسرائيل ومثلها للأردن.
ثالثا: يوجد عند مدخل خليج العقبة أرخبيل صغير يشتمل على عدد من الجزر الصخرية الصغيرة التى يبلغ عددها نحو 30 جزيرة تابعة كلها للمملكة العربية السعودية وأكبر هذه الجزر جزيرتا تيران وصنافير اللتان تتحكمان فى مداخل الخليج.
رابعا: بعد توقيع إسرائيل اتفاقية الهدنة الدائمة مع مصر فى 24 فبراير عام 1949 بعد أن وضعت حرب فلسطين عام 1948 أوزارها، تحركت بعض القوات الإسرائيلية فى 10 مارس عام 1949 واحتلت أم الرشراش على خليج العقبة.
خامسا: بتحويل أم الرشراش إلى ميناء إيلات اتفقت السلطات المصرية أوائل عام 1950 مع السلطات السعودية على احتلال جزيرتى تيران وصنافير ووضعت مدافع ساحلية فى رأس نصراني، فسيطرت نيرانيا على مدخل خليج العقبة، وبحلول 17 مارس عام 1951 بعثت وزارة الحربية المصرية بمذكرة إلى رئاسة مجلس الوزراء تستفسر فيها عن واجبات القوات المصرية فى منطقة خليج العقبة.
سادسا: سنحت الفرصة لإسرائيل لتنفيذ خطتها لإنهاء الحصار على خليج العقبة إبان العدوان الثلاثى على مصر الذى وقع يوم 29 أكتوبر عام 1956 عقب تأميم قناة السويس، والذى انتهى باحتلالها منطقة شرم الشيخ التى رفضت الانسحاب منها ومن باقى سيناء، ما لم ترابط قوات الطوارئ الدولية بمنطقة شرم الشيخ عقب انسحاب القوات الإسرائيلية مباشرة، بيد أن الأمين العام للأمم المتحدة رفض هذه الشروط، ذاكرا أن قوات الطوارئ وظيفتها منع وقوع الأعمال الحربية ولكنها لن تستعمل قط لفرض حل مسألة سياسية أو قانونية.
سابعا: بضغط الرئيس الأمريكى أيزنهاور على انجلترا وفرنسا للانسحاب من مصر، أعلنت الولايات المتحدة أن الجلاء الإسرائيلى عن المناطق المحتلة ضرورى للاحتفاظ بنفوذها فى العالم العربى ولإحباط المخططات السوفيتية فى المنطقة وأنها تعتبر خليج العقبة ممرا مائيا دوليا، ومن ثم فهى على استعداد لممارسة حق أمريكا فى الملاحة فى مضيق تيران والاشتراك مع دول أخرى لضمان الاعتراف العام بهذا الحق لجميع الدول، وقد وافقته إسرائيل ـ على مضض ـ على الانسحاب يوم 4 مارس عام 1957 على أساس فهمها للإعلان الأمريكي.
ثامنا: أعلنت جولدا مائير وزيرة خارجية إسرائيل فى اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة فى الأول من مارس عام 1957 أنها تلقت مذكرة من وزير خارجية الولايات المتحدة بتاريخ 11 فبراير 1957 يؤكد فيها أن مضيق تيران وخليج العقبة هما، من وجهة النظر الأمريكية، من المياه الدولية إلى أن تقرر هيئة قضائية دولية عكس ذلك.
تاسعا: تطورت الأمور فى مايو عام 1967 بين إسرائيل وسوريا، الأمر الذى دفع مصر التى كانت ترتبط مع سوريا بمعاهدة دفاع مشترك إلى طلب سحب قوات الطوارئ من مصر ومن قطاع غزة وإعلان رئيس مصر فى 22 مايو باستعادة القوات المصرية لمواقعها فى شرم الشيخ بعدم السماح لأى سفينة تحمل العلم الإسرائيلى أو لأى سفينة أخرى تحمل مواد استراتيجية لميناء إيلات بالملاحة فى خليج العقبة.
عاشرا: شكل هذا الأمر الذريعة التى استندت إليها إسرائيل لإشعال حرب الخامس من يونيو عام 1967، وظل المركز القانونى لحق المرور فى مضيق تيران وخليج العقبة بلا تغيير حتى بعد احتلال إسرائيل لشرم الشيخ ورأس نصرانى إبان هذه الحرب.
ـ وظلت الأمور على ما هى عليه حتى وقعت اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل يوم 26 مارس عام 1979 التى نصت الفقرة الثانية من مادتها الخامسة على ما يلي:
{ يعتبر الطرفان أن مضيق تيران وخليج العقبة من الممرات المائية الدولية المفتوحة لجميع الدول دون عائق أو إيقاف لحرية الملاحة أو العبور الجوى من أجل الوصول إلى أراضيه عبر مضيق تيران وخليج العقبة.
ـ وتأسيسا على ما تقدم يمكن الخروج بالاستنتاجات الآتية:
{ يعد خليج العقبة خليجا تاريخيا وهو يخضع للسيادة المشتركة لكل من مصر والمملكة العربية السعودية والأردن.
{ باحتلال إسرائيل لأم الرشراش فتحت جبهة عسكرية جديدة للجيش المصرى عقب انتهاء حرب فلسطين عام 1948.
{ استدعى الأمر التنسيق مع السلطات السعودية عام 1950 لاحتلال جزيرتى تيران وصنافير للدفاع عنهما.
{ ضغطت الولايات المتحدة على إسرائيل للانسحاب من شرم الشيخ وخليج العقبة عقب انتهاء حرب العدوان الثلاثى على مصر عام 1956.
{ أعادت إسرائيل احتلال سيناء عام 1967 وظلت بخليج العقبة حتى توقيع اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل فى 26 مارس عام 1979، وبتوقيع هذا الاتفاق فقدت جزيرتا تيران وصنافير أهميتهما العسكرية فأعادتهما مصر إلى المملكة السعودية.
{ استعادت مصر طابا بالتحكيم الدولي، ولا أظن أن مصر بعروبتها وشموخها كانت ستسمح للمملكة باسترداد الجزيرتين بهذا الأسلوب.
رابط دائم: