احتدمت فى الأسابيع الأخيرة فى البرازيل أزمة سياسية حادة على إثر قيام مجلس النواب بإتخاذ إجراءات لمساءلة الرئيسة ديلما روسيف تمهيداً لعزلها على خلفية إتهامات من محكمة المحاسبة تشير إلى قيامها بتمرير ميزانية2015 رغم وجود دلائل بتسوية أموال تم استخدامها فى الحملة الإنتخابية للرئاسة 2014 بالإضافة إلى طلب التحقيق معها باعتبارها كانت عضواً بمجلس إدارة شركة "بتروبراس" البترولية والتى شهدت أكبر قضية فساد فى تاريخ البرازيل والمعروفة إعلاميا بالعملية " لافا جاتو ".
وبينما ترى المعارضة ضرورة عزل الرئيسة ، يرى المؤيدون أن هذه اتهامات جزافية لا سند قانونيا لها وأن المعارضة اليمينية والتى يدعمها الإعلام المملوك لرجال أعمال يهدف إلى الإنقلاب على النظام الدستورى من أجل مصالح الطبقة الرأسمالية التى لا يروق لها دعم حكومة حزب العمال (يسار الوسط ) للفقراء و للطبقات العمالية .
وجاء انسحاب حزب الحركة الوطنية الديمقراطية بزعامة ميشيل تامر نائب رئيس الجمهورية من حكومة حزب العمال ، لزيادة الضغط على الرئيسة وتوجيه أعضائه فى مجلس النواب الذى يرأسه أحد قادة الحزب ادواردو كونيه بمثابة البركان الذى فسر صمت نائب الرئيس ميشيل تامر طوال الفترة الماضية ،مما أكد ظنون أعضاء حزب العمال والحركات الاجتماعية واليسارية المتضامنة معه بأن -تامر- هو مشعل الحرائق ويريد أن يصبح رئيسا للبرازيل ، ولذا يعمل من خلال حزبه ذى الأغلبية فى مجلس النواب- 86 عضواً - من أجل إقالة ديلما روسيف.
إحتمالية تولى ميشيل تامر أو كما يسميه البرازيليون " تيمير "للرئاسة سوف تزيد من حدة الأزمة السياسية فى الشارع. ويؤكد الخبراء والمحللون فى البرازيل ، أن حكومة ميشيل تامر- فى توليه رئاستها - سوف تتعرض للضرر بما لا يمكن التنبؤ به. وأشار هؤلاء إلى القائمة الأخيرة لقضية فساد شركة البناء الكبرى التى تحتوى على أسماء أكثر من 300 شخص من السياسيين بالاضافة إلى أسماء 20 من الأحزاب والتى يمكن أن تشمل أيضا القطاعات القضائية والدبلوماسية و شخصيات من وزارات القطاع العام ، ناهيك عن تورط أسماء كبيرة من حزب الحركة الوطنية الديمقراطية فى فضيحة الفساد فى شركة بتروبراس.
وتشمل التحقيقات و الأحكام الصادرة و الاعتقالات ، أسماء فى قضية (لافا جاتو) ربما تصل إلى أحزاب قد تكون متحالفة مع تامر، فضلا عن شخصيات من حزب الحركة الديمقراطية نفسه.
اضافة إلى ذلك ، يبدو أن السحر قد انقلب على الساحر ،فما لبث ميشيل تامر يفعل فعلته بانسحاب حزبه لتوريط الرئيسة ديلما روسيف أن طالته مذكرات قضائية من العديد من المنظمات الحقوقية والقانونية ، تتهمه باساءة إستخدام السلطة ، سواء فيما يخص محكمة المحاسبة أو اتهامه بإجازة تسهيلات ائتمانية إضافية دون الحصول على إذن من مجلس النواب.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل كانت المفاجأة الكبرى لميشيل تامر هى تصريحات زعيم المعارضة اياسو نيفيز رئيس الحزب الديمقراطى الاجتماعى ، برفض الدخول فى تحالف مع حكومة ميشيل تامر فى حالة توليه الرئاسة وعزل روسيف. و قال نيفيز: رغم تأييد الحزب الاجتماعى لإقالة الرئيسة ، إلا أننا لن نتحالف مع أحد، وسنعمل على الفوز فى الانتخابات الرئاسية القادمة عام 2018 ونشكل الحكومة. وبالتالى خسر ميشيل تامر المعارضة بعدما خسر حليف الحكم بالأمس حزب العمال والأحزاب والحركات السياسية المتحالفة معه ..بل خسر أيضاً جزءا كبيرا من أعضاء حزبه بعدما رفض 6 وزراء محسوبين على حزب الحركة الوطنية الإنسحاب من حكومة ديلما روسيف، وانتقدوا بشدة قرار الحزب بالخروج من الائتلاف الحاكم بعد 13 عاماً من التحالف.
ويرى المحللون فى البرازيل ، أن ميشيل تامر أساء إلى تاريخه فى الفترة الأخيرة من أجل منصب مؤقت ، فحتى اذا نجحت محاولات إقالة الرئيسة و تولى هو رئاسة الجمهورية، فقد أصبح فى نظر البرازيليين أول من انقلب على النظام الدستوري، بعدما كان واحداً من أهم واضعى الدستور الجديد للبرازيل ،بالإضافة إلى تأكد فشل حكومته فى ظل الوضع السياسى والاقتصادى الراهن.
الرئيس المحتمل فى سطور
وكان ميشيل تامر نائب رئيس جمهورية البرازيل، قد أعيد انتخابة فى عام 2014 بجانب رئيسة البرازيل ديلما روسيف. وهو مشهور بمهارته السياسية، فقد شغل رئاسة مجلس النواب لثلاث فترات، كما شغل رئاسة حزب الحركة الديمقراطية فى البرازيل على مدار 11 عاما، و الذى يعد أكبر أحزاب البرازيل.
ولد ميشيل ميجيل إلياس تامر فى ولاية ساوبولو عام 1940، هو الابن الأصغر من بين ثمانية اخوات، وينتمى لعائلة هاجرت من شمال لبنان عام 1925. وقد التحق بكلية الحقوق جامعة ساوباولو ، و يعتبر واحداً من أكبر أساتذة القانون الدستورى فى البلاد، و بدأ حياته السياسية كأمين فى التربية والتعليم لدى حكومة ولاية ساو باولو. و فى عام 1983، تم تعيينه كنائب عام لولاية ساوباولو. و فى العام التالي، تولى مسئولية ديوان الأمن العام فى ولاية ساوباولو، وهو المنصب الذى عاد ليعمل به فى اوائل التسعينات. خلال عمل فى ديوان الأمن العام، تبنى ميشيل الأفكار الحديثة و التى تم استخدامها فيما بعد كنموذج فى جميع أنحاء البلاد.
فى عام 1985، أنشأ مجلس الأمن المشترك . و فى نفس العام، و بعد شكاوى التعدى على النساء و إهمال السلطات فى التعامل مع الجرائم، قام بإنشاء أول قسم شرطة للمرأة فى البرازيل، و أيضا فى هذه الفترة، قام بتأسيس دوائر حماية حقوق النشر، و التى تمثل أداة هامة لمكافحة القرصنة، بالإضافة إلى دوائر التحقيق فى جرائم العنصرية.
وتم انتخاب ميشيل تامر 3 مرات لرئاسة مجلس النواب (1997، 1999 و 2009). و خلال فترة رئاسته الأولي، ابتكر فكرة فتح المجلس أمام الجمهور من خلال إنشاء نظام اتصال مسئوليته الإبلاغ عن عمل البرلمانيين والمناقشات الرئيسية التى تتم خلال الجلسة العامة و فى اللجان.
كما قام المجلس بالمناقشة و التصويت على العديد من المشاريع التى غيرت بنية الدولة البرازيلية، من خلال تغييرات كبيرة لتحديث المؤسسات الوطنية.
رابط دائم: