تمثل استعادة الجيش العربى السورى لتدمر التى سيطر عليها تنظيم "داعش" فى مايو2015 أكبر نصر عسكرى لدمشق منذ تدخل روسيا عسكريا فى سبتمبر 2015. وهو ما يعد تحولا هاما فى دفة الحرب المستمرة فى سوريا منذ أكثر من خمس سنوات. والسؤال الذى يفرض نفسه اليوم هو : هل دخلت "خلافة داعش" مرحلتها الأخيرة؟ وهل هناك مخطط ما لما بعد الإنهيار الداعشى فى سوريا والعراق؟
قد يكون تحرير تدمر هو بداية التحول الحقيقى على الأرض لتفتيت المناطق التى يسيطر عليها "داعش" وتحويلها إلى جيوب تسهل محاصرتها والقضاء عليها. وكانت العمليات العسكرية السورية بالتعاون مع الروس قد أسفرت عن تحرير تدمر ذات الأهمية الاستراتيجية، ما يمثل خطوة فى طريق القضاء على تنظيم "داعش" وخلافته فى سوريا، وخاصة بعد إعلان الجيش العراقى بدء معركة تحرير الموصل، العاصمة الثانية لـ"الخلافة" الداعشية، وتضييق الخناق على تنظيم "داعش" على طرفى الحدود فى سوريا والعراق.
فعلى الرغم من الأهمية الرمزية والثقافية لتدمر، التى تحتضن واحدة من أهم المواقع الأثرية فى سوريا والعالم، فإن الأهمية الإستراتيجية لها أكدت حجم وأهمية النصر العسكرى الإستراتيجى الكبير الذى حققه الجيش السورى وحلفاؤه. السيطرة على تدمر تمثل، من وجهة نظر الخبراء العسكريين، السيطرة على مفترق تقاطعات هامة للطرق والمواصلات وسط بادية الشام، مما يتيح للجيش السورى التقدم شمالا باتجاه مدينة الرقة، أهم معاقل "داعش" فى سوريا، كما يفتح الطريق أمام التقدم إلى دير الزور شمالا، وإلى الغوطة الشرقية لريف دمشق، وريفى السويداء ودرعا جنوبا.
كما أسهمت سيطرة الجيش السورى على تدمر فى عزل"داعش" عن أرياف حمص وحماة غربا، والحدود العراقية شرقا. وضيقت الخناق على التنظيم، وقلصت مساحة الأرض التى يسيطر عليها. وأنهت سيطرة "داعش" على عدد من حقول الغاز المهمة فى محيط المدينة، وأبعدت تهديداته المباشرة لعدد من المطارات والقواعد العسكرية التابعة للجيش السورى فى المنطقة.
تدمر ليست النهاية
ويرى الخبراء أن "داعش" قد خسر تدمر أمام قوات الأسد، إلا أنه لم يخسر الحرب بعد.
وعلى الرغم مما يقال عن أن التنظيم قد خسر 400 من مقاتليه فى معارك مدينة تدمر القديمة وما حولها، فإنه وعلى ما يبدو قد سحب معظم قواته قبل أن يتم تدميرها، وهذا يتماشى مع تكتيكاته السابقة، حيث يرفض فكرة القتال حتى آخر رجل.
وسيكون من الصعب على الجيش السورى التقدم بسرعة شرق تدمر نحو المناطق العربية السورية، التى يتمركز فيها التنظيم، لأنه سيكون عرضة للإستنزاف على يد حرب العصابات، وكذلك الحال فى المناطق السنية الريفية ذات الكثافة السكانية العالية فى محافظة إدلب وشرق حلب، حيث المعارضة المسلحة تتعرض لضغوط من الجيش السورى من جانب ووحدات حماية الشعب السورية الكردية من جانب آخر.
والسؤال الآن هو هل سيلجأ "داعش" إلى تكتيك الدخول فى توازنات القوى متراجعا عن أسلوبه السابق المتمثل فى الهجوم الضاغط المستمر على كافة الأطراف؟ والإجابة واضحة. فلا يزال الوضع السياسى والعسكرى فى سوريا والعراق غير مستقر فى ظل وجود الأطراف المحلية والأجنبية باستراتيجياتهم المختلفة، إذ أظهر الأكراد العراقيون والسوريون ـ أصحاب الأجندات الإستقلالية ـ تحالفا وثيقا مع الحملة الجوية التى تقودها الولايات المتحدة، لكن فى الوقت ذاته يدرك الأكراد أن الدعم الدولى الذى يتمتعون به حاليا فى ظل وجود خطر "داعش" لن يستمر بعد هزيمة التنظيم وإنهيار"خلافته" فى الشام. فاندحار "داعش" سيؤدى إلى طريق يبدأ بإعادة تمكين الحكومات المركزية فى دمشق وبغداد التى تسعى لاستعادة السيطرة على مناطقها الكردية، أو المناطق المتنازع عليها بين الأكراد والعرب. وقد أعلن الأكراد أنهم لن يهاجموا "داعش" فى مدينة الرقة. فصدام عربى كردى فى مرحلة ما بعد "داعش" يعنى ببساطة تأجيل الحلم الكردى بالإستقلال الكامل أو المرحلى إلى عدة عقود قادمة.
ومعركة تدمر، وفق خبراء عسكريين، هى المعركة الأسهل مقارنة بالمعركتين المقبلتين فى دير الزور والرقة، اللتين تشكلان معقلا رئيسا لتنظيم "داعش". ويتطلب الأمر قبل الدخول فيهما، استكمال المعارك فى شمال وشرق تدمر من أجل تطويق دير الزور من ناحية الجنوب، وفى ريف حلب الشمالى والشرقى من أجل تطويق التنظيم فى الرقة من ناحية الغرب.
بدائل ما بعد الإنهيار
وعلى صعيد آخر تدرك الولايات المتحدة أن "داعش" فى طريقه إلى الهزيمة ولكنه لن يختفى بين ليلة وضحاها. وأن التنظيم له عدة بدائل وسيناريوهات إستعدادا لمرحلة الهزيمة العسكرية فى سوريا والعراق. فقد أشار وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى إلى أن حلم تنظيم "داعش" بقيام "دولة الخلافة" فى الشرق الأوسط "يتحطم أمام عينيه". وأوضح أن لجوء داعش إلى مهاجمة أهداف خارج الشرق الأوسط سببه "تحطم" حلمه بإنشاء ما يسميه "دولة الخلافة" مؤكدا أن التنظيم يفقد الأراضي، ويهرب مقاتلوه من سوريا والعراق.
وأرجع كيرى سبب استهداف التنظيم لأوروبا والمناطق الموجودة خارج سوريا والعراق، إلى "تقلص رقعة سيطرته فى سوريا والعراق، وانهيار أحلامه بتشكيل دولة خلافة".
ولكن أكد المحلل السياسي، مايكل ويس، أن تنظيم "داعش" وزع شبكاته عبر أنحاء أوروبا، وأنه جدد التركيز على "استهداف الغرب فى الغرب". وأكد ويس إتصاله بأحد المنشقين من داعش والذى أخبره بأن أعداد العناصر التى أرسلها التنظيم إلى أوروبا أكبر مما يعرفه هو نفسه. وقال إن ألمانيا هدف داعش المنظور. كما أشارت تقارير أمنية غربية إلى أن هناك الكثير من الأحاديث والإشارات عن رغبة "داعش" فى الذهاب إلى إسبانيا وإيطاليا. وذلك لأسباب "رمزية" وفقا لما أعلنه زعيم داعش، أبو بكر البغداد، فى عام 2014، من أنه سيقهر إيطاليا وإسبانيا.
وهناك توقعات بأن يتجه "داعش" بعد الهزيمة فى سوريا والعراق إلى شمال لبنان،لاستعادة سيناريو المنفذ البحرى المطل على البحر المتوسط ، وعلى الرغم من أن استعادة تدمر من "داعش" أوقفت هذا السيناريو، لكنه يظل حتمالا قائما.
ومن الواضح أن محاولة الهجوم الفاشلة على بن قردان فى تونس على مقربة من الحدود الليبية كانت فى سياق مرحلة تمهيدية للإنتقال إلى ليبيا حيث أسس داعش موقعا عسكريا قويا وقاعدة إحتياطية.
رابط دائم: