كان أديب نوبل الراحل نجيب محفوظ من عشاق الغناء, فلا يكاد عمل أدبي له يخلو من أغنية تترنم علي لسان أحد شخصياته, فكانت الكلمة الحلوة تسعده,
والنغمة الشجية تبهجه, وهذه شهادة أو وثيقة نادرة له عن عبدالحليم حافظ ذكرها في حوار إذاعي له علي موجات إذاعة صوت العرب:
كمستمع دائم للغناء وللأصوات الجميلة منذ صغري أحببت عبدالحليم, واستمعت إليه كثيرا, وهو للحقيقة التي لا تحتمل الجدل, صوت آسر ومؤثر في القلوب, صوت ينبعث دافئا حالما, رقيقا حينا, قويا هادرا ثائرا حينا آخر, ولهذا تعلقت به القلوب أو علق هو بالقلوب, لا فارق, وساعدته علي غزو القلوب الفتية والشابة مجموعة من الأغاني ذات الألحان الحلوة المتطورة التي اعتبرت نقلة كبيرة من عصر موسيقي إلي عصر آخر جديد, لأنها ناسبت العصر الثوري الجديد الذي شهد فترة كبيرة من الأحداث والتحولات, لقد كانت أغاني عبدالحليم الأولي والتي مهدت له الطريق المفتاح الذي فتح له قلوب الجماهير, صحيح أن بدايته الأولي كانت غير موفقة جماهيريا, إلا أن إيقاع ألحان كمال الطويل ومحمد الموجي, وحداثة الكلمات جذبا إليه المسامع بقوة, فأصبح بعد أغنيتين فقط علي كل لسان, وحديث كل اثنين علي أد الشوق اللي في عيوني يا جميل سلم للطويل, و صافيني مرة للموجي, ويكفي عبدالحليم قيادته لجيله فنيا وجماهيريا, بل يكفيه اثبات وجوده وسط الكبار فنيا وأدبيا.
وبخيالي الأدبي والروائي تصورت عبدالحليم أكثر من مرة, أحسست به مرة فنانا مرهف الحس والوجدان ذا أذن موسيقية تلتقط من الهواء أي نغمة موسيقية, فتتصارع الأفكار الفنية في رأسه الذكي القائم علي جسد مريض, راقد علي سرير أبيض دائما منذ عام1954, مرضه كان أقرب إلي السجن, ولذا كانت حياته بروفة متجددة للموت, كان يحس بنفسه فقط عندما ينشط من هم من حوله بأغنية جديدة وكبيرة ويحس في هذه اللحظات, أن تفكيره يضئ ويلمع ويتوهج, فيجمع احساسه ويتحفز وينسي آلامه وأمراضه بمجرد ظهوره علي المسرح ليغني.
إن عبدالحليم بطل درامي لرواية ذات فروع وأحداث كثيرة إنه بطل مأساوي, هذا هو عبدالحليم حافظ.
رابط دائم: