ربما كانت السخرية أكثر أساليب التعبير عن الغضب الجارف.. وهو ما يعكس خطوط هذا الغضب الذى يصل الى أقصاه فى احدث أعمال محمد شمروخ (الدين والينسون)..
وهو الغضب الذى يظهر من العنوان حيث يظهر هذا الخلاف القائم بين المدعين والمسلمين الحقيقيين حتى يتحول الينسون – وهو شراب معروف – إلى شراب مقدس فى عرف إخواننا المدعين، لتصبح العلاقة بين الينسون ومن ينسون علاقة دالة على الدرجة التى وصلنا اليها حين يتحول هذا المشروب الى ذلك الخطاب الغاضب ؛ فهناك فى تعبير هذا الكاتب" ملصقات كثيرة مثل الينسون، شوهت المشهد واخفت حقيقة ما وراءها حتى أحلت ما ليس بالحلال وحرمت ما لم يكن حراما واختصرت الدين - الذى لا يمكن أن يستغنى عنه الإنسان مهما بدا عليه من مظاهر منكرة- فى مجموعة من الفتاوى والأوامر والنواهى التى ما انزل الله بها من سلطان".
وفى ضوء هذا الخطاب المتردى يمكن أن نقترب من خطوط التخلف والتدهور الذى نعيش فيه ..فلم يعد هناك فارق بين المدعين واضرابهم من السلفيين والملحدين والإخوان والخوارج والشيعة والكهنة والكفار.. لتصل درجة التماهى الى جماعة الماسون.
وهناك اتفاق- بتعبير الكاتب – بين الملحد والمتطرف " فلم أجد اتفاقا كاد يصل إلى التطابق فى مسألة ما، مثلما وجدت من الملحدين الغارقين فى الإلحاد والمؤمنين المغرقين فى التطرف، فى اتفاقهم على القول بالنسخ فى القرآن الكريم! " ويعيد شرح هذا الفارق بينهما فى أن "هذا الملحد يقبل القول بالنسخ ، لأنه يرغب فى ان يرى الإسلام مشوها وينفى عنه ما يحمله فى القلوب بآيات الرحمة، فيراها منسوخة حتى يمكنه النسخ من إخراج مكنون قلبه الأسود/ وهذا المتطرف يقبل القول بالنسخ ، لأنه يرغب فى أن يرى الإسلام موافقا لمكنون قلبه الأسود، فلا يرى فيه أثرا للرحمة التى لا تتفق مع المكنون الأسود أيضا/ لا ورب الكعبة ..بل لا تتفق مع المكنونين الأسودين فى كلا القلبين / فالتطرف والإلحاد وجهان لعملة واحدة "
ومن هذا الواقع يكون عليه ان يعيد رسم هذه الخطوط الكثيفة من المسلمين الناسين لجلال الدين ومبادئه .. وهو ما يلاحظه الكاتب خاصة حين يتناسون (عن الينسون) تلك الإجابات البدهية لأسئلة بدهية كثيرة فى عالمنا الإسلامى .. منها الاهتمام لدى المسلم بكيفية الاستنجاء والوضوء والوقوف وتحرى القبلة والركوع والقيام والسجود والجلوس للتشهد"غير انه لم يشغل نفسه بما يقع فى قلبه فى أثناء صلاته، فانشغل بالصلاة عن المصلى والمصلى إليه"، وهو ما يترك بيننا أسئلة بدهية لا إجابة واحدة لها :فهل من الصلاة ان تهتم بكيفية وضع اليدين على الركبتين فى الركوع أو على الفخذين فى الجلوس/هل من الصيام مناقشة ان ابتلاع الملح الكثير، يفطر أو لا يفطر/ ام انه من الزكاة ان تخرج زكاتك صاعا من بر او زبيب أو تخرجها مالا ؟ /ام...."
وتتوالى لدينا الكثير من هذه الأسئلة الحائرة فى الخطاب الغاضب، منها أن أسطورة تجلى جبريل عليه السلام فى ميدان رابعة يثير هذه الأسئلة البدهية " فهل أمر الله الروح الأمين جبريل، بتبليغ أهل رابعة شيئا ما؟
وعن خدعة الشيعة الكبرى والصحوة الإسلامية المزعومة فى إيران، وحيث اتخذ الإخوان فترة حكمهم موقفا غامضا تجاه الدعوات المعادية لإيران من جانب الجماعات السلفية المسيطرة على كثير من المساجد ..وهو ما يطرح الأسئلة الحائرة: أهذا هو مشروع الإسلام السياسي؟ أهذه هى الصحوة الإسلامية؟
وحول ما كان يحدث فى إيران من تغول الشيعة ومواقف الزائرين لقبر الخمينى بإيران ومساجد آل البيت فى مصر وكل الزيارات مما يطرح أسئلة كثيرة منها : ما الأمر إذن ولماذا نرى محاولات بث الشقاق بين السنة والشيعة.
وعن تعدد هذه الوجوه الباهتة من السلفيين والإخوان والجهاديين الذين يدعون إلى ماسموه "المسلم الإسلامي" حيث يفرض السؤال نفسه هنا: " اوليس منا رجل رشيد يبحث فينا عن" المسلم الإسلامي"، فلماذا إذن نستغرب تلك الدموع الأوبامية والكيرية والماكينية وهى تذرف على الإخوان وأشباههم ..؟"
وتصل حالة الأسئلة الميلودرامية إلى أقصاها حين يطرح فى السياق الأخير سؤال بدهي ويعلو صوت الكاتب باختصار: من هم أعدى أعداء الإسلام؟ لا تقل لى أنهم اليهود فى إسرائيل أو المسيحيون فى أمريكا أو الملحدون فى أوروبا ولا البوذيون فى شرق أسيا ولا الهندوس فى الهند ولا حتى اللادينيون فى إفريقيا وعبورا من جماعات ومتدينين كثيرين يجيب بأسئلة بدهية أكثر دلالة على الإجابة: (فمن بين أعداء الإسلام هم الذين يستنكفون أن يسموا أنفسهم المسلمين ،متكبرون أن يتسموا بما سمانا به الله ورسوله .. (.و.) اعدى أعداء الإسلام من يخوفونكم بالله ولكنهم لا يخافون الله فيك.
وعلى هذا النحو، يكون عليه فى الختام أن نلاحظ أن محمد شمروخ يطرح الأسئلة التى تطرح- بالتبعية - إجابات دالة: لماذا كرهنا أنفسنا؟ ولماذا وصلت بنا الكراهية إلى هذا الحد، وإلى غير ذلك من هذه الأسئلة التى تطرح إجاباتها البدهية تتعدد فى كثير من الأصوات وتتحدد فى هذا الخطاب الغاضب الذى يؤكده الكاتب وبقدمه الينا..
رابط دائم: