رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

علامة بارزة فى تاريخ مصر والعالم

بطرس غالى
على ‬مدى ‬مشوار‭ ‬صحفى ‬طويل‭ ‬وشاق‭ ‬واصلت‭ ‬اهتمامى ‬بالدكتور‭ ‬بطرس‭ ‬غالى ‬الذى ‬ظل‭ ‬حتى ‬آخر‭ ‬لحظة‭ ‬فى ‬حياته‭ ‬خلف‭ ‬بريق‭ ‬المناصب‭ ‬مثالا‭ ‬استثنائيا‭ ‬لزهد‭ ‬العلماء‭ ‬وتواضع‭ ‬فقهاء‭ ‬القانون‭ ‬الدولى ‬وبساطة‭ ‬أهل‭ ‬القمة‭ ‬والتعامل‭ ‬الأنيق‭ ‬الراقى ‬لأرستقراطية‭ ‬ذهبت‭ ‬مع‭ ‬الريح.‭

كان‭ ‬دائما‭ ‬بالنسبة‭ ‬لى ‬بوصلتى ‬فى ‬عالم‭ ‬الصحافة‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬حقائق‭ ‬التبست‭ ‬أمرها‭... ‬فى ‬بداية‭ ‬مشواره‭ ‬كانت‭ ‬بذرة‭ ‬أحلامه‭ ‬النبيلة‭ ‬ومثاليته‭ ‬جعلت‭ ‬كل‭ ‬طموحه‭ ‬ينصب‭ ‬إلى ‬أن‭ ‬يعمل‭ ‬مدرسا‭ ‬برغم‭ ‬أن‭ ‬عائلته‭ ‬امتلكت‭ ‬فى ‬يوم‭ ‬ما‭ ‬2000‭ ‬فدان‭ ‬وكان‭ ‬جده‭ ‬بطرس‭ ‬غالى ‬رئيسا‭ ‬لوزراء‭ ‬مصر‭ ‬وعمه‭ ‬واصف‭ ‬غالى ‬وزير‭ ا‬لخارجية‭ ‬مصر‭ ‬ثلاث‭ ‬مرات‭!‬ فى ‬رحيله‭ ‬وصفته‭ ‬الصحافة‭ ‬الفرنسية‭ ‬بأنه‭ ‬مصري،‭ ‬عربي،‭ ‬إفريقي،‭ ‬فرانكوفونى ‬وأنه‭ ‬سليل‭ ‬البورجوازية‭ ‬القبطية‭ ‬المصرية‭ ‬وأن‭ ‬جده‭ ‬بطرس‭ ‬باشا‭ ‬غالى ‬تقلد‭ ‬منصب‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬تحت‭ ‬الاحتلال‭ ‬البريطانى ‬وتم‭ ‬اغتياله‭ ‬عام‭ ‬1910‭ ‬على ‬يد‭ ‬متطرف،‭ ‬وقالت‭ ‬إن‭ ‬الدكتور‭ ‬بطرس‭ ‬الحفيد‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬يتعرض‭ ‬لنفس‭ ‬القدر‭ ‬خلال‭ ‬زيارة‭ ‬الرئيس‭ ‬السادات‭ ‬للقدس‭ ‬عام‭ ‬1977،‭ ‬وأشارت‭ ‬إلى ‬إن‭ ‬غالى ‬هو‭ ‬الذى ‬كتب‭ ‬الخطاب‭ ‬التاريخى ‬للسادات‭ ‬فى ‬‮«‬الكنيست‮»‬‭ ‬واشترك‭ ‬اشتراكا‭ ‬وثيقا‭ ‬فى ‬كتابة‭ ‬اتفاقيات‭ ‬كامب‭ ‬ديفيد‭ ‬مع‭ ‬نظيره‭ ‬موشى ‬ديان‭ ‬واستمر‭ ‬بعد‭ ‬اغتيال‭ ‬الرئيس‭ ‬السادات‭ ‬حتى ‬عام‭ ‬1991‭ ‬وزيرا‭ ‬للدولة‭ ‬للشئون الخارجية فى ‬عهد‭ ‬مبارك‭ ‬إلى ‬أن‭ ‬تولى ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬فى ‬أول‭ ‬يناير‭ ‬1992‭ ‬عقب‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة،‭ ‬وأبرز‭ ‬الإعلام‭ ‬الفرنسى ‬أن‭ ‬الفشل‭ ‬العسكرى ‬لعملية‭ ‬‮«‬إعادة‭ ‬الأمل‮»‬‭ ‬Restore Hope‭ ‬ومذابح‭ ‬رواندا‭ ‬أثرت‭ ‬فى ‬تدهور‭ ‬علاقاته‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وأن‭ ‬غالى ‬ظل‭ ‬يمارس‭ ‬دوره‭ ‬كدبلوماسى ‬وإدارى ‬وجسد‭ ‬استقلال‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬تجاه‭ ‬القوى ‬العظمى ‬حتى ‬إن‭ ‬سفير‭ ‬فرنسا‭ ‬الأسبق‭ ‬فى ‬كل‭ ‬من‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬بنيويورك‭ ‬وفى ‬مصر‭ ‬‮«‬دى ‬جاميه‮»‬‭ ‬ـ‭ ‬والذى ‬حضر‭ ‬خصيصا‭ ‬لتقديم‭ ‬العزاء‭ ‬فى ‬رحيل‭ ‬بطرس‭ ‬وتشييع‭ ‬جنازته‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬الدبلوماسى ‬الدولى ‬كان‭ ‬مثالا‭ ‬بارعا‭ ‬لما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬عليه‭ ‬المنظمة‭ ‬الدولية‭.‬
 


كما‭ ‬ألقت‭ ‬جريدة‭ ‬‮«لوموند»‬‭ ‬الضوء‭ ‬على ‬موقفه‭ ‬إزاء‭ ‬البوسنة‭ ‬عام‭ ‬1995‭ ‬وموقفه‭ ‬من‭ ‬الصراعات‭ ‬فى ‬رواندا‭ ‬عام‭ ‬94‭ ‬والتى ‬سوف‭ ‬تكون‭ ‬محل‭ ‬بحث‭ ‬جدلى ‬طويل‭ ‬ومادة‭ ‬مهمة‭ ‬للأكاديميين‭ ‬وخبراء‭ ‬السياسة‭ ‬الدولية‭ ‬فى ‬المستقبل‭ ‬القريب،‭ ‬وتناولت‭ ‬‮«لوموند»‬‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬بطرس‭ ‬غالى ‬قد‭ ‬ظلم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬إزاء‭ ‬تجديد‭ ‬مدته‭ ‬كأمين‭ ‬عام‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لأنه‭ ‬انتقد‭ ‬مذابح‭ ‬‮«‬قنا‮»‬‭ ‬والتدخل‭ ‬الإسرائيلى ‬جنوب‭ ‬لبنان‭ ‬وأنه‭ ‬لم‭ ‬ينس‭ ‬لبطرس‭ ‬غالى ‬إطلاقه‭ ‬عدة‭ ‬مؤتمرات‭ ‬دولية‭ ‬مهمة‭ ‬مثل‭ ‬مؤتمر‭ ‬السكان‭ ‬بالقاهرة‭ ‬ومؤتمر‭ ‬المرأة‭ ‬ببكين‭ ‬ومؤتمر‭ ‬البيئة‭ ‬‮«‬بريو‮»‬‭ ‬تلك‭ ‬المؤتمرات‭ ‬التى ‬فتحت‭ ‬الطريق‭ ‬لأجندة‭ ‬الألفية‭ ‬وللمؤتمرات‭ ‬حول‭ ‬المناخ‭.

بالنسبة‭ ‬لى ‬كان‭ ‬الدكتور‭ ‬غالى ‬دائما‭ ‬علامة‭ ‬مضيئة‭ ‬فى ‬مشوارنا‭ ‬الصحفى ‬وعكست‭ ‬جنازته‭ ‬بالكنيسة‭ ‬‮«‬البطرسية‮»‬‭ ‬التى ‬أسسها‭ ‬أجداده‭ ‬كيف‭ ‬كان‭ ‬الدكتور‭ ‬بطرس‭ ‬غالي،‭ ‬غاليا‭ ‬على ‬كل‭ ‬من‭ ‬اقترب‭ ‬منه‭ ‬من‭ ‬تلاميذه‭ ‬من‭ ‬الأكاديميين‭ ‬والدبلوماسيين‭ ‬والإعلاميين‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬محل‭ ‬اهتمامه‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬يدرك‭ ‬تماما‭ ‬ارتباط‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬والسياسة‭ ‬بالصحافة‭ ‬والإعلام‭... ‬ألم‭ ‬يؤسس‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭ ‬‮ «السياسة‭ ‬الدولية‮»‬‭‬ و«الأهرام الاقتصادي» ‬أهم‭ ‬إصدارات‭ ‬الأهرام؟‭ ‬ألم‭ ‬يرافقه‭ ‬الصحفيون‭ ‬فى ‬كل‭ ‬جولاته‭ ‬وصولاته؟‭ ‬انتصاراته‭ ‬وأمجاده‭.. ‬وأحيانا‭ ‬إخفاقاته‭...‬ لقد‭ ‬اقتربت‭ ‬من‭ ‬الدكتور‭ ‬غالى ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬عينت‭ ‬بالأهرام‭ ‬وانصهرت‭ ‬فى ‬متابعة‭ ‬نشاطه‭ ‬حيث‭ ‬تولى ‬مسئوليات‭ ‬وزير‭ ‬الدولة‭ ‬للشئون‭ ‬الخارجية‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1977‭ ‬إلى‬1991‭ ‬وسخر‭ ‬للمحررين‭ ‬الدبلوماسيين‭ ‬بالخارجية‭ ‬كل‭ ‬التسهيلات‭ ‬للوصول‭ ‬إلى ‬الخبر‭ ‬والحديث‭ ‬والتحقيق‭ ‬الخارجى ‬وتقنيات‭ ‬التحليل‭ ‬واهتم‭ ‬بهم‭ ‬فى ‬رحلاته‭ ‬المكوكية‭ ‬إلى ‬إفريقيا‭ ‬ومشاركتهم‭ ‬فى ‬كل‭ ‬نشاطه ‬الدبلوماسى ‬والاجتماعى ‬ليقدمهم إلى ‬السياسيين‭ ‬والمفكرين‭ ...‬وبمكتبه‭ ‬بوزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬وبمدينة ‭‬‮«‬فيتيل‮»‬‭ ‬الفرنسية‭ ‬وما‭ ‬بين‭ ‬الرباط‭ ‬وكازابلانكا‭ ‬ونادى ‬جولف ‭‬‮«‬السخيرات‮»‬‭‬ بالمغرب‭ ‬وفى ‬جاكارتا‭ ‬وباندونج،‭ ‬ولم‭ ‬أنس‭ ‬أداءه‭ ‬كسكرتير‭ ‬عام‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬خلال‭ ‬مؤتمر عدم الانحياز‭ ‬بجاكارتا عام 1992‭ ‬كان‭ ‬يجتاز‭ ‬المسافات‭ ‬بين‭ ‬قاعات‭ ‬المؤتمر‭ ‬فى ‬سيارة‭ ‬جولف‭ ‬بيضاء،‭ ‬ولم‭ ‬أنس‭ ‬دخوله‭ ‬فى ‬بهو‭ ‬هيلتون‭ ‬الرباط‭ ‬مع‭ ‬الدكتور‭ ‬أسامة‭ ‬الباز‭ ‬وراء‭ ‬الرئيس‭ ‬السادات‭ ‬وكان‭ ‬الاثنان‭ ‬فى ‬شرخ‭ ‬الشباب‭... ‬يتابعان‭ ‬ويحركان‭ ‬آليات‭ ‬العمل‭ ‬السياسى ‬والدبلوماسى ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬اتفاقيات‭ ‬كامب‭ ‬ديفيد‭ ‬حتى ‬لا‭ ‬تخرج‭ ‬مصر‭ ‬من‭ ‬معسكرها‭ ‬العربى ‬وجيويوليتيكية‭ ‬المنطقة‭!

‬ وفى ‬ندوات‭ ‬الأهرام‭ ‬كنت‭ ‬أستمع‭ ‬للأحاديث‭ ‬الثنائية‭ ‬التى ‬كانت‭ ‬تدور‭ ‬على ‬الهامش‭ ‬بين‭ ‬العبقريين‭ ‬بطرس‭ ‬غالى ‬والأستاذ‭ ‬هيكل الذين انجبتهما ‭ ‬الكنانة‭ ‬وكلفتهما‭ ‬بكل‭ ‬مزايا‭ ‬ومقومات‭ ‬الزمن‭ ‬الجميل‭‬ وفى ‬القمم‭ ‬الإفريقية‭ ‬كنت‭ ‬أتابع نشاطه والدكتور ‬غالى ‬الذى ‬كان‭ ‬يرأس‭ ‬فريق‭ ‬عمل‭ ‬دبلوماسى ‬متفرد‭ ‬أذكر‭ ‬منهم‭ ‬السفراء‭ ‬أحمد‭ ‬صدقى ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬وأطال‭ ‬عمر‭ ‬على ‬ماهر،‭ ‬وإبراهيم‭ ‬حسن‭ ‬وسعد‭ ‬الفرارجى ‬ومجدى ‬حفنى ‬والدكتور‭ ‬محمد‭ ‬حجازى ‬والسفير‭ ‬مخلص‭ ‬قطب ‬وفريد‭ ‬منيب‭ ‬ومحمد‭ ‬الزرقاني ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬تلميذة‭ ‬الدكتور‭ ‬بطرس‭ ‬غالى ‬مستشارة‭ ‬الأمن‭ ‬القومى ‬الحالية ‬فايزة‭ ‬أبو‭ ‬النجا‭ ‬التى ‬عرفناها‭ ‬دائما‭ ‬إنسانة‭ ‬منضبطة‭ ‬تتمتع‭ ‬بقدرة‭ ‬جبارة‭ ‬على ‬العمل‭ ‬والأدب‭ ‬الجم‭ ‬والابتسامة‭ ‬المميزة‭ ‬والتكيف‭ ‬والمواءمة‭ ‬مع‭ ‬الأحداث‭.. ‬وجميعهم‭ ‬تشربوا‭ ‬من‭ ‬مدرسة‭ ‬الدكتور‭ ‬غالى ‬وكان‭ ‬مكتب‭ ‬الدكتور‭ ‬غالى ‬فى ‬الوزارة‭ ‬أشبه‭ ‬بوزارة‭ ‬إعلام‭ ‬تصدر‭ ‬البيانات‭ ‬الدقيقة‭ ‬وتقوم‭ ‬بتوجيه‭ ‬الدور‭ ‬الإعلامى ‬لوزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬ونقل‭ ‬صورة‭ ‬مصر‭ ‬خارجيا‭ ‬بحرفية‭ ‬وذكاء،‭ ‬ولم‭ ‬أنس‭ ‬فضل‭ ‬الرجل‭ ‬العظيم‭ ‬والموضوعى ‬عندما‭ ‬خصنى ‬بكتابة‭ ‬مقدمة‭ ‬لكتابى ‬أحمد‭ ‬عبد‭ ‬الغفار‭ ‬ودوره‭ ‬فى ‬السياسة‭ ‬المصرية (1919 ــ 1953)

‬ودعته‭ ‬مرتين‭ ‬قبل‭ ‬الرحيل‭ ‬مرة‭ ‬بعد‭ ‬ظهر‭ ‬يوم‭ ‬الثلاثاء‭ ‬12‭ ‬يناير‭ ‬بمنزله‭ ‬ليحدد‭ ‬لى ‬ميعاداً‭ ‬لإجراء‭ ‬حديث‭ ‬صحفى ‬بالمجلس‭ ‬القومى ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والذى ‬أعطاه‭ ‬عصارة‭ ‬فكره‭ ‬كأول‭ ‬رئيس‭ ‬له‭ ‬على ‬مدى ‬ثلاث دورات‭ ‬ثم‭ ‬كرئيس‭ ‬شرفي‭.. ‬وللأسف‭ ‬لم‭ ‬يتم‭.. ‬لأسباب‭ ‬خارجة‭ ‬عن‭ ‬إرادتى ‬وإرادته‭.. ‬وأشار‭ ‬لى ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬المقابلة‭ ‬التى ‬زادت‭ ‬من‭ ‬اعجابى ‬به‭ ‬لحسن‭ ‬استقباله‭ ‬ـ‭ ‬برغم‭ ‬تراجع‭ ‬صحته‭ ‬وزهده‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬التى ‬كان‭ ‬يتحمل‭ ‬أعباءها‭ ‬بكل‭ ‬شجاعة‭ ‬وإصرار‭ ‬ـ‭ ‬ان‭ ‬مصر‭ ‬سوف‭ ‬تتمتع‭ ‬بالاستقرار‭ ‬لمدة‭ ‬الثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬القادمة‭ ‬وانما‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬معالجة‭ ‬على ‬عجل‭ ‬مشكلة‭ ‬الانفجار‭ ‬السكانى.

‭‬ ثم‭ ‬قال‭ ‬لى ‬لقد‭ ‬تقدمت‭ ‬فى ‬السن‭ ‬كثيرا‭ ‬واستمع‭ ‬لإجاباتى ‬على ‬أسئلته‭ ‬العديدة‭ ‬التى ‬دارت‭ ‬حول‭ ‬أوضاع‭ ‬الصحافة‭ ‬المصرية‭ ‬والأهرام ‭ ‬الذى ‬أحبه‭ ‬برغم‭ ‬الغياب‭ ‬الطويل‭ ‬عن‭ ‬الدور‭ ‬السادس‭ ‬الذى ‬يحمل‭ ‬على ‬جدرانه‭ ‬العتيقة‭» ‬‮ لوحة‬برونزية» ‮‬تقديرا‭ ‬لتأسيسه‭ ‬السياسة‭ ‬الدولية‭ ‬والأهرام‭ ‬الاقتصادى.

وليس‭ ‬بغريب‭ ‬أن‭ ‬الأهرام‭ ‬قد‭ ‬أقام‭ ‬للفقيد‭ ‬حفل‭ ‬تأبين‭ ‬رائعا‭ ‬فاق‭ ‬جميع‭ ‬التأبينات،‭ ‬وضع‭ ‬فيه‭ ‬لمسات‭ ‬محبيه‭ ‬وتلاميذه.

‬ استمر ‬د‭.‬غالى ‬فى ‬العمل‭ ‬والتفكير‭ ‬إلى ‬آخر‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬حياته‭ ‬حتى ‬إنه‭ ‬لبى ‬دعوة‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬الصين‭ ‬مع‭ ‬شريكة‭ ‬حياته «‭‬‮‬ليا» ‮‬خلال‭ ‬زيارته‭ ‬الرسمية‭ ‬لمصر‭. ‬وقبيل‭ ‬سفره‭ ‬المرتقب‭ ‬إلى ‬باريس‭ ‬قمت‭ ‬بزيارته‭ ‬بمستشفى ‬السلام‭ ‬بالمهندسين‭ ‬مع‭ ‬إحدى ‬تلميذاته‭ ‬السفيرة‭ ‬منحة‭ ‬باخوم‭ ‬لبضع‭ ‬دقائق‭ ‬حتى ‬لا‭ ‬نثقل‭ ‬عليه‭ ‬وكانت‭ ‬معنوياته‭ ‬يوم‭ ‬الأحد‭ ‬الأخير‭ ‬قبل‭ ‬الرحيل‭ ‬مرتفعة‭ ‬وكان‭ ‬يتمتع‭ ‬بابتسامة‭ ‬ملائكية‭ ‬وهدوء‭ ‬وسكينة‭ ‬غريبة‭ ‬وراحة‭ ‬نفسية‭ ‬عميقة‭ ‬حتى ‬إن‭ ‬وجهه‭ ‬بدا‭ ‬لى ‬وجه‭ ‬شاب‭ ‬صغير‭ ‬وليس‭ ‬شيخا‭ ‬كبيرا‭.. ‬ربما‭ ‬لأنه‭ ‬نجح‭ ‬فى ‬رحلته‭ ‬الحياتية‭ ‬وأن‭ ‬ضميره‭ ‬كان‭ ‬مستريحا‭.. ‬كان‭ ‬يستعد‭ ‬لترافقه‭ ‬الملائكة‭ ‬إلى ‬السماء‭.. ‬وفى ‬الكنيسة‭ ‬البطرسية‭ ‬كان‭ ‬القداس‭ ‬مؤثرا‭ ‬وبسيطا،‭ ‬جمع‭ ‬جميع‭ ‬محبيه‭ ‬المقربين‭ ‬وتمنيت‭ ‬أن‭ ‬تدق‭ ‬أجراس‭ ‬جميع‭ ‬كنائس‭ ‬وكاتدرائيات‭ ‬مصر‭ ‬فى ‬لحظة‭ ‬التوديع‭.. ‬وان‭ ‬كانت‭ ‬الجنازة‭ ‬العسكرية‭ ‬التى ‬تقدمها‭ ‬الرئيس‭ ‬السيسى ‬أدت‭ ‬الواجب‭ ‬لابن‭ ‬النيل‭ ‬حامل‭ ‬قلادته‭.. ‬وقال‭ ‬البابا‭ ‬تواضروس‭ ‬إن‭ ‬أعماله‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى ‬مجلدات‭ ‬ومجلدات‭ ‬ورحل‭ ‬صانع‭ ‬السلام،‭ ‬ومخلص‭ ‬الوطن.

‭‬وتحدث‭ ‬عمرو‭ ‬موسى ‬عنه‭ ‬بحرفية‭ ‬الدبلوماسى ‬المخضرم‭ ‬ثم‭ ‬عكست‭ ‬كلمة «‬ايرينا‭ ‬بوكوفا» ‮‬مدير‭ ‬عام‭ ‬اليونسكو‭ ‬وممثلة‭ ‬بان‭ ‬كى ‬مون‭ ‬الشخصية‭ ‬احترام‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولى ‬للدبلوماسى ‬العالمى ‬والمفكر‭ ‬السياسى ‬البارز‭ ‬وصاحب‭ ‬الرسالة‭ ‬الإنسانية‭.. ‬توقفت‭ ‬عند‭ ‬خطاب‭ ‬السيدة «‬ميكائل‭ ‬جان» ‬أمين‭ ‬عام‭ ‬منظمة‭ ‬الفرانكوفونية‭ ‬‮»‬فى ‬يوم‭ ‬تكريم‭ ‬مصر‭ ‬لابنها‭ ‬بطرس‭ ‬غالى ‬فأقول‭ ‬إنه‭ ‬ابن‭ ‬هذا‭ ‬النيل‭ ‬الذى ‬نجح‭ ‬فى ‬أن‭ ‬يصاحب‭ ‬مسيرة‭ ‬العالم‭ ‬وأن‭ ‬ينقل‭ ‬مسيرة‭ ‬وطنه‭ ‬للدنيا‭ ‬كلها‭ ‬والسعى ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تفاهم‭ ‬وتقارب‭ ‬الشعوب،‭ ‬إن‭ ‬السكرتير‭ ‬العام‭ ‬الثالث‭ ‬لمنظمة‭ ‬الفرانكوفونية‭ ‬كان‭ ‬صوتا‭ ‬مؤثرا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إرساء‭ ‬العدالة‭ ‬وفتح‭ ‬آفاق‭ ‬جديدة‭ ‬أمام‭ ‬الفرانكوفونية مجالات هامة،‭ ‬لقد‭ ‬رسم‭ ‬غالى ‬الأمل‭ ‬أمام‭ ‬الفرانكوفونية‭ ‬وقام‭ ‬بتعديد‭ ‬مسالكها‭ ‬وطرقها‭ ‬نحو‭ ‬العالمية‭ ‬واستعادة‭ ‬وضعها‭ ‬وشكرا‭ ‬لمصر‭ ‬التى ‬أنجبت‭ ‬هذا‭ ‬الابن‭ ‬البار‭.. ‬ومن‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬جاك‭ ‬شيراك‭ ‬فى ‬تصورى ‬كان‭ ‬قد‭ ‬اختار‭ ‬غالى ‬لرئاسة‭ ‬هذه‭ ‬المنظمة‭ ‬الجادة‭ ‬احتراما‭ ‬وإجلالا‭ ‬لثقافته‭ ‬الفرنسية‭ ‬الواسعة‭ ‬والعميقة‭ ‬واحتراما‭ ‬لسياسى ‬من‭ ‬الطراز‭ ‬الثقيل‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يضيف‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الحداثة‭ ‬للفرانكوفونية‭ ‬فى ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬أجمع.

‬ لقد‭ ‬تضاعفت‭ ‬حواراتى ‬مع‭ ‬الدكتور‭ ‬غالى ‬فكنت‭ ‬دائما‭ ‬حريصة‭ ‬على ‬أن‭ ‬التقى ‬به‭ ‬هو‭ ‬وشريكة‭ ‬حياته «‭‬‮‬ليا» ‮‬التى ‬كانت‭ ‬تقدس‭ ‬وتنظم‭ ‬حياته‭ ‬الإبداعية‭ ‬بذكاء‭ ‬وكثيرا‭ ‬ما‭ ‬كنت‭ ‬أزورهم‭ ‬بشقتهما‭ ‬بالحى ‬السابع‭ ‬بباريس‭ ‬بنفس‭ ‬الشارع‭ ‬الذى ‬يقيم‭ ‬فيه‭ ‬الرئيس‭ ‬شيراك‭ ‬والذى ‬كان‭ ‬ينتقل‭ ‬سيرا‭ ‬على ‬الاقدام‭ ‬لزيارته‭ ‬والذى ‬تقع‭ ‬فيه‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬الفرنسية.

‬وفى ‬مناسبة‭ ‬إطفائه‭ ‬الشمعة‭ ‬التسعين‭ ‬قال‭ ‬لى ‬‮«‬أردت‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬مدرسا‭ ‬فقال‭ ‬لى ‬والدى ‬عاوز‭ ‬تشتغل‭ ‬خوجة‮»‬‭ ‬وفى ‬حوار‭ ‬آخر‭ ‬أكد‭ ‬لى ‬ان‭ ‬افريقيا‭ ‬مؤهلة‭ ‬لمزيد‭ ‬من‭ ‬الصراعات‭ ،‬ونهب‭ ‬الثروات‭ ‬مازال‭ ‬مستمرا،‭ ‬وقال‭ ‬إن‭ ‬ثورة‭ ‬المعلومات‭ ‬أهم‭ ‬تحديات‭ ‬القرن‭ ‬الحالى ‬فى ‬ظل‭ ‬القرية‭ ‬الكونية،‭ ‬وطالب‭ ‬بإنشاء‭ ‬منظمة‭ ‬تتولى ‬توزيع‭ ‬الكهرباء‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬حوض‭ ‬النيل.

‬ وفى ‬حوار‭ ‬ثالث‭ ‬قال‭ ‬لى ‬‮«‬إذا‭ ‬تلاشى ‬التضامن‭ ‬بين‭ ‬الهلال‭ ‬والصليب‭ ‬سينهار‭ ‬ركن‭ ‬من‭ ‬الدولة‮»‬‭ ‬وفى ‬حوار‭ ‬آخر‭ ‬قال‭ ‬لى ‬‮«‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬معنية‭ ‬باستقرار‭ ‬مصر‭ ‬وان‭ ‬زيارة‭ ‬الرئيس‭ ‬السادات‭ ‬القدس‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬الأحداث‭ ‬التى ‬عاصرتها‮»‬‭ ‬وان‭ ‬سعد‭ ‬زغلول‭ ‬أهم‭ ‬شخصية‭ ‬فى ‬تاريخ‭ ‬مصر‭ ‬لأنه‭ ‬نال‭ ‬تأييد‭ ‬الشعب‭. ‬وفى ‬حوارى ‬الأخير‭ ‬قال‭ ‬لى ‬‮«‬نعيش‭ ‬مرحلة‭ ‬اضمحلال‭ ‬فى ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬والأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬فى ‬حاجة‭ ‬إلى ‬التحديث‭ ‬ودول‭ ‬أمريكا‭ ‬اللاتينية‭ ‬انتظرت‭ ‬عشرين‭ ‬سنة‭ ‬حتى ‬سادها‭ ‬الاستقرار‮»‬‭ ‬وظلت‭ ‬قضية‭ ‬سد‭ ‬النهضة‭ ‬حتى ‬آخر‭ ‬دقيقة‭ ‬من‭ ‬عمره‭ ‬شاغله‭ ‬الأكبر‭ ‬ومشكلة‭ ‬المياه‭ ‬وهو‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬تحدث‭ ‬عن‭ ‬حرب‭ ‬المياه.

‬ فى ‬إطار‭ ‬معلوماته‭ ‬الموسوعية‭ ‬التى ‬استوقفنى‭ ‬انبهارى ‬بالعالم‭ ‬والأستاذ‭ ‬والدبلوماسى ‬والأديب‭ ‬والإنسان‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬أباح‭ ‬لى ‬به‭ ‬‮«‬أن‭ ‬هناك‭ ‬دولا‭ ‬افريقية‭ ‬أخرى ‬تسعى ‬لبناء‭ ‬سدود‭ ‬جديدة‭ ‬غير‭ ‬سد‭ ‬النهضة.

لقد‭ ‬ترك‭ ‬الدكتور‭ ‬غالى ‬للمكتبة مؤلفات عديدة‭ ‬خلاف‭ ‬دراساته‭ ‬ومقالاته‭ ‬ومن‭ ‬أهمها‭ ‬فى ‬رأيى ‬‮«‬الطريق‭ ‬إلى ‬القدس» ‬و «تسعون‭ ‬عاما‭ ‬من‭ ‬الصراع‭ ‬فى ‬الشرق‭ ‬الأوسط‮» ‬و «بيت‭ ‬من‭ ‬زجاج‮»‬‭‬ والتى ‬تكشف‭ ‬نظرته‭ ‬المتفردة‭ ‬فى ‬الدبلوماسية‭ ‬والسياسة‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬مقولاته ‭‬‮«‬السياسى ‬الشاطر‭ ‬موظف‭ ‬فاشل» ‬و«الأمن‭ ‬قبل‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‮»‬‭ ‬هناك‭ ‬صعوبة‭ ‬فى ‬نشر‭ ‬ثقافة‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬فى ‬مجتمع‭ ‬تصل‭ ‬أميته 40٪‭‬ ‬واتفاقية‭ ‬كامب‭ ‬ديفيد‭ ‬علامة‭ ‬فارقة‭ ‬فى ‬تاريخ‭ ‬الصراع‭ ‬العربى ‬ـ‭ ‬الإسرائيلي‭.. ‬هناك‭ ‬قضايا‭ ‬يصعب‭ ‬حلها‭ ‬سريعا‭ ‬وتجارة‭ ‬الرقيق‭ ‬استمرت‭ ‬200‭ ‬عام‭ ‬و«الابارتايد» ‬استمر‭ ‬50‭ ‬عاما‭ ‬والتعذيب‭ ‬فى ‬مصر‭ ‬عمره‭ ‬خمسمائة‭ ‬عام.

‬ ولقد‭ ‬تميز‭ ‬بطرس‭ ‬غالى ‬بخفة‭ ‬ظل‭ ‬نادرا‭ ‬ما‭ ‬يتحلى ‬بها‭ ‬رجال‭ ‬السياسة‭ ‬فقال‭ ‬‮«‬أفضل‭ ‬وسيلة‭ ‬للرجيم‭ ‬هى‭ ‬الدخول‭ ‬فى ‬معركة‭ ‬سياسية‭ ‬مع‭ ‬أمريكا‮»‬‭.‬ أحب‭ ‬الأهرام‭ ‬فأحبه‭ ‬الأهراميون‭ ‬والدليل‭ ‬على ‬ذلك‭ ‬اندهاش‭ ‬سكرتيرته‭ ‬الإنجليزية‭ ‬ان‭ ‬الدكتور‭ ‬غالى ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لا‭ ‬يهتم‭ ‬إلا‭ ‬بصحيفة‭ ‬واحدة‭ ‬هى ‬الأهرام.‬عندما‭ ‬كانت‭ ‬تقدم‭ ‬له‭ ‬الصحف‭ ‬الأمريكية‭ ‬والبريطانية‭ ‬كان‭ ‬يقول‭ ‬لها‭ ‬أين‭ ‬الأهرام.

‬ لقد‭ ‬ساهم‭ ‬الدكتور‭ ‬بطرس‭ ‬غالى ‬فى ‬إثراء‭ ‬ثقافتى، ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬ضليعا‭ ‬فى ‬شرح‭ ‬أهمية‭ ‬العلاقات‭ ‬الفرنسية‭ ‬ـ‭ ‬المصرية و‬كان‭ ‬يرى ‬أنه‭ ‬برغم‭ ‬الطابع‭ ‬الاستعمارى ‬لحملة‭ ‬بونابارت‭. ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬حملت‭ ‬فى ‬ثناياها‭ ‬الاشعاع‭ ‬الفكرى ‬للثورة‭ ‬الفرنسية‭ ‬وتركت‭ ‬بصماتها‭ ‬على ‬الفقه‭ ‬الدستورى ‬وعلى ‬أول‭ ‬برلمان‭ ‬مصرى ‬وعلى ‬حكم‭ ‬محمد‭ ‬على ‬وعلى ‬النضال‭ ‬الوطنى ‬لجمال‭ ‬الدين‭ ‬الأفغانى ‬ومحمد‭ ‬عبده‭. ‬وكان‭ ‬يشدد‭ ‬على ‬تأثير‭ ‬تشريع‭ ‬نابليون‭ ‬على ‬القانون‭ ‬المدنى ‬المصرى ‬وتأثير‭ ‬مفكرى ‬الثورة‭ ‬الفرنسية‭ ‬على ‬الكتابات‭ ‬الإصلاحية‭ ‬للكواكبى ‬والارتباط‭ ‬الوثيق‭ ‬بين‭ ‬الحركة‭ ‬الوطنية‭ ‬المصرية‭ ‬والمجتمع‭ ‬الفرنسى ‬وكيف‭ ‬ان‭ ‬الثورة‭ ‬الفرنسية‭ ‬أرست‭ ‬الأسس‭ ‬الحديثة‭ ‬للديمقراطية‭ ‬واللبنات‭ ‬الأولى ‬لمبادئ‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬وفجرت‭ ‬الاختمار‭ ‬الفكرى ‬والاجتماعى ‬فى ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬عشر‭ ‬على ‬ايدى ‬مفكرى ‬التنوير‭ ‬والإرهاصات‭ ‬الأولى ‬للتجديد‭ ‬فى ‬الفكر‭ ‬السياسى ‬المصرى ‬الحديث‭ ‬حيث،‭ ‬ان‭ ‬محضر‭ ‬تعيين‭ ‬محمد‭ ‬على ‬هو‭ ‬أول‭ ‬قرار‭ ‬مكتوب‭ ‬بأن‭ ‬الأمة‭ ‬هى ‬مصدر‭ ‬السلطات‭ ‬وهو‭ ‬مبدأ‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬أرسته‭ ‬الشريعة‭ ‬الإسلامية‭ ‬فى ‬عزل‭ ‬الولاة‭ ،‬مبرزا‭ ‬ان‭ ‬نشأة‭ ‬الفقه‭ ‬الدستورى ‬فى ‬مصر‭ ‬اعتمد‭ ‬على ‬مزج‭ ‬فكر‭ ‬الثورة‭ ‬الفرنسية‭ ‬ومبادىء ‬الشريعة‭ ‬الإسلامية‭ ‬وكان‭ ‬معجبا‭ ‬بالإصلاحيين‭ ‬المصريين‭ ‬الذين‭ ‬فتحوا‭ ‬الحوار‭ ‬بين‭ ‬الحضارتين‭ ‬المصرية‭ ‬والفرنسية‭ ‬واثروا‭ ‬الحركة‭ ‬الوطنية‭ ‬المصرية‭ ‬مثل‭ ‬الطهطاوى ‬ومحمد‭ ‬عبده‭ ‬والكواكبى ‬ومصطفى ‬كامل.

‭‬ وتكمن‭ ‬عظمة‭ ‬الدكتور‭ ‬بطرس‭ ‬غالى ‬فى ‬مطالبته‭ ‬بأهمية‭ ‬إرساء‭ ‬الديمقراطية‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬والتى ‬تناولها‭ ‬فى ‬خطاب‭ ‬فى ‬31‭ ‬يناير‭ ‬1992‭ ‬اثناء‭ ‬قمة‭ ‬رؤساء‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬فاندفع‭ ‬نحوه‭ ‬بوش‭ ‬الأب‭ ‬قائلا،‭ ‬ماذا‭ ‬تقصد؟

فأجاب‭ ‬الا‭ ‬ينفذ‭ ‬القرار‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬دولة‭ ‬واحدة‭ ‬ولكن‭ ‬بعد‭ ‬مناقشة‭ ‬بين‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬لأن‭ ‬السلطة‭ ‬موزعة‭ ‬وهذه‭ ‬هى ‬الديمقراطية‭ ‬بين‭ ‬الدول!

‭‬ كان‭ ‬يعشق‭ ‬الريف‭ ‬المصرى ‬ويحدثنى ‬عن‭ ‬أماكن‭ ‬ارتبط‭ ‬بها‭ ‬فى ‬طفولته‭ ‬مثل‭ ‬مسقط‭ ‬رأس‭ ‬العائلة‭ ‬فى ‬‮«‬أمن‭ ‬العروس‮»‬‭ ‬على ‬مقربة‭ ‬من‭ ‬بنى ‬سويف‭ ‬و«كفر‭ ‬عمار‮»‬‭ ‬عزبة‭ ‬العائلة‭ ‬وبرغم‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬ينتمى ‬إلى ‬عائلة‭ ‬تمتلك‭ ‬نحو‭ ‬ألفى ‬فدان‭ ‬وألحق‭ ‬بها‭ ‬الأضرار‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬تعامل‭ ‬مع‭ ‬ثورة‭ ‬1952‭ ‬بمرونة،‭ ‬مرجحا‭ ‬ذلك‭ ‬انه‭ ‬باحث‭ ‬علمى ‬وأكاديمي،‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬لى إنه ‬كان‭ ‬معجبا‭ ‬بنيلسون‭ ‬مانديلا‭ ‬إعجابا‭ ‬شديدا‭ ‬وبالرئيس‭ ‬ديجول‭ ‬و«اديناور‮»‬‭ ‬مستشار‭ ‬ألمانيا‭ ‬الأسبق‭ ‬وظل‭ ‬حتى ‬آخر‭ ‬لحظة‭ ‬من‭ ‬عمره‭ ‬تشغله‭ ‬قضيتان،‭ ‬المياه‭ ‬التى ‬تحتاج‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬لى ‬‮«‬إلى ‬دبلوماسى ‬محنك‭ ‬يغوص‭ ‬فى ‬وجدان‭ ‬الأفارقة‮»‬‭ ‬وقضية‭ ‬الانفجار‭ ‬السكانى ‬الذى ‬يهدد‭ ‬مستقبل‭ ‬مصر.

.‬ وسوف‭ ‬يظل‭ ‬بطرس‭ ‬غالى ‬علامة‭ ‬بارزة‭ ‬فى ‬تاريخ‭ ‬مصر‭ ‬المعاصر‭ ‬تفتخر‭ ‬به‭ ‬الأجيال‭ ‬القادمة‭ ‬التى ‬سوف‭ ‬تسترشد‭ ‬بعلمه‭ ‬النافع‭ ‬وآرائه‭ ‬النفاذة‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬الظلمات‭ ‬إلى ‬النور‭.‬ رحمه‭ ‬الله‭ ‬الرجل‭ ‬النزيه العبقرى احد علامات ‬عصره‭ ‬ووطنه‭ ‬والدبلوماسية‭ ‬العالمية‭.‬

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق