هل هى أوراق توثيقية لرحلة عصيبة داخل غرفة العناية المركزة؟ أم أنها مواجهة صريحة للموت والألم خاضها الكاتب وحده فى أروقة غرف المستشفى الباردة؟
لعلها حساب مع النفس.. وقراءة صادقة للذات حينما يقترب المرء من تلك الشطآن البعيدة.. حيث لا عودة.. اياً كان تصنيف تلك السطور المفعمة بالحزن والمخاوف والبوح.. فإنها جديرة حقاً بالقراءة والتأمل وإعادة التفكير فى مجريات حياتنا وأيامنا التى تمضى سريعاً دون أن نلتفت إليها.. دون أن نتوقف لحظة واحدة فى غمار لهاث محموم وضجيج صاخب لا يهدأ أبداً.. هذا لقاء مباشر مع الموت.. معركة غير متوقعة.. حرب، وجد الكاتب نفسه فى غمارها فجأة.. فاضطر إلى خوضها مرغماً.. لكنها تركت لنا بالرغم من كل تلك الأوجاع والآلام عملاً إبداعياً رائعاً لم يكن فى الحسبان!!
فى ذلك الصباح.. دخل كاتبنا علاء خالد المستشفى لإجراء عملية جراحية بسيطة.. فإذ بحالته تسوء نتيجة خطأ طبى وقع له.. واضطر للخضوع لعملية أخرى خطيرة وهو بين الحياة والموت. أى لحظات عصيبة تلك التى عاركها.. هاهى الحياة تنسحب ببطء من أمام عينيه.. هاهى تتراجع تاركة خلفها خواء وبرودة لا حد لهما.. طريح الفراش.. لا حول له ولا قوة.. يقول بى كتابه مسار الأزرق الحزين:
«أحياناً كنت أحس بنفسى كلوح معدنى حساس يحول طاقة ذبذبات الأصوات من حوله إلى حركة. هذه الحركة كانت موجهة لخدش روحي، كانت أى حركة غير متجانسة تصدر من المجال الذى أجلس فيه كأنها تحك فى هذا اللوح وتخدشه كسن معدنى على زجاج يرسم وشماً تلقائياً من الذاكرة..»
ماذا يتبقى للإنسان وهو يقترب من الموت؟ ما قيمة الأشياء.. وما أهمية الزمن؟ كيف تتبدى تلك الأمور اليومية العادية والعابرة فى حياتنا لإنسان يواجه الموت؟ تلك الأشياء البسيطة التى كانت تمر هكذا بشكل عابر دون أن نلتفت اليها.. تكتسب هنا فى هذا النص أهميةً ونبلاً.. يقول الكاتب:
«كل ما هو غير مرئي، ونأخذه كشيء مسلم به فى حياتنا العادية، ولا يثير حتى انتباهنا، كالوقت أو الزمن أو رائحة البرتقال، كان هنا فى غرفة العناية المركزة هذه له ثقل وحضور ماديان، ربما لاتساع الوعى بالزمن حتى تتلمس ماديته، ماديته هو، وليس عبوره وإحساسك بالفناء. كأنك فى سباق لا يوجد به خط نهاية...».
فى لحظاته نصف الواعية.. فى تلك المسافة القريبة البعيدة بين الحياة والموت.. تنهمر مخاوفه: يبوح.. يتذكر.. يعاني.. تتبدى له مفارقات الحياة الغريبة.. يشعر بكثافة تلك اللحظة الاستثنائية التى وجد نفسه فيها. لحظة تختصر معها كل سنوات العمر.. كل الأزمنة التى عاصرها فى حياته. ومع تحول جسده إلى اللون الأزرق بسبب آثار الإبر الطبية.. ومع ولوجه إلى حالة الغياب.. تنهار المسافات وتسقط الحدود بين العالمين.. هذه اللحظة الكثيفة العميقة شكلت متن الكتاب الذى هو أقرب فى الحقيقة إلى النص الشعرى التأملي.. يُذكر أن الكاتب صدر له من قبل سبعة دواوين شعرية وستة كتب متنوعة بين النثر والصور القلمية والرواية.
رابط دائم: