رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

فؤاد حداد.. «من القلب للقلب»

محمد بهجت
يا اسمر يا روحى يا امتداد النيل الثانية مشيت قد ألفين ميل على قافية متقدر لها تحميل ألفين سنة ويفضل كلامى جميل هل قصد فؤاد حداد نفسه عندما كتب هذه الأبيات؟ أم كان يتحدث بلسان الفن الشعبى وروح الإبداع المصرى المتمثلة فى ضمير الشاعر؟

أيا كان الأمر فلقد مر ما يقرب من ثلاثين عاما على رحيله ولازالت كلماته جميلة طازجة منسابة كالنهر تورق فى قلوبنا المعانى الطيبة.. وهو الحكاء الذى استلهم تاريخ بلاده فى ديوان نور الخيال وصنع الأجيال، ليستنهض به عزم القلوب الحزينة بعد نكسة 67.. وهو الصوفى الذى أنصت إلى صوت الأرض وأعلنها مدوية.. الأرض بتتكلم عربى وقول الله.. إن الفجر لمن صلاه.. ماتطولش معاك الآه.

وهو المسحراتى الذى عبر عن جنود القوات المسلحة بطبلته وبميكروفون الإذاعة وصوت رفيق الكفاح الموسيقار سيد مكاوى ليصيح عقب البيانات العسكرية مفتخرا:

الأولة نمشيها خطوة ثبات

والتانية خطوة نبات.. والتالتة عالدبابات

احنا مشاة النصر

احنا قلوب مؤمنة

النور جرى فى دمنا

يا مصر يا أمنا

يا أمنا يا مصر

وهناك جانب آخر شديد الأهمية من ابداعات فؤاد حداد، وهو المسرح الشعرى ومنه الشاطر حسن وليمونة المحاياه.. أعمال مؤلفة شاركه فى إحداها متولى عبد اللطيف.. وأعمال أخرى مترجمة لأرجوان وأنطوان دو سانت اكزوبيرى وهى قصة الأمير الصغير التى تحولت إلى أوبريت "من القلب للقلب" ويقدمه المسرح القومى الآن من إخراج المبدع رشدى الشامى.

وتجربة من القلب للقلب تختلف كثيرا فى الشكل والتناول عن تجربة "ليلة من ألف ليلة" للشاعر الكبير بيرم التونسى ولكنها تؤكد ان الفنان يوسف اسماعيل مدير القومى ينتهج رؤية واضحة فى التنقيب عن كنوز المسرح الشعرى والغنائى حتى يجعل شعراء مصر المتميزين فى صدارة المشهد المسرحى، والتزم رشدى الشامى بالنص المكتوب محاولا تجسيد معانيه بالصورة والإضاءة والأغانى التى تناغمت معا لتصنع حالة تأمل طفولية جذابة.. وربما كانت الجاذبية تزداد أكثر لو تم اختصار المناطق المعادة من كلام الراوى بغناء الفرقة، بمعنى أن يكتفى فى مرات بأداء الراوى المتمكن أحمد كمال وفى مرات أخرى يستعان بألحان حازم شاهين حتى لا يكون الكلام مكررا.. وأحمد كمال حالة مسرحية خاصة تستحق التأمل فهو ممثل من الطراز العالمى يؤدى ببساطة دورا مركبا بين الطيار الذى سقطت طائرته فى الصحراء وراوى حكاية الأمير الصغير ودون معاناة ينقلك بين مشاعر البهجة بالاكتشاف وإحساس الظمأ والخوف من التيه والهلاك فى الصحراء.. وقدم أحمد أمين فؤاد حداد دور الأمير الصغير ببراءة وبراعة كبيرة وكنت أحس فى وقفته الجانبية أننى أشاهد والده الشاعر أمين حداد فى مرحلة الشباب الناضج.. أما القدير عهدى صادق فقد تألق كعادته فى مشهد صغير يحكى حيرة مشعل الفوانيس فى كوكب يدور حول الشمس كل دقيقة فلا يكاد يهدأ من اضاءة واطفاء الفوانيس، وكذلك تألق ناصر شاهين فى دور الجغرافى الذى يدون كل الحقائق الكونية ولكنه ليس مكتشفا، فكانما هو موثق فى الشهر العقارى الفضائى.. وخطفت ياسمين سمير الأنظار بأدائها المميز لدور الثعلب الباحث عن الطعام الوفير ورغم نهمه وشراسته أمام الدجاج فهو كائن بسيط ورومانسى يبحث عن الدفء والحنان وقدمت هالة مرزوق دور الوردة الرقيقة المتدللة التى لا تستطيع الحركة حيث جذورها ثابتة فى الأرض لكنها بوجهها ويديها ترقص وتعبر عن كل ما يجيش بداخلها من مشاعر متناقضة وهالة ممثلة واعدة تألقت من قبل فى مسرحية رجالة وستات وتجارب أخرى مميزة.. وأثار ظهور على كمالو حالة من البهجة والابتسام بأدائه الراقص المتقافز الرشيق وحضوره الكوميدى المميز، كما لعب عادل رأفت دورا شديد الطرافة لتاجر كواكب يعيش على تسجيل النجوم والأفكار باسمه لمجرد أنه رآها وسارع بنسبها لنفسه قبل غيره ولعل فؤاد حداد يسخر هنا من تسابق رواد الفضاء الأمريكان والروس على غرس أعلام بلادهم فى كواكب ومجرات لا تصلح للحياة بمنطق وضع اليد على الأراضى الفضاء !! ورغم أن دور ميدورنا سليم صغير للغاية فى حديقة الورد فقد نجحت بجدار أن تلفت الانتباه وتثير الضحكات بردود فعلها المفاجئة الطريفة.. أما مفاجأة هذا العرض فهو الملك المسن الذى لعبت دوره لانا مشتاق فقدمت أداء مميزا يجعل المشاهد لايستطيع تخيل ممثل آخر فى مكانها، وبالطبع الجنود المجهولون فى مسرحية من القلب للقلب هم بالترتيب حازم شاهين المطرب وصاحب الألحان ومحمود صبرى مصمم الديكور المبتكر وسهيلة ونوران مصممتا الملابس ذات الطابع الأسطورى.. شكرا للبيت الفنى للمسرح على تقديم هذا المستوى الراقى.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق