رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

القاهرة‏..‏
هل تحتمل الأغنية عكس ما يغني؟‏!‏

اشرف عبد المنعم
بقدر ما استوقفتني أغنية‏(‏ القاهرة‏)‏ التي انطلق بها في عنان الغناء النجم الكبير عمرو دياب أخيرا‏,‏ استوقفني كليب شعبي مناظر راح يجوب اليوتيوب ويحصد المشاهدين حصدا‏,‏ أبطاله ثلة من مجهولين شعبيين حالتهم رثة وكذا كان أداؤهم‏;‏ ولكن الرسالة بالتضاد كانت واضحة‏;‏ حين قلد هؤلاء أغنية دياب حرفيا‏,‏

ولكن من فوق سطح بناية فقيرة تطل علي العشوائيات بدلا من شرفة ذلك الفندق الوثير في الأغنية الأصلية المطل علي أجمل زاوية من النيل; فكانت الرسالة شديدة المرارة والنفاذ, ويكأن لسان حال هؤلاء البسطاء وما تضمنته أغنيتهم الفقيرة من معان تقول لعمرو دياب إن أغنيتك تحتمل منتهي العكس!! المعني خطير لمن يدركه, والرسالة جسيمة; خاصة إذا ما وضعنا في الاعتبار عدد مشاهديها المتزايد في المقابل!!.
........................................................................
لحن الأغنية( للملحنين) عمرو دياب و أحمد حسين تألف من فكرتين:( أ) و( ب), وأول انطباع نفسي تجاه اللحن يعطي للسامع إحساسا( مؤكدا) بأن التلحين قد بدأ بالفكرة الثانية( ب) ــ ألا وهي الجزء اللحني الخاص بشطر( القاهرة ونيلها...) ــ ثم تمت استزادة الفكرة( أ) عليه لتطويله; ونقصد هنا الجزء اللحني الخاص بأشطر( كإنها بنت جميلة.. و هنا ناس تشيل عنك..) وما شابهها بطول الأغنية; ثم تم استبدال مكان الجزءين بالتأخير والتقديم لإحساس دفين( صادق) بأن الجزء الثاني هو الأقوي; وهذا ما يتضح في الدفعة الشعورية ثم اللحنية, إذا ما تم مقارنة الجزءين ببعضهما البعض; فسرعان مايستشعر السامع أن الجملة( ب) هي الأقوي; فلا يملك وهو يستمع إلي الجملة( أ) سوي انتظار قدوم الفكرة( ب) بفارغ الصبر; مما يدلل علي أن قوة الجزءين غير متكافئة من حيث القوة اللحنية!!.
اللحن في عمومه جاء متميزا مفعما بالحركة في مقام النهاوند, يضفي أجواء خاصة بمصرية اللحن إلي حد بعيد; ويوحي للسامعين أنهم يتجولون في القاهرة الساحرة بنيلها وطول ليلها... وما إلي ذلك مما اشتهرت به هذه المدينة( البائسة بغير أهلها الأصليين) ممن قدموا إليها من كل صوب وحدب, فنالوا من مكانتها الخاصة جدا وشخصيتها المتميزة بين سائر مدن القطر المصري, وحولوها إلي ما يشبه( البزرميط السكاني)!! وبرغم ذلك, لم تزل القاهرة صامدة أمام هذا المد الغوغائي, متمسكة بعبقها, والذي جاء اللحن معبرا عنه; تفوح منه بحرفية رائحة البهجة والتميز التي يستشعرها محبو القاهرة, سواء كانوا من داخل مصر أو من الزائرين الوافدين إليها.
التوزيع الموسيقي للموزع أسامة الهندي آثر السلامة حين وظف الموزع مجموعته الآلية المكونة بنكهة التخت الشرقي من الناي والقانون والعود وآلات الإيقاع الرئيسية, ثم لم يستطع أن يتجاهل الدرامز وخط الباص جيتار, معتمدا في كل ذلك علي حرفية العازفين جميعا; بمعني ها هو اللحن( ياجماعة), وعليكم عزفه في حدود نغمات هذا المقام والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته, تاركا لكل عازف مساحة وفيرة من الحرية في الارتجال و الأداء كل حسب خبرته وأسلوب تنفيذه علي آلته!! وقد أعجبني خط الباص جيتار بطول الأغنية للعازف يحيي غنام; إذ جاء غير تقليدي برغم تقليدية الدرب الإيقاعي وما ترتب عليه من تقليدية خط هذه الآلة كلما استمعنا إليها مصاحبة لهذا الدرب, وإن لم تعجبني ابتسامته طوال الوقت فرحا فكها من وراء عمرو دياب بدون سبب واضح( بصراحة).. وكذا كان حال عازف البيركاشن!!
ولقد خلا توزيع الهندي من أي جمل كونترابنطية متداخلة او مصاحبة للحن الاصلي, ولا نقصد هنا مطالبته باتباع أسلوب باخ في الكونترابنط, وإنما كانت الاغنية تحتمل خطوطا من هذا النوع تضفي عليها مزيدا من الشجن, لكن الهندي لم يفعل, وبخل وهو القادرعلي هذا!!.
جملة صولو الجيتار جاءت جيدة في حد ذاتها, غير أن اغترابا ما عن روح المقام الأصلي للأغنية قد شابها; إذ جنح العازف في ارتجاله نحو مسافات نغمية لا علاقة لها بالمسافات النغمية الخاصة بمقام النهاوند الذي صيغ فيه اللحن; فإذا بنا معه داخل مقام نهاوند الكبير مصورا علي درجة تنخفض بمسافة تون كامل عن نغمة ركوز المقام الأصلي للأغنية; وربما كان ذلك جائزا إذا ما تم الانتقال إلي هذا المقام بحرفية أو إذا تم إقناعنا سمعيا بهذه النقلة فيما قد نتوقع أن تتجه الأغنية برمتها بعد انتهاء جملة الصولو إليه مثلا; غير أن صاحبنا ما لبث وأن عاد أدراجه( بصعوبة) نحو المقام الأولي فعدنا معه لنستكمل الأغنية في توناليتها الأصلية; أما لم كان هذا التحليق غير المبرر وغير المكتمل.. فلا أحد يعلم يقينا!!.
كلمات تامر حسين جاءت مباشرة المعاني إلي حد صارخ; وافتقدت إلي الكثير والكثير من الأساليب البلاغية والمحسنات البديعية التي درسناها عن الشعراء بمن فيه الغنائيون حين يسطرون المعاني الشعرية; فنحن أمام كلمات مفعمة بالحماسة الشعورية تجاه القاهرة راح الشاعر من خلالها يعدد محاسن المدينة من زوايا أراها مستهلكة علي غرار:( يا جمالها ساعة العصرية في مركب ع النيل) أو( هنا ناس تشيل عنك همك وتقاسمك فيه) ولا أعرف ما إذا كان المعني سيختل لو أنه استبدل( المغربية) بـ( العصرية) مثلا في توقيت ركوب المركب؟ أو إذا توغل شمالا نحو الوجه البحري أو جنوبا نحو الصعيد لقياس مدي استعداد الناس في هذه المناطق للتعاطي مع الهموم وتقاسمها مع صاحبها; فهل تري هذه الصفات النبيلة محصورة في القاهرة فقط دونا عن سائر مدن مصر؟ أم تراها( سمة عامة) للمدن المصرية بوجه عام لا تخص القاهرة وحدها؟ وهو ما أراه أضعف خصوصية المعني بعكس ما قصده الشاعر!!.
وحتي لا نتهم بالتحامل علي الشاعر, لا نجد بدا من الإشارة إلي أنه في بداية الأغنية شبه القاهرة بالبنت الجميلة( كإنها بنت جميلة بتنادي عليك) فيما نراه التصوير الشعري الوحيد بطول الأغنية!!.
ولقد أعجبني بصراحة تدفق المعاني وحرفية الصياغة تجاه المدينة في أشطر:
القاهرة ونيلها وطول ليلها
وأغانيها ومواويلها وحكاويها آه يا جمالها
القاهرة تجيلها تحنلها
وتهواها ما تنساها وتتحاكي بأحوالها
وهو ما أراه إيجازا قويا في سرد جميع المعاني التي انتوي الشاعر تناولها, جاء في غير صالح الأغنية للأسف; إذ جعل كل محاولة للسرد بعد ذلك عبارة عن محاولة ضعيفة لا تضيف جديدا لدراما الكلمات بالمرة!! وأعتقد أن هذه الأشطر كانت هي الشرارة الإبداعية التي انطلق منها النص برمته ثم الأغنية ككل بعد ذلك!! ما جعلها محور ارتكاز يدور في فلكه اللحن و التوزيع والغناء!.
غناء عمرو دياب جاء مقنعا توحي قسمات وجهه بصدق مشاعره تجاه القاهرة التي( يعيشها هو), وليست بالضرورة القاهرة التي تعيشها الأغلبية الكاسحة من( أهلها); وإن تقاسموا معه حبها وانتماءهم إليها; فعمرو يستطيع أن يسكب البهجة حين ينتوي ذلك, وهذا سر من أسرار قبول الناس له وتربعه علي عرش الأغنية طوال هذه المدة, كما أن عمرو يمتلك من المقومات ما يجعله مقنعا بأي حال من الأحوال إذا ما انتوي الإقناع!! وهو في ذلك محترف في الابتعاد عن كل ما لا يليق عليه أو به... وتلك موهبة أخري!
المطرب محمد منير تقاسم جزءا يسيرا من الأغنية, فألبسها ثوبا من طراز فريد بمذاق صوتي وانفعالي آخر يحسب له; وكما جاء ظهوره مفاجئا لعمرو دياب في ثنايا سيناريو الأغنية, جاء ظهوره مفاجئا وذا دلالة بالنسبة للمشاهد والمستمع أيضا; أما الاختلاف بينه وبين عمرو دياب فقد نجده يتجلي في لقطة عابرة سريعة ربما لن تلحظها بسهولة; ذلك في شطر(... وتتحاكي بأحوالها); ففي الوقت الذي لايزال عمرو يحافظ علي الروح التي انتواها منذ البداية, ها هو منير في هذا الجملة( يلطم خده) بعفوية ضاحكا; موحيا بأن لسان حاله هو الآخر مهموم و يبوح بعكس ما يغني!!.
[email protected]

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق