ما إن يأتى الحديث عن الهند، سابع أكبر بلد فى العالم من حيث المساحة وثاني أكبر دولة من حيث تعداد السكان - مليار و300 مليون نسمة-، حتى يتبادر الى الذهن سجل حافل من النجاحات السياسية والاقتصادية بل والعلمية، بعد أن حجزت لنفسها مكانا بين أقوى 10 اقتصاديات،
وأصبحت عضوة فى تجمع دول "البريكس" كونها واحدة من الدول صاحبة أسرع نمو اقتصادى في العالم، إلى جانب امتلاكها لقنبلة نووية.
ولكن هذه الحقائق فضلا عن الصورة البراقة التى رسختها الى حد كبير سينما بوليوود بنجومها من أصحاب الشهرة المدوية، يعانى الملايين من سكانها من الطبقية وعدم المساواة، بل وتعيش نسبة لا يستهان بها فى فقرمدقع.
ولعل الأحداث الأخيرة التى ألقت وسائل الاعلام الضوء عليها دليل على ذلك، حيث شهدت الهند مؤخرا حدثين مهمين اندلعت خلالهما مظاهرات حاشدة دفعت المراقبين والمتابعين للتنبيه من مغبة عدم الاستجابة السريعة لما يحدث لتلافى حدوث أى تطورات سلبية تضر بصالح المجتمع. الحادثة الأولى كانت مظاهرات طبقة "جات" التى تقطن بولاية "هاريانا" شمال الهند، أما الثانية فكانت مظاهرات طلاب جامعة "جواهرلال نهرو" للمطالبة بالإفراج عن رئيس اتحاد الطلبة كانهايا كومار، الذى اعتقل بعدما دعا للتظاهر لإحياء ذكرى إعدام المتشدد الكشميرى أفضل جورو، والتى ردد الطلاب خلالها هتافات وشعارات مناهضة للهند.
وكانت التحليلات قد أشارت إلى أن طبقة "جات" الاجتماعية الريفية ذات النفوذ القوى فى ولاية هاريانا، التى يقطنها أكثر من 25 مليون نسمة، وتشكل هذه الطبقة ربع سكانها، قد لجأت للمظاهرات العنيفة بعد أن يأست من الحصول على أقل حقوقها التى تضمن لها عيشة ملائمة. فمعظم أبناء هذه الطبقة من أصحاب الأراضى ممن تقلص نفوذهم مع تقلص رقعة الأراضى التى يملكونها فى ظل الزيادة السكانية الكبيرة، فضلا عن تعرض الولاية لعامين من الجفاف مما أضر بمحاصيلهم، واضطروا للخروج فى مظاهرات لمطالبة الحكومة بتوفير فرص عمل للشباب ومنحهم حصصا فى الوظائف العامة ومقاعد فى الجامعات.
وبدلا من الاستجابة لمطالبهم بشكل سلمى فقد تدخلت عناصر الأمن لفض المظاهرات، ووقع نحو 19 قتيلا وإصيب أكثر من 200 متظاهر، مما زاد من حدة الغضب بسبب الأسلوب العنيف الذى لجأت إليه الحكومة لفض المظاهرات، فقاموا بأعمال تخريبية، ومنها إضرام النار فى عدد من محطات القطارات والعربات، وإغلاق عدد من الطرق الرئيسية ومنع السيارات والشاحنات من المرور، وإلغاء 850رحلة قطار، وإغلاق 500 مصنع، مما تسبب فى خسائر اقتصادية قدرت بنحو 3مليارات دولار. إلى جانب إتلافهم معدات قناة المياه الرئيسية التى تمد العاصمة دلهى بـ 60% من احتياجاتها من مياة الشرب، مما تسبب فى انقطاع المياه عن 20 مليون مواطن من سكان نيودلهي، وهو ما استلزم نشر عدد من الجنود لاستعادة السيطرة على القناة المائية، لحل أزمة انقطاع المياه عن العاصمة، ودفع الحكومة للتعهد بالاستجابة لطلبات المحتجين مقابل إنهاء تظاهرهم.
أما على صعيد الاحتجاجات الطلابية والتى يشير البعض إلى أنها أضرت بصورة الهند التى تعتبر واحدة من أهم الديمقراطيات فى العالم، بعد أن أفسحت المجال لكل المعتقدات واحترم شعبها تعدديته وتنوعه مما حافظ على استقراره بلاده، إلا أن هذه الصورة اهتزت بشكل كبير مؤخرا مع خروج مظاهرات قادها طلاب وأساتذة جامعة "جواهرلال نهرو" للمطالبة بالإفراج عن "كانهايا كومار" رئيس اتحاد الطلبة بالجامعة، الذى اعتقل أوائل الشهر الحالى بسبب ما قيل عن دوره فى إحياء ذكرى المتشدد الكشميرى "أفضل جورو"، الذى تم إعدامه عام 2013 بسبب دوره فى الهجوم الإرهابى على مبنى البرلمان الهندى عام 2001، والذى يرى بعض النشطاء الحقوقيين أنه لم يحصل على محاكمة عادلة، وأنه كان واحدا ممن دفعوا ثمن النزاع الطويل بين الهند وباكستان على إقليم كشمير، والذى نشبت بسببه حروب ومواجهات عسكرية بين البلدين.
وفى الوقت الذى كانت تهدف فيه المظاهرات إلى الإفراج عن كومار فقد جاءت نتيجتها عكسية حيث تم اعتقال على سار جيلانى الأستاذ السابق فى الجامعة، بتهمة التحريض على العصيان والتآمر الإجرامى أيضا، وطالبين آخرين، وهما عمر خالد وأنيربان بهاتاشاريا، بعدما وجهت لهما اتهامات بتنظيم مظاهرات فى الحرم الجامعي. حيث اتهم المتظاهرون حزب "بهاراتيا جاناتا" الهندوسى الحاكم بسحق المعارضة وقمع حرية التعبير، خاصة وأنه كان من المتوقع أن يتدخل رئيس الوزراء ويبدى اعتراضه على اعتقال الطلاب، إلا أنه لم يعٌر الامر أى اهتمام، ولم يعلق عليها لا بالسلب ولا الإيجاب.
رابط دائم: