رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

«الأم الباسلة» تستجدى ضمير الوطن:قضيت 43 عامًا فى تربية 4 أبناء مصابين بإعاقة ذهنية

بورسعيد ــ أحمد عامر عبدالله:
رأيتها «باسلة» كمدينة بورسعيد التى تعيش فيها، شامخة ككل من تصدوا للعدوان الثلاثى، مضحية كمن قدموا أرواحهم فى سنوات الحرب لكى يعيش الوطن، تركت الدنيا وملذاتها، ودخلت بإرادتها ديرا ليس كبقية الأديرة، ديراً الرهبنة فيه ليست سماوية، بل دنياوية، ترهبنت لتتفرع لتربية أربع أبناء – جميعهم – مصابون بإعاقة ذهنية منذ الولادة .. يا الله، كيف منحت هذه الأم كل هذا الصبر؟

كيف جعلتها ترى الحياة ونعيمها فى أولادها؟ كيف أعطيتها قوة لتتحمل ما تنوء به كل النساء؟ وغيرها من الأسئلة، فحقًا وصدقًا أنت «الرءوف الرحيم»، ومن يريد تطبيق قول رسولنا الكريم « الجنة تحت أقدام الأمهات» على أرض الواقع، فليقرأ ويتأمل قصة هذه السيدة العظيمة.

فى رحلة مداها 220 كيلوا مترا إلى محافظة بور سعيد «المدينة الباسلة» لمقابلة السيدة ألفت أحمد خليفة 68 عاماً – مقيمة بشقة من غرفتين فى 73 شارع على بن أبى طالب فى منطقة حى الزهور بجوار نادى الرباط الرياضى - تزاحمت الأسئلة فى رأسى، عن شكلها، وعمرها، ومصدر رزقها، وحكايتها مع الحياة بعد أن رزقها المولى سبحانه وتعالى بـ 4 أبناء مصابين بإعاقة ذهنية، فكيف تعاملت معهم؟ وهل حرصت على تعليمهم؟ وغيرها من الأسئلة المتداخلة والمتشابكة .. وما أن رأيتها أمامى تفتح لى الباب، تسمرت فى مكانى عندما شاهدت خيوط تجاعيد الزمن ترسم حفراً على ملامح وجهها، وجلست أمامها - بصحبة الأبناء الأربعة الذين لم أسمع منهم طيلة الساعتين إلا «همهمات غير مفهومة - هى تحكى، وأنا أسمع وأدون ما يخرج من أعماق قلبها.

العودة للماضى

دعنا يا أبنى نعود إلى عام 1958، ففى هذا العام ارتبطت بزوحى وابن عمومتى محمد شيبه، وكان عمرى وقتها 10 سنوات فقط، وهذه كانت عادات قريتنا فى محافظة سوهاج ، وبعد الزواج بفترة قصيرة ونظرا لضيق المعيشة فى محافظات الصعيد قرر زوجى البحث عن الرزق الحلال وكانت محطتنا التى نزلنا بها هى محافظة بورسعيد بعد أن هدأت حرب 1956، وكنا فى هذا الوقت نقيم فى «لوكندة» وعشنا تقلبات الحياة مثل كل زوجين شباب يريدون تكوين أسرة، وبعد 3 سنوات من الزواج حملت فى بنتين «توأم» ولكن توفاهما الله، وظللت 12 عاماً بعدهما بلا حمل، حتى رزقنى الله بابنى أحمد فى عام 1973، وكانت فرحتى كبيرة، ولكن لم تكتمل عندما لاحظت عليه أنه لا تستجيب لى ولا لوالده مثل بقية الأطفال، ومع مرور الوقت اكتشفت أنه مصاب بإعاقة عقلية، حمدت الله وحرصت على رعايته، ولكن كانت رعاية محدودة لاننى غير متعلمة، ولم نستطع متابعته طبياً لقلة الرزق، فوالده «على باب الله» يرزق يوم ولا ندرى برزق اليوم التالى، وبعد 5 سنوات من ولادة أحمد رزقت بأبنى الثانى حازم، وأجلت فرحتى هذه المرة حتى أطمئن عليه، ولكن الفرحة ظلت مؤجلة كثيرا، لأن حازم مصابا أيضا بإعاقة عقلية، رضينا بقضاء الله وقدره، ودعوت الله كثيرا أن يوفقنى فى رعايتهما وتربيتهما، وفى هذه الفترة أكرمنا الله بفاعلى الخير من الجيران وأشاروا علينا بالتقديم على شقق محدودى الدخل بالمحافظة، وبعد فترة حصلنا على هذه الشقة التى نقيم فيها.

مكافأة من الله

وفى عام 1980 بعد أبنى حازم بعامين أنجبت أبنى منتصر، ولن أطيل عليك فى الحديث، فهو مثل بقية أخوته، وقررت بعده عدم الإنجاب نهائيا، ولكن نحن نريد شيئا والله يفعل ما يريد بنا، فبعد حازم بثلاث سنوات كافأنى الله بأبنى نور، ولأول مرة تدخل الفرحة بيتنا عندما علمنا أنه طفل سليم وليس كبقية أخوته، وفرحت به فرحاً شديد، وأحسست أنه سيكون لى «الضهر» والسند، وبعد نور بخمس سنوات أى فى عام 1989 أنجبت أبنى الصغير – أخر العنقود- إسلام، ولكن أتى كبقية أخوته الثلاثة مصاباُ بإعاقة عقلية، فحمدت الله على ما رزقنى به، وتوقفت عن الإنجاب حتى استطيع القيام بمهام 5 أبناء «صبيان» وتلبية طلباتهم المختلفة التى لا تنقطع طوال الليل والنهار.

مصارعة أمواج الحياة

بدأت بعد ذلك رحلة الحياة مع أبنائى الخمسة حتى أتى عام 2000، ففى هذا العام توفى زوجى، وتركنى وحيدة أصارع أمواج الحياة التى «تشيلنى» وتضعنى فى المكان الذى تختاره لى، وأنا لا حول لى ولا قوة، مجبرة على العيش بمبلغ 450 جنيهاً قيمة معاش التأمين الإجتماعى لزوجى، ولكن المولى عز وجل لا ينسى عباده، وأيضا من أختصهم الله بقضاء حوائج الناس .. فأبنى الأكبر أحمد عمره حاليا 43 عاماً، إعاقته تجعله منطويا على نفسه بصورة كبيرة، لا يحب الخروج من المنزل نهائياً، لذلك لم يذهب إلى المدرسة الفكرية وهو صغير، بالإضافة إلى أنه مصاباً بمرض السكر ويحتاج إلى أدوية بصورة دورية، أما الابن الثانى حازم وعمره حاليا 38 عاماً، فيحب الاختلاط ولا يخاف الناس لذلك ذهب إلى المدرسة منذ الصغير، ولكنه أصيب بمرض فى عينه اليمنى ولا يرى بها بصورة جيدة، والابن الثالث منتصر وعمره حاليا 36 عاماً، فيهوى التجوال فى الشوارع، ويخرج من المنزل فى الساعة 7 صباحا كل يوم سواء فى الشتاء القارس أو فى الصيف، ويقوم بتجميع الحبال و»مشابك الغسيل» من أسفل البلكونات، أما نور – الأبن الوحيد السليم فى أبنائى - كان سندى فى الحياة بعد وفاة زوجى، وكان متكفلا بمصروفاتنا وتلبية طلباتنا كلها، ولكن لم تتركنى الأقدار لأفرح به كثيراً، فقد توفى منذ 3 سنوات وكان عمره 33 عاماً، فعصرنى الحزن – عليه – عصراً، وبكيته أكثر مما بكيت زوجى، وأحسست بوحشة الدنيا وغربتها، وأنى وحيدة فى بلاد غريبة، ولكن كان لابد من تكملة المشوار، فليس لأربع رجال معاقين ذهنياً غيرى بعد الله، أما إسلام وعمره الآن 17 عاماً، فهو أبنى المدلل ومثل ظلى، لا يفارقنى نهائيا سواء كنت موجودة داخل المنزل أو خارجة.

رجاء أم

لن أطيل عليك يا بنى أكثر من ذلك، فأنا أطلب من الله ثم من حماة هذا الوطن أن أحج بيت الله الحرام، وأزور قبر النبى، ولأننى أشعر أن الرحلة اقتربت من نهايتها، لى رجاء، رجاء من أم قضت 43 عاماً من عمرها بصحبة 4 أطفال – فمهما كبروا فهم أطفال – تريد أن تطمئن عليهم قبل وداعهم، رجائى بأن توافق الدولة على إلحاقهم بمدرسة فكرية داخلية، حتى «أغادر» وأنا مطمئنة عليهم.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق
  • 1
    ابو العز
    2016/03/01 00:08
    0-
    3+

    اللهم عوض صبرها خيرا ولا تعزها الا لوجهك الكريم ..
    يا سلام نرى اناسا يملؤون الدنيا بثرثرتهم وادعائهم بتمثيل مصر مع اعدائها الذين كانوا سببا في تعطيل نموها الاقتصادي والتعليمي وغيره ولا يحاولون مد يد المساعدة لسيدة شريفة ابتليت وجزاؤها عند الله قبل ان تنتظر منا يد المساعدة والشكر على رعايتها لهؤلاء المساكين الذين يفترض ومن زمان ان يكونوا في مكان مناسب يؤويهم .
    البريد الالكترونى
    الاسم
    عنوان التعليق
    التعليق