تتعرض منطقة الشرق الأوسط وبالأخص الدول العربية للعديد من الأخطار والتهديدات التى تؤثر بشكل مباشر على الأمن القومى العربي،
وذلك فى ظل التهديدات المستمرة من الوجود الإسرائيلى فى قلب الوطن العربي، ومن بعده محاولات التقسيم ومن خلال مشروع الشرق الأوسط الكبير، ثم ثورات الربيع العربى التى تحولت فجأة إلى حروب أهلية فى ليبيا و سوريا واليمن ، البعض يسعى من خلالها إلى الوصول للحكم على حساب الكل، والمحاولات الايرانية للتغلغل داخل الدول العربية ومحاولة السيطرة على بعض الدول التى يمكنها أن تؤثر بشكل مباشر على الأمن القومى العربي.
الأخطر من ذلك ما تشهده المنطقة من وجود حركات إرهابية مستحدثة على أرض الوطن العربى بدأت هى الأخرى فى الدخول فى صراع مسلح مع جيوش بعض الدول العربية والاستيلاء على بعض المدن وتنفيذ عمليات إرهابية، والسيطرة على مواقع بترولية مهمة، كل ذلك أثر بشكل مباشر على المنطقة العربية وأصبح الإرهاب فى الوقت الحالى هو التهديد المباشر للأمن القومى العربي.
إن الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية يسعى بكل ما أوتى من قوة إلى ضرب أى تكتل عربى قوى لمواجهة التهديدات الجديدة تسعى إلى تدمير الأمن القومى العربي، ومن ثم يسهل تقسيم المنطقة من جديد، والاستيلاء على الثروات، وإضعاف الجيوش العربية بعد إنهاكها فى حروب مع الجماعات الإرهابية التى زرعتها الولايات المتحدة لتكون الذريعة لدخول القوات الأمريكية والغربية مرة أخرى إلى المنطقة للقضاء على الإرهاب كما فعلت من قبل مع تنظيم القاعدة فى أفغانستان.
وإذا أردنا ان نتفهم الأمور بشكل أوضح فعلينا فى البداية أن نتعرف على العديد من الأبعاد فى الأمن القومى العربي
على الرغم من حداثة الدراسات فى موضوع «الأمن» فإن مفاهيم «الأمن» قد أصبحت محددة وواضحة فى فكر وعقل القيادات السياسية والفكرية فى الكثير من الدول، وقد برزت كتابات متعددة فى هذا المجال، وشاعت مفاهيم بعينها فى إطاره لعل أبرزها «الأمن القومى الأمريكي» و«الأمن الأوروبي» و«الأمن الإسرائيلي» و«الأمن القومى السوفيتي» قبل تفككه.
وفى مجال التوصل إلى مفهوم متفق عليه «للأمن»، فإنه يجدر بنا التعرف على ذلك المدلول فى إطار المدارس الفكرية المعاصرة.
«فالأمن» من وجهة نظر دائرة المعارف البريطانية يعنى «حماية الأمة من خطر القهر على يد قوة أجنبية».
ومن وجهة نظر هنرى كيسنجر وزير الخارجية الأمريكى الأسبق يعنى أى تصرفات يسعى المجتمع عن طريقها إلى حفظ حقه فى البقاء.
ولعل من أبرز ما كتب عن «الأمن» هو ما أوضحه «روبرت مكنمارا» وزير الدفاع الأمريكى الأسبق وأحد مفكرى الإستراتيجية البارزين فى كتابه «جوهر الأمن».. حيث قال: «إن الأمن يعنى التطور والتنمية، سواء منها الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية فى ظل حماية مضمونة». واستطرد قائلاً: «إن الأمن الحقيقى للدولة ينبع من معرفتها العميقة للمصادر التى تهدد مختلف قدراتها ومواجهتها؛ لإعطاء الفرصة لتنمية تلك القدرات تنمية حقيقية فى جميع المجالات سواء فى الحاضر أو المستقبل».
المفهوم فى النظام العربي:
بدأ الفكر السياسى العربى فى الاهتمام بصياغة محددة ومفهوم متعارف عليه فى منتصف السبعينيات، وتعددت اجتهادات المفكرين العرب من خلال الأبحاث والدراسات والمؤلفات سواء فى المعاهد العلمية المتخصصة، أو فى مراكز الدراسات السياسية، والتى تحاول تعريف ذلك الأمن، ولعل من المهم أن نشير إلى أن ميثاق جامعة الدول العربية، والذى وضع عام 1944م، وأنشئت الجامعة على أساسه فى مارس عام 1945م، لم يذكر مصطلح «الأمن»، وإن كان قد تحدث فى المادة السادسة منه عن مسألة «الضمان الجماعي» ضد أى عدوان يقع على أى دولة عضوة فى الجامعة، سواء من دولة خارجية أو دولة أخرى عضوة بها. كما أن معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادى بين الدول الأعضاء فى جامعة الدول العربية والموقعة عام 1950م، قد أشارت إلى التعاون فى مجال الدفاع، ولكنها لم تشر إلى «الأمن»، ونصَّت المادة الثانية منها على ما أطلق عليه «الضمان الجماعي»، والذى حثَّ الدول الأعضاء على ضرورة توحيد الخطط والمساعى المشتركة فى حالة الخطر الداهم كالحرب مثلاً، وشكَّلت لذلك مجلس الدفاع العربى المشترك، والذى يتكون من وزراء الدفاع والخارجية العرب.
كما أُنشئت اللجنة العسكرية الدائمة، والتى تتكون من رؤساء أركان الجيوش العربية، هذا ولم تبدأ الجامعة العربية فى مناقشة موضوع «الأمن القومى العربي» إلا فى دورة سبتمبر 1992م، واتخذت بشأنه قرار تكليف الأمانة العامة بإعداد دراسة شاملة عن الأمن القومى العربى خلال فترة لا تتجاوز ستة أشهر تعرض بعدها على مجلس الجامعة.
وقد تم إعداد ورقة عمل حول مفهوم الأمن «القومى العربي»؛ لمناقشتها فى مجلس الجامعة العربية، وحددت الورقة ذلك المفهوم بأنه..
«.. قدرة الأمة العربية على الدفاع عن أمنها وحقوقها وصياغة استقلالها وسيادتها على أراضيها، وتنمية القدرات والإمكانات العربية فى مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، مستندة إلى القدرة العسكرية والدبلوماسية، آخذة فى الاعتبار الاحتياجات الأمنية الوطنية لكل دولة، و الإمكانات المتاحة، والمتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية، والتى تؤثر على الأمن القومى العربي».
هذا ولم تعرض الدراسة الشاملة عن الأمن القومى العربى على مجلس الجامعة، كما أن العديد من المفكرين عبَّروا عن قصور المفهوم الذى توصلت إليه اللجنة؛ حيث اتسم المفهوم بالغموض من جانب، والخلط بين التعريف والإجراءات من جانب آخر؛ ولهذا فإن الورقة أفاضت بعد ذلك فى تحديد إستراتيجيات العمل الوطنى فى جميع المجالات، ولم تحدد اختصاصات تنفيذ ومتابعة أيٍّ منها.
فى النهاية يمكن القول: إن الفكر السياسى العربى لم ينتهِ بعد إلى صياغة محددة لمفهوم «الأمن القومى العربي» يواكب تحولات المناخ الإقليمى والدولى و توازناته وانعكاسها على تصور وأبعاد هذا الأمن، وإن هذا الموضوع مازال مطروحاً للتحليل ومفتوحاً للمناقشة رغم كل ما كتب عنه، لذا فمن الواجب والطبيعى الآن أن يتم الوصول إلى المفهوم الشامل، ووضع الجماعات الإرهابية كتهديد أول وتغلغله فى المنطقة هو تهديد للاستقرار، كما أن وجود قوة عربية متماسكة تحت قيادة موحدة هو الهدف الرئيسى الآن، لمواجهة التهديد الإرهابى فى جميع دول المنطقة للقضاء عليه نهائيا، وحتى لا يجد الغرب الذريعة للتغلغل مرة أخرى إلى الشرق الاوسط لأن وجود القوات الأمريكية والغربية فى المنطقة معناها نهاية السيادة
العربية.
[email protected]
رابط دائم: