رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

حظر مقاطعة بضائع المستوطنات .. خطوة بريطانية لمساندة إسرائيل

إيمـــان عــــارف
تسميم الأجواء، تهديد السلم الاجتماعى، تشجيع العداء للسامية، ثلاثة عناوين ضخمة استخدمتها الحكومة البريطانية لتسويق القانون الجديد المزمع إقراره، والذى يجعل من مقاطعة المؤسسات الممولة حكومياً سواء مجالس محلية أو مؤسسات عامة أو حتى جامعات واتحادات طلاب لبضائع وخدمات معينة لأسباب سياسية أو أخلاقية جريمة يعاقب عليها القانون.

وتحت هذه العناوين العريضة مزيد من التفاصيل حول الأخطار المتخيلة من وجهة نظر الحكومة لأبعاد وتداعيات هذا القرار، مثل الإساءة لعلاقات بريطانيا الدولية وتسميم الأجواء داخل المجتمع وإحداث حالة من الاستقطاب غير المرغوبة. ولم تكتف الحكومة بذلك بل وإمعانا فى التأكيد على هذا الموقف اختارت أن يكون الإعلان رسمياً عن هذا القانون من داخل إسرائيل أثناء زيارة وزير الدولة "ماثيو هانكوك" مع وفد تجارى بريطانى ربما رغبة منها فى مزيد من التأكيد على متانة العلاقات بين الدولتين وعلى تصدى حكومة المحافظين الحالية لأى تحركات أو محاولات من النشطاء ورموز المجتمع المدنى لترجمة مشاعرهم الرافضة للتجاوزات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين إلى سياسات على أرض الواقع. والاستثناء الوحيد من هذا الحظر الذى سيشمل أيضا الاجراءات المتخذة ضد الشركات المتورطة فى تجارة الأسلحة والوقود الأحفورى والتبغ، سيكون العقوبات الرسمية المفروضة من قبل الحكومة البريطانية.

وغنى عن القول أن هذا القرار الذى سيمنح الحكومة صلاحية الملاحقة القضائية لهذه الجهات أثار بالتأكيد موجة من الرفض من قبل الكثيرين من النشطاء والحقوقيين والسياسيين، الذين رأوا أن هذه الخطوة تشكل ضربة للحريات وتؤكد أن حكومة المحافظين الحالية تغض الطرف عن سياسات اسرائيل، بل وتشجعها على مزيد من انتهاكات حقوق الانسان، أما "جيرمى كوربن" زعيم حزب العمال الذى وصف القرار بأنه يعد هجوما على الديمقراطية المحلية، فقد أكد على أن للمواطنين الحق فى انتخاب ممثلين محليين قادرين على اتخاذ قرارات متحررة من سيطرة الحكومة المركزية، وهو ما يشمل الانسحاب من الاستثمارات بناء على أسباب أخلاقية، مشيراً إلى أن مثل هذا القانون الجديد كان سيعيق مقاطعة نظام الفصل العنصرى فى جنوب افريقيا. أما الاتحاد القومى للطلبة فقد عبر على لسان متحدثه عن مشاعر القلق من ممارسة ضغوط قد تمنع الاتحادات الطلابية من اتخاذ قرارات فى قضايا معينة.

ولكن بعيداً عن هذا الجدل الدائر فالمؤكد أن الحكومة البريطانية لم تكن لتتخذ هذه الخطوة الا بعد أن أصبح سلاح المقاطعة الشعبية لبضائع المستوطنات يحظى بتأييد متزايد على مستوى المجالس المحلية، والدليل قرارات مجلس بلدية مدينة ليستر العام الماضى، والمجالس المحلية الاسكتلندية التى أعلنت أنها لا تشجع التجارة والاستثمار مع المستوطنات الاسرائيلية غير المشروعة. كما شهد العام الماضى أيضا اعلان أكثر من 340 أستاذاً جامعياً ـ بعضهم ينتمى الى جامعات بريطانية عريقة مثل أوكسفورد وكامبريدج وكلية لندن للاقتصاد ـ مقاطعة الجامعات الاسرائيلية والمؤتمرات التى تنظمها احتجاجاً على الانتهاكات غير المقبولة بحق الفلسطينيين، مؤكدين أنهم سيستمرون فى العمل بشكل فردى مع زملائهم الاسرائيليين، باعتبار أن هذه المقاطعة تعد طريقة بسيطة للقول بضرورة تطبيق العدالة واحترام القانون الدولى. وهو القرار الذى أثار فى حينه ردود فعل غاضبة من قبل ممثلى الهيئات اليهودية فى بريطانيا بعد أن اعتبروا أنه ينطوى على تمييز ولا يفيد إطلاقاً فى دفع عملية السلام.

وهنا لابد من الإشارة الى أن بريطانيا ليست الدولة الأوروبية الوحيدة التى تشهد تحركات شعبية تتصدى لمنتجات المستوطنات. كما أن المقاطعة لم تقف عند مجال المنتجات الزراعية، فهناك أيضا مقاطعة القطاع المصرفى، حيث شهدت كل من الدنمارك والنرويج مقاطعة بنوك اسرائيلية، كما أن بعض الشركات العقارية نالت أيضاً نصيباً من حملة المقاطعة. أما على المستوى الأوروبى فقد أقر الاتحاد الأوروبى إجراءً صريحاً بوضع ملصقات خاصة على المنتجات المصنعة فى المستوطنات الاسرائيلية الموجودة فى الضفة الغربية والقدس الشرقية، كى يلاحظها المستهلك الأوروبى ليقرر هل يشتريها أم لا، وهو ما أثار فى حينه قدراً من الجدل، حتى أن بعض مراكز الأبحاث الامريكية اعتبرت هذا الاجراء بمثابة إعلان لحرب اقتصادية على اسرائيل.

ولذلك اعتبر المحللون أن نجاح حملات المقاطعة واكتسابها أرضاً جديدة يوماً بعد يوم، هو ما دفع الحكومة البريطانية للتحرك، خاصة أنها سبق وألمحت لهذا القانون فى أكتوبر الماضى، وهى بإعلانها الأخير ربما تستعد لاتباع النموذج الأمريكى عبر تمرير تشريع يحظر على الهيئات العامة مقاطعة البضائع والخدمات والمنتجات الثقافية الاسرائيلية.

وبغض النظر عن القرار الذى رحبت به إسرائيل وهاجمه النشطاء، فان الواقع يشير إلى أن إسرائيل التى طالما أعلنت مراراً وتكراراً أنها تعانى من استهداف وجودها وهويتها وكيانها من قبل أعدائها تواجه وضعاً مختلفاً، لأن هذه التحركات الشعبية تؤكد أن معركتها هذه المرة ليست مع الإعداء وإنما مع الأصدقاء والحلفاء، الذين ساندوها ووقفوا معها خلال سنوات التأسيس وأمدوها بالدعم السياسى والسلاح منذ نشأتها، وهو ما يعنى حدوث تغير فى المزاج العام ـ حتى لو اعتبر طفيفا ـ بسبب التعنت الإسرائيلى فى عملية السلام، وهو ما يشير إلى أن سلاح المقاطعة ربما كان أكثر فعالية وتحقيقاً لما فشلت فيه السياسة.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق