أكتب إليك هذه الرسالة وأنا راقد على سرير المرض فى أحد المستشفيات،حيث خضعت لجراحة دقيقة فى القلب بعد اصابتى بجلطة فى الشريان التاجى, فأنا طبيب تعديت سن الأربعين، وحققت قدرا من النجاح، وأسست بيتا صغيرا مستقرا مع رفيقة عمرى التى احترمها واقدرها،
وربطتنى بالآخرين صلات قوية، حيث أننى من أسرة بسيطة وطيبة، وتربيت على الثقة فى الجميع، ولست ملاكا ولاشيطانا، وإنما إنسان عادى مثل معظم البشر، وتعرضت كغيرى من الأطباء لمحاولات اغراء كثيرة من جانب بعض المريضات المترددات على عيادتى, ولم التفت إلى أى منهن، واستطعت مقاومة من حاولن التودد إليّ للعمل معى, فرفضت تشغيل الفتيات والنساء فى العيادة من باب البعد عن الشبهات والمشكلات التى تترتب دائما على وجود رجل وسيدة فى مكان واحد باستمرار، ولكن يبدو أن دوام الحال من المحال، كما يقولون، فبرغم أننى لست من الرجال الذين يقال عنهم أنهم يطاردون النساء أو لديهم علاقات غرامية متعددة، إلا أننى تعلقت فجأة بامرأة متواضعة الجمال والتعليم والثقافة والمستوى, وبكل صدق، لم أشعر تجاهها بالحب أو الإعجاب، ولم اتعلق بها عاطفيا، كل ما فى الأمر أننى عندما اراها، أشعر بالرغبة الشديدة فيها، وبعدها ينتهى كل شيء، فلا أطيق رؤيتها وأصرفها من أمامى, ولا أتذكرها إلا عندما تأتينى من جديد!.
ولم أكن أصدق أن الشر موجود فى عالمنا البسيط الذى يجمع المعارف والجيران وأهل المنطقة الواحدة, ولذلك لم أقلق من أن أتناول الطعام والشراب فى الأماكن المختلفة بما فيها بيوت المرضى الذين أتردد عليهم فى بعض الأحيان، لأجل كشف منزلى, ومنذ سنوات زرت منزل أحد مرضاى عدة مرات، لأنه لا يستطيع المجىء إلى عيادتى, وقابلت هناك إبنة المريض، وهى مطلقة لعدم الإنجاب، وكنت فى كل مرة أزورهم فيها تقدم لى المشروبات كنوع من الضيافة، ويقسم الجميع ألا أرفضها، فأشربها مجاملة لهم، وبعد عدة زيارات وجدتنى أشعر برغبة هائلة فى هذه السيدة، وينتابنى إحساس، بأنها هى التى ستحقق لى متعتى الجسدية، وهكذا سعيت إلى التردد على بيتهم، بحجة متابعة حالة أبيها، وأصبحت تزورنى فى عيادتى للحجة نفسها، وفاتحتنى فى أن تعمل معى، فوافقت على طلبها الذى كنت انتظره لكى تكون بجانبى, وتلبى حاجتى, وأصبحت أشتاق إليها فى أوقات معينة، ثم أنفر منها بعد أن أنال غرضى منها، وانعكس هذا الوضع الذى لا أدرى كيف وقعت فيه حتى صرت أسيرا له على حياتى الأسرية، فحدثت مشاجرات كثيرة بينى وبين رفيقة عمرى بسبب هذا الأمر، وطاردتها الشكوك من جهتى لأول مرة فى حياتنا الزوجية، وكنت أصالحها، وأضع رأسى على كتفها، وأؤكد لها أنه ليس لى فى الدنيا سواها، وأن شكوكها ليست فى محلها، لكنها بحاسة الأنثى والزوجة المحبة لبيتها وزوجها، استشعرت أن هناك شيئا ما أخفيه عنها، خصوصا أن العلاقة الزوجية بيننا تغيرت إلى حد كبير، حيث أعود منهكا من عملى على غير العادة، واختلق الحجج يوما بعد يوم للتهرب منها، وأسوق إليها اسبابا ربما تكون فيها مبالغة لا تصدقها، ومنها أن العيادة مزدحمة بالمرضى, وأن الشغل كثير، ويبدو أنها اعتادت هذا الأمر، فلم تعد تحدثنى فيه، واقتصرت علاقتنا الزوجية على فترات متباعدة.
ومرت سنوات على هذا الوضع، ثم استطاعت هذه السيدة العثور على رجل متزوج بأخرى, ويرغب فى زوجة ثانية لا تستطيع الإنجاب، وتزوجته، واشترطت عليه أن تواصل عملها معى, خاصة مع الراتب السخى الذى تحصل عليه منى, فلم يمانع، واستمرت علاقاتنا بنفس الوتيرة، ولاحظت أن صحتى تدهورت، وأننى اشعر بالانهاك والتعب كثيرا برغم ممارستى الرياضة حتى وقت قريب، ولم أشك أبدا فى أن ما يحدث لى يكمن وراءه شىء مريب، وتكررت آلامى فى يوم «الفلانتين» العام الماضى.. حيث أصبت بآلام شديدة فى الصدر، وأنا فى عيادتى، وتم نقلى إلى المستشفى، وخضعت للعلاج، وتغيبت عن عملى فترة استرددت فيها صحتى.
ومنذ أسابيع أحضرت لى هذه السيدة كوبا من الشاى، وهى تمزح معى بكلمات الحب والإغراء، وذهبت لشراء الطعام لنا من مطعم قريب، وبعد أن تناولت الشاى، انتابتنى حالة إعياء شديدة، فأسرعت إلى دولاب فى عيادتى أحتفظ فيه ببعض الأدوية، فلم أجد فيه المفتاح، وكانت هى قد تركت حقيبتها، التى تحتفظ فيها بسلسلة مفاتيح منها مفتاح الدولاب، ولما فتحته فوجئت بالعديد من أشرطة الحبوب المنشطة، أغلبها فارغة، وبعضها لم يستخدم بعد، فأصابنى الذهول، وكدت أموت وقتها من هول الموقف، فأنا مريض بالقلب والشرايين، ولا استخدم أى منشطات، فمن الذى يستخدمها إذن؟! ورقدت على سرير العيادة، وقد تملكنى التعب، وعادت هذه السيدة من الخارج، فسألتها بصعوبة بالغة، وأنا متقطع الأنفاس: من جاء بهذه الأدوية إلى عيادتى؟ فأجابتنى ببرود شديد بكلمات نزلت عليّ كالصاعقة إذ قالت إنها تستخدمها فى الشاى الذى تقدمه لى، وحاولت أن تقلب الأمر إلى مزحة، وما هى إلا دقائق حتى تمكنت المنشطات التى وضعتها فى الشاى، بلا حساب منى، وساءت حالتى تماما، وارتميت مكانى، ولم أدر ماذا حدث بعد ذلك، وكل ما أعيه وأتذكره هو أننى عندما افقت، واسترددت وعيى، وجدت رفيقة عمرى وأبنائى حولى, فانخرطت فى بكاء مرير، وأنا اتطلع إلى وجوههم البريئة وابتساماتهم الطاهرة، واستمتع بلمساتهم الحنونة، التى لا استحقها، نعم لا استحق أن يتعاطف معى أحد، حتى لو كانوا أبنائى وزوجتى, فأنا الذى فعلت ذلك بنفسى, وبكامل إرادتى امتثالا لرغبة طارئة لم تزدنى إلا حسرة وندما على الطريق الذى سلكته بعدها. ولقد كتمت سرى واحتفظت به لنفسى, لكى لا اتسبب فى هدم الثقة بينى وبين أسرتى الصغيرة، وخضعت لجراحة قلب مفتوح، وتغيير للشرايين، وتحسنت حالتى بفضل الله إلى حد كبير، ولا أخفيكم سرا أننى أحس بالخجل من نفسى, وغرورى كطبيب يعتقد أنه عالم بكل شيء، ويفهم كل صغيرة وكبيرة، بينما لم أستطع تشخيص ما كان يحدث لى من تغيرات نتيجة ما كانت تضعه لى تلك الشيطانة فى المشروبات التى تشبع بها جسمى, وأنا أتوهم أن الرغبة الطارئة فيها نتيجة لشيء موجود لديها هى أو غيرها، وليس موجودا فى زوجتي... والحمد الله أنه ستر أمرى, ونجانى من موت محقق، وربما أراد الله أن يمنحنى فرصة جديدة للتوبة، لأنى كنت ضحية بصورة أو بأخرى, وقد قررت عدم الاستعانة بأى سيدة، أو فتاة للعمل معى فى العيادة بعد اكتمال شفائى بأمر الله، وحدثت زوجتى بشأن أننى أريد إعادة ترتيب العيادة، وتجديد اثاثها، والاستعانة برجل نشيط يتولى أمورها، وترتيب مواعيدها، ويكون حلقة إتصال دائمة مع المرضى للوقوف على حالاتهم المرضية، ومتابعتها معى, وبعد مشاورات مع الأهل والأصدقاء، رشحت لى قريبا لها، والآن أتطلع إلى حياة مستقرة بعيدا عن طريق الظلام، وأرجو أن تكون قصتى عبرة للآخرين لكى لا يتجاهلوا أى مشاعر أو رغبات مفاجئة أو تغيرات غير مبررة فى قدراتهم الجسدية، وألا تثنيهم نياتهم الطيبة عن الشك فى الآخرين.
مما لا شك فيه أن متعة الحياة تتحقق لكل فرد عندما تجتمع الرغبة والحب فيمن يراها مناسبة لمشاركته فى تكوين أسرة ناجحة ومستقرة من كل الوجوه، لكن الحظ لا يصادف الجميع، فيلتقون دائما بأقرانهم وأزواجهم الذين يتوافر فيهم هذان العنصران، وما نقوله عن الرجل ينطبق أيضا على المرأة، فقد تحب شريكها وتجد فيه الصفات النفسية والفكرية التى تبحث عنها لكنه لا يثير رغبتها، ومع ذلك لاتمانع فى مشاركته الحياة، بل لا تريد أن تكمل حياتها مع سواه، ولا تتوقف كثيرا عند أنه ليس الرجل الحلم بالنسبة لها شكلا ومضمونا، والرجل أيضا قد يحب شريكته، ولا يريد العيش مع سواها لكن عينيه تنصرفان الى أى امرأة تثيره، كما حدث معك عندما تعجبت من أن تثيرك امرأة خالية من لمحات الجمال، ووقعت فى شباكها، وصادف لقاؤك بها ميولا فى نفسك حتى اذا انتهى كل لقاء بينكما، تنفر منها، ولا تريد أن تراها انتظارا لإشعار آخر، ولولا أن البوادر منك دائما ما وصلت الأمور الى هذا الحد.
والحقيقة أن رسالتك تثير العديد من الملاحظات وعلامات الاستفهام والتعجب حول تجربتك الغريبة، بكل ما شهدته من أحداث ومواقف.. أما الملاحظة الأولى فتتعلق بالسيدة الأولى التى شعرت بالرغبة فيها ـ على حد تعبيرك ـ إذ لولا أنك لفت نظرها وطاردتها لما وقعت فى بئر الخطيئة معها، وكنت فى داخلك رافضا هذا السلوك بدليل قولك انك لم تكن تطيق رؤيتها بعد كل لقاء!، والملاحظة الثانية عن السيدة المطلقة التى سعيت لإقامة علاقة معها، وكانت السبب فى تردى حالتك الصحية، بدعوى أنها كانت تدس لك الحبوب المنشطة فى الشاى دون أن تدرى, وأحسب أن قصة هذه السيدة مبالغ فيها تماما منذ البداية، إذ أنك كررت معها ما فعلته مع السيدة الأولى بشعورك فى الرغبة فيها، فهل كانت تضع لك هذه الحبوب لكى تشعر بالرغبة فيها أم أنك تقصد أنها كانت تضع لك أعمال سحر مثلا؟.. لقد حاولت كثيرا تفسير هذه النقطة بالتحديد، وعجزت عن فهم موضوع أنك تتناول المشروبات فى المنازل التى تنزل ضيفا عليها، حتى لا تجرحهم بحكم العادات والتقاليد التى نشأت عليها، كما أنهم يقسمون عليك أن تتناولها فتمتثل لرغباتهم!، فهل معنى ذلك أن أهلها كانوا على علم بما تفعله؟!
أما الملاحظة الثالثة والأهم، فهى أنك كنت على يقين من أن شيئا غريبا يدور فى عيادتك، وأن المشروبات التى تقدمها لك غير طبيعية، ومع ذلك تماديت فى تجاهل ما تشك فيه من باب أنها تجلب لك السعادة، حيث تقضى معها وقتا ممتعا والمهم فى النهاية هى أنها تشعرك برجولتك، بعكس زوجتك التى تصل اليها فى نهاية اليوم وقد أنهكتك هذه المرأة اللعوب التى انجرفت وراءها بلا وعى, حتى وهى فى عصمة رجل آخر، ولا أدرى كيف طاوعت نفسك الشريرة بأن تستمر فى الخطيئة على هذا النحو، سنوات طويلة بلا تفكير فى التوبة، والعودة الى جادة الصواب؟.
وبعيدا عما اذا كنت تعانى مرضا بالقلب أو غيره، فإن الطريق السليم واحد ومعروف، وهو أن ترتبط بزوجة ثانية فى وضوح تام وأمام الجميع لكى تلبى لك رغباتك الملحة، والطارئة التى تنتابك كلما رأيت سيدة بالمواصفات العالقة بخيالك، ما دمت غير قادر على الصمود، والإرادة التى تجعلك انسانا ملتزما يحافظ على بيته ويخشى ربه.. وها أنت قد أدركت خطأ ما فعلت بالبعد عن عالم السيدات، واستقدام رجل ينظم لك وقتك، ويتابع أحوال مرضاك، فلسان حالك يقول إن الراحة النفسية أهم من تلبية الرغبات الجسدية، وتنصح كل رجل وامرأة بعدم تجاهل أى مشاعر أو أحاسيس غير مبررة، وألا تثنى النيات الطيبة المرء عن الشك فى الآخرين.
نعم.. إنه درس بليغ، ينبغى أن يتعلمه الجميع، وأرى من هذا المنطلق أهمية علاج أسباب الانحراف عند الرجال بالذات، وأهمها تحول العلاقة الحميمة من الرغبة المشتركة بين الزوجين الى واجب فقط، وخلو حياتهما من الحوار، ربما لعدم انسجامهما فكريا وثقافيا، وأيضا تسلط الزوج الذى يعتبر رأيه أمرا لا يجوز النقاش فيه، فتشتد الخلافات، وتصل الى حد الأعاصير التى تطيح بكل منهما بعيدا عن الآخر، ومقارنة الزوجة مع أخريات يشاهدهن الرجل فى مجال عمله أو خارجه، ويتطور الأمر من الاعجاب الى الخيانة، كما أن أصدقاء السوء يسهبون فى وصف متعة الإشباع الجسدى مع غير الزوجة، فيستسيغ المرء ما يسمعه منهم ويقدم عليه، وقد لا يتفهم أسباب أى تقصير من زوجته فيذهب الى التعويض مع امرأة أخرى خصوصا مع اشتداد الأعباء النفسية والاجتماعية عليه، الى جانب الرغبة فى التغيير مع من تستجيب لكل ما يريده منها.
إننى أعجب لتصرفات الرجل تجاه زوجته، والمرأة تجاه زوجها، لمجرد أن يرى أحدهما فى الآخر ما لا يعجبه ولا يصادف هواه، وأصدق ما قاله مصطفى صادق الرافعى فى ذلك «إن رضى المحب قال فى الحبيب أحسن ما يعرف، وما لا يعرف، وإن غضب قال فيه أسوأ ما يعرف، وما لا يعرف، وما لا يمكن أن يعرف»!، وأرجو أن تكون تجربتك المؤلمة دافعا لك الى أن تعيد المياه إلى مجاريها الطبيعية مع زوجتك، فهى الأجمل والأبقى والأنقى لك ولا تطل هجرك لها فإن طال أكثر من ذلك كان أثر الزمن عليها، كأثره فى الحرير المصبوغ، إن لم يبد فى العين ذليل النسج، بدا فيها ذليل اللون، كما قال الرافعى أيضا.
وأخيرا تبقى النصيحة العامة، بأن يتحرى كل رجل وسيدة، وكل شاب وفتاة عدم التمادى فى الحديث مع الآخرين إلا فى أضيق الحدود، وفى موضوعات عامة، حتى إذا تطرق الكلام إلى أمور خاصة ينصرف على الفور، وينهى اللقاء بأى صورة, حتى يدرأ الشبهات، ويتحاشى الوقوع فى الخطأ، وعليه أيضا أن يضع أسرته وأهله نصب عينيه، وأن يتقى الله فى كل خطواته، فإذا أقدم على خطوة خاطئة تاب ورجع الى الله، وسوف يجده غفورا رحيما بشرط الإقلاع عن الذنب تماما، وحينئذ سوف تصفو نفسه، ويعيش مرتاح البال والضمير، فأكمل مسيرتك على هذا النهج القويم، وسوف تواصل الإبحار مع زوجتك وأبنائك بأمان فى نهر الحياة.
رابط دائم: