تداول مفهوم جريمة أزدراء الاديان بين وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعى مؤخرا، بعد حبس فاطمة ناعوت واسلام بحيرى بنفس التهمة ،وربما كان هناك أخرين على الطريق؛ فلقد وضعت هذه الجريمة فى التشريع المصرى بعد أغتيال السادات لمواجهة الفتنة الطائفية والارهاب،
ثم حذفها المشرع الجنائى عام -2006- ليتم استدعاؤها من جديد فى قانون مكافحة الارهاب ، لاعتبار ان جريمة الازدراء هى نوع من الارهاب ، ولكن هناك خلط بين حرية التعبير عن الرأى وبين إهانة المعتقدات وهو ما يحتاج الى تحديد واضح وتشريع جازم مانع ،لجريمة " الازدراء" لحماية الاديان من التطاول والاهانة ، وحرية التعبير والرأى من التراجع.
الدكتور عادل محمد خيرأستاذ القانون الدولى ، يقول إنه " تحقيقا لرغبة رجال الصحافة والإعلام ومن فى حكمهم لأداء رسالتهم فى الحدود التى رسمها القانون،أصدرالمشرع الجنائى القانون رقم 147لسنة-2006 بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات لاغيا وحاذفا عبارة " الازدراء" الواردة فى البند - أولا - من المادة- 174- من قانون العقوبات ، فالصحفيون و من فى حكمهم يخضعون لمواد وأحكام هذا الباب الذى تم تعديل عنوانه بالقانون رقم- 93لسنة 1995- حيث أصبح " الجرائم التى تقع بواسطة الصحف وغيرها "
الازدراء.. والارهاب .
أما المادة - 98- من قانون العقوبات كما يقول الدكتور خير، محل المعاناة والتى جاء فيها تعبير "الازدراء" التى يعاقب بها رجال الصحافة و الإعلام، فقد أضيفت بالقانون رقم -29لسنة -1982، بعد اغتيال الرئيس الراحل السادات فى أكتوبر 1981، وعقب انتخاب الرئيس الأسبق مبارك وتوليه مقاليد الحكم ، لردع الفتنة الطائفية التى استشرت وقتئذ، ومواجهة تغلغل التنظيمات الدينية المتطرفة التى اغتالت رئيس مصر ولمقاومة الإرهاب ، حيث أنها وردت ضمن مواد القسم الأول من الباب الثانى من قانون العقوبات المتضمن المواد من- 86 إلى 102 مكررا- التى تؤثم لجرائم الإرهاب- والتى نقل عنها - قانون مكافحة الإرهاب - رقم 94لسنة -2015- معظم أحكامه، ورفعاً للتعارض بينهما نصت المادة الأولى من قانون الإصدار بأن " يعمل بأحكام قانون مكافحة الإرهاب ، وتسرى على ما لم يرد فى شأنه نص فى أحكام قانون العقوبات والإجراءات الجنائية " ؛ فالمادة 98 عقوبات تتوسل بالعقاب " كل من إستغل الدين فى الترويج بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو إزدراء .
" ولمواجهة الفتنة الطائفية إعتبرها المشرع الجنائى من الأعمال الإرهابية فأضافها منذ إبريل 1982 ضمن مواد تأثيم الإرهاب، كى تتمكن الدولة من حماية البلاد بعد حادث المنصة وإغتيال رئيس الدولة، أما جرائم الباب الرابع عشر من قانون العقوبات التى أطلق عليها المشرع الجنائى (الجرائم التى تقع بواسطة الصحف وغيرها) فلا علاقة لها بالإرهاب ، لذا تدخل المشرع فحذف عبارة "الإزدراء" من المادة -174- فأصبح نصها اعتبارا من - 15يوليو2006- وبموجب القانون رقم - 147 لسنة- 2006 ، بأنه " يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه كل من إرتكب بإحدى الطرق المتقدم ذكرها – فى المادة 171- فعلاً من الأفعال الآتية: أولا. التحريض على قلب نظام الحكم المقرر فى القطر المصرى..
" حيث كان نصها قبل الحذف " التحريض على قلب نظام الحكم المقرر فى القطر المصرى أو على كراهيته أو الازدراء به " ؛ فتعبير الازدراء أصبح غير معاقب عليه لاتجاه إرادة المشرع الجنائى إلى حذفه فى هذه الجرائم التى تقع بواسطة الصحف أو أية طريقة أخرى مماثلة من طرق التمثيل العلنى المرئية والمسموعة والرسوم والصور الشمسية والرموز وغيرها من طرق التمثيل المنصوص عليها فى المادة -171 عقوبات .
قضاء الدستورية والازدراء
وقد تواتر قضاء الدستورية العليا على أن المشرع إذا أورد مصطلحا معينا فى نص ما لمعنى معين ، وجب صرفه إلى هذا المعنى فى كل نص آخر يردد ذات المصطلح، فحذف المشرع الجنائى مصطلح "ازدراء" من المادة 174 عقوبات بمقتضى القانون رقم 147لسنة 2006 الصادر بتاريخ 15يوليو2006 – وهو تاريخ لاحق على تاريخ إضافة المادة "98" محل الاتهام – يوجب صرفه فى كل نص آخر يردد ذلك المصطلح: وإنه وإن كان القاضى الجنائى مطالبا أولا بالرجوع إلى نص القانون ذاته وإعماله على واقعة الدعوى فى حدود عبارة النص، إلا أنه من حق القاضى الجنائى الاستهداء مما يرد فى الأعمال التحضيرية ومن بينها المذكرات التفسيرية المرافقة للقانون، فالقاضى الجنائى ليس ممنوعا من الرجوع إلى الوثائق التشريعية، والأعمال التحضيرية لتحديدالمعنى الصحيح للألفاظ التى ورد بها النص حسبما قصده واضع القانون. والواجب فى هذا المقام هو إلمام الكافة بالقانون بمعناه الذى قصده الشارع ، مادامت عبارة النص تتحمل هذا المعنى ولا تتعارض معه ، فإذا جاء النص خلوا من العقوبة وجب الحكم بالبراءة ، وإذا انتفى تحديد الواقعة وجاء النص معيبا غير قابل للتطبيق وجب الحكم بالبراءة أيضا.
حرية التعبير تحتاج لقدر من التسامح
تواترت احكام الدستورية العليا على أن الطبيعة البناءة للنقد لا تفيد لزوما رصد كل عبارة احتواها مطبوع، وتقييمها – منفصلة عن سياقها – بمقاييس صارمة ، ذلك أن ما قد يراه إنسان صوابا فى جزئية بذاتها ، قد يكون هو الخطأ بعينه عند آخرين ، و لا شبهة فى أن المدافعين عن آرائهم ، ومعتقداتهم كثيرا ما يلجأون إلى المغالاة ، وأنه إذا أريد لحرية التعبير أن تتنفس فى المجال الذى لا يمكن أن تحيا بدونه ، فإن قدرًا من التجاوز يتعين التسامح فيه . و لا يسوغ بحال أن يكون الشطط فى بعض الآراء مستوجبا إعاقة تداولها "وقد انضمت مصر إلى جميع الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، التى أصبحت جميعها جزءا لا يتجزأ من القانون المصرى ويلتزم القضاء المصرى بكافة درجاته باحترامها وتطبيق أحكامها شأنها شأن التشريعات المصرية ، حيث تنص موادها جميعا على ( حق كل فرد فى حرية التعبير) و ( حق كل فرد فى حرية الفكر والضمير والديانة) وللدولة أن تتدخل ، بموجب القانون، فى إطار من العدالة والمساواة وعدم التعسف ، وبدون تقييد لحقوق الإنسان الأساسية أو التحلل منها بحجج تخرج عن إطار هذه الاتفاقيات .
رابط دائم: