وكأنه أراد أن يكون مكان نشأته هو مكان رحيله، وكأنه أراد أن يقول من هنا بدأت رحلة البداية، وهنا منتهى الرحلة، انطفأت شمعته، ولم ينطفىء قلمه، ودعنا الأستاذ فى جنازة مهيبة من حى الحسين، استأذن فى الرحيل، بعد 93 عاما، ظل فيها متوهجا بقلمه، وآرائه وتحليلاته، وحضوره، ظل شاهدا فيها على سبعين عاما هى الأخطر فى مراحل مصر، ظل فيها كما قال المتنبى مالىء الدنيا وشاغل الناس.
فى مسجد الحسين، وفى تجمع كبير من أصدقائه ومحبيه وعاشقيه، وكثير من الشخصيات العامة التى تقدر وزن هيكل السياسى والصحفى وأهميته ليس فى مصر وحدها بل فى العالم أجمع، جاءوا فرادى وجماعات ليودعوه الوداع الأخير.
فى نحو الثانية والنصف، ظهر أمس، وصل جثمان الأستاذ هيكل وسط حشد من الجموع، كل جاء يلقى على الأستاذ نظرة الوداع، ويأذنون له هذه المرة فى الرحيل بعدما رفضوا من قبل الموافقة على الاستئذان فى الانصراف قبل نحو ثلاثة عشر عاما،وبعد نحو الساعة خرجت جنازة فقيد الأمة والعالم من باب مسجد الحسين حسب وصيته قبل مماته، وانطلقت سيارات المشيعين فى الرابعة إلا الربع مع السيارة التى تحمل جثمان الأستاذ إلى مقابر الأسرة فى مصر الجديدة.
تحدث الأستاذ كثيرا عن الموت فقال هو "طور جديد للحياة يختفى فيه الجسد وتظل الروح بأعمالها حاضرة"، وقال "الموت فى رأيى طور من الحياه، فهذه الحياه بدأت قبلنا وهى مستمرة بعدنا من أزل إلى أبد، وقد نصاب بالشجن والحنين حين يغيب عنا عزيزعلينا متحسبين أنها النهاية، لكن ذلك إسراف فى التشاؤم لأن الغياب مختلف عن النهاية" ولذا فقد اختار اسما مختلفا، ومعنى مغايرا ومؤثرا، عن باقى المسميات، فكتب على القبر الذى دفن فيه فى مقابر مصر الجديدة، " دار العودة" ليعلمنا فى حياته ومماته أعظم القيم، وأنبل الصفات، عليه رحمة الله.
فى جنازة الأستاذ، حضر الكل، وزراء حاليون وسابقون، صحفيون كبار وشباب، نساء وعجائز، سياسيون وإعلاميون، مثقفون وأميون.
فى جنازة الأستاذ، كانت هناك مشاهد حزينة ومؤلمة، تمتمات بالاستغفار والرحمة، الكل هنا يٌسلم بقضاء الله وقدره، الكل هنا يعلم أن كل إنسان لا محالة إلى فناء، ولكن دموع المشيعين انهالت حزنا على فراق ووادع أسطورة قلما يجود الزمان بمثلها.
لم يتأخر محبو الأستاذ وأصدقاؤه عن الحضور برغم الفارق الزمنى الصغير بين موعد خبر الوفاة والجنازة، فقد حضر العديد من الشخصيات العامة والإعلامية وعلى رأسهم، حلمى النمنم وزير الثقافة وجلال سعيد محافظ القاهرة، ونبيل العربى الأمين العام للجامعة العربية وعمرو موسى، ومنير فخرى عبدالنور، ومصطفى الفقى، ومصطفى حجازى ، وعبدالحكيم عبدالناصر، وعبدالله السناوى، وفاروق جويدة، ويحيى قلاش نقيب الصحفيين، وجلال عارف، وجمال فهمى، وعصام الأمير رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون، وياسر رزق ، وعمرو الشوبكى، ومحمد عبدالقدوس، ورجل الأعمال صلاح دياب، ومحمد سلماوى.
دفتر عزاء فى وفاة عميد الأهرام
بدءا من صباح اليوم، يستقبل «الأهرام» المعزين فى وفاة الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل رمز الأهرام، حيث سيفتح دفتر للعزاء فى وفاة الفقيد الكبير ببهو المبنى الرئيسى بالجلاء.
رابط دائم: