رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

يتضمن 4 رسائل تكشف أوهام «أرض الأحلام»..
«ارتجاج».. يصيب رؤوس اللاعبين ورأس المال الرياضى فى أمريكا

بهاء الدين يوسف
الأداء التمثيلى الرائع للمثل المعروف ويل سميث ليس هو الشيء الإيجابى الوحيد الذى تستطيع الخروج به من مشاهدة فيلمه الجديد «ارتجاج»، الذى يحفل بالعديد من الرسائل الضمنية المهمة.

......................................................................

أولى هذه الرسائل العنصرية الكامنة فى نفوس الأمريكيين رغم تظاهر مجتمع «الاحلام» هناك بغير ذلك، حيث تقف جنسية الطبيب الكفء بينيت أومالو حائلا دون أن يلقى اكتشافه الطبى المهم جدا ما يستحقه من احترام وتقدير.

الرسالة الثانية أن فساد ووحشية رأس المال ليست ظاهرة محلية أو مقصورة على دول العالم الثالث فقط، وإنما هى موجودة حيثما وجد رأس المال نفسه، ولا صحة لما يروجه البعض عن أوهام دولة القانون والشفافية وغير ذلك من أوصاف تستخدم فى الغرب من أجل تسويقها للدول المستضعفة وراء البحار.

ليس بعيدا عما سبق فكرة تقديس قيمة الانسان فى المجتمعات الغربية التى تعتبر واحدة من أكثر الأفكار الغربية جاذبية وشيوعا بين مثقفى العالم الثالث حيث تهان الانسانية فى كل لحظة، لكن الفيلم يكشف ببساطة أنه لا قيمة للإنسان فى الغرب إلا بما يحققه من عوائد، مثلما يظهر فى مجتمع كرة القدم الأمريكية أو البيسبول التى تعتبر اللعبة الشعبية الأولى هناك، ويحظى نجومها بشهرة وثروات هائلة ماداموا قد استمروا فى تحقيق عوائد للمستثمرين فى الأندية، لكنهم يمكن أن يتم إلقاؤهم على الرصيف مثل مناديل «الكلينيكس» بعد أن تنتهى فائدتهم دون أى اعتبار لأدميتهم.

الرسالة الأخيرة أن الرشوة وشراء الذمم والضمائر ليست وباء مقصورا على المجتمعات الفقيرة والجاهلة وغير المتحضرة فقط، وإنما ينتشر أيضا فى المجتمعات المتقدمة، حتى أنه ينمو فى باطن «أرض الأحلام» الأمريكية، حيث يبيع أطباء مشاهير ضمائرهم للحفاظ على الأرباح الخيالية التى يجنونها من التعاون مع الاتحاد الوطنى الأمريكى للبيسبول.

كذلك يحفل الفيلم الذى أخرجه الصحفى والمخرج والناشط اليهودى بيتر لاندسمان فى ثانى أعماله السينمائية كمخرج بعد «باركلاند» بالعديد من الجمل الحوارية التى تكشف زيف الحلم الأمريكي، مثل قول الطبيب بينيت أومالو لزوجته ساخرا فى ذروة أزمته إنه عندما كان طفلا فى نيجيريا كان يرى أن الطريق للجنة لابد وأن يمر من خلال أمريكا.

وهناك أيضا حوار بين أومالو والطبيب الأمريكى المشرف على بحثه الطبى الذى يقول له فى تفسيره للموقف العدائى للاتحاد الوطنى للبيسبول من اكتشافه، أن أيام الآحاد كانت مخصصة للكنيسة فى السابق، لكن رجال الأعمال والمستثمرين جعلوها مخصصة للبيسبول، فى إشارة واضحة على أن رأس المال لا يؤمن بدين ولا مبادئ.

فيلم «ارتجاج» مأخوذ عن قصة حقيقية لطبيب شرعى نيجيرى هو بينيت أومالو (ويل سميث) يكتشف عام 2002 أن الأمراض التى تصيب أدمغة لاعبى البيسبول بعد اعتزالهم ليست الزهايمر مبكرا كما كان يجرى تشخيصها، وإنما عبارة عن مرض أطلق عليه «التهاب الدماغ المزمن الناتج عن الصدمة» ويصاب به اللاعبون نتيجة تعرض رؤوسهم للاصطدام مئات المرات خلال مشاركاتهم فى المباريات.

يزداد الاهتمام العلمى باكتشاف أومالو بعد وفاة عدد من مشاهير اللاعبين السابقين بأمراض فى الدماغ لم يكشف عن تشخيصها الحقيقي، ويقوم هو بدوره بتشريح أدمغتهم للتأكد من دقة اكتشافه.

ينجح أومالو فى اقناع أطباء مشاهير بوجهة نظره الطبية، ما يؤهله لنشر بحثه القيم فى أهم مطبوعة علمية أمريكية، لكن الأمر لا يلقى ترحيبا من مسئول الاتحاد الوطنى لكرة القدم الأمريكية، الذين يخشون تأثير اكتشاف أومالو على شعبية اللعبة ومن ثم الأرباح الهائلة التى يجنونها من ورائها.

وبينما يستمر أومالو فى سعيه لإقناع المجتمع الطبى والعلمى فى أمريكا بتبنى اكتشافه يتحرك مسئولو الاتحاد الوطنى لتسفيهه من خلال التركيز على نقطتين بعيدتين عن البحث العلمى لكنهما تؤثران بقوة على عقول العامة التى تميل بطبيعتها للعنصرية.

النقطة الأولى أن أومالو نيجيرى وليس أمريكيا ما يعنى أنه قادم من دولة متخلفة لا يصح أن يثق فيها أو فيه الأمريكان، أما النقطة الثانية فهى أنه يعمل كطبيب شرعى وليس اختصاصيا فى المخ والأعصاب.

خلال المعركة المندلعة بين عدد قليل من الشرفاء المؤمنين بضرورة تمكين العلم، وبين كثير من بائعى الذمم يرصد الفيلم بعض الحقائق مثل أن مالكى فريق بيتسبرج ستيلرز فى ولاية بنسلفانيا التى يقيم بها أومالو انفقوا مائتى مليون دولار فى بداية الألفية الحالية لبناء الملعب الضخم الذى يستوعب أعدادا هائلة من المشجعين.

نكتشف أيضا أن الاتحاد الوطنى لكرة القدم الامريكية استقطب أبرز أطباء المخ والأعصاب فى أمريكا للعمل كمستشارين له وللفرق المختلفة المشاركة فى الدورى الوطنى بمبالغ خيالية ليضمن ولاءهم.

تنتهى المعركة كما هو متوقع بهزيمة أومالو رغم تلقيه دعما إيجابيا من الدكتور جوليان بايلز (أليك بالدوين) الذى عمل لفترة طويلة طبيبا لأحد فرق البيسبول وعرف خطورة صدمات الرأس المتكررة التى يتعرض لها اللاعبون، لكن نجاح مسئولى الاتحاد الوطنى فى تغيير المدعى العام للولاية وتعيين رجل يدين لهم بالولاء يحبط جهود الطبيب النيجيرى الذى يتلقى وزوجته تهديدات مستمرة بالقتل إذا لم يرحل عن الولاية، ينتج عنها إجهاض زوجته بعد تعرضها لمطاردة بالسيارة.

وتصل الأحداث لذروتها حينما يدعوه المدعى العام لمناظرة تحت اشرافه لعرض اكتشافه، لكنه يعلم قبل دقائق من موعد المناظرة أنهم لن يسمحوا له بالظهور فيها بحجة أنه نيجيرى وليس أمريكيا، فيطلب منه د. جوليان أن يتولى هو عرض تفاصيل الاكتشاف، وهو ما يحدث لكن دون أن يحقق النتيجة المرجوة لأن الهدف من المناظرة هو تسفيه الاكتشاف وليس مناقشته جديا.

يغادر أومالو بنسلفانيا ليعمل طبيبا شرعيا فى مشرحة بإحدى مدن كاليفورنيا حيث يعيش حياة طبيعية مع عائلته وينسى أمر اكتشافه الطبى لسنوات حتى يعرف أن أحد أعضاء مجلس إدارة الاتحاد الوطنى لكرة القدم وهو لاعب سابق جاهر بالعداء لأومالو فى السابق انتحر فى منزله تاركا رسالة يعترف فيها بإصابته بـ «التهاب الدماغ المزمن الناتج عن الصدمة» الذى اكتشفه الطبيب النيجيري، ما أجبر الاتحاد الوطنى على التعامل مع بحثه بجدية أكبر والاعتراف بالمخاطر التى يتعرض لها اللاعبون.

ويل سميث قدم فى الفيلم إثبات جديد على عبقريته الفنية خاصة اتقانه التحدث باللكنة الافريقية التى احتاجت منه عدة أسابيع لتعلمها، وقد اعترف أنه قبل بطولة الفيلم انطلاقا من مسؤوليته كأب، لأن أحد ابنائه عضوا فى فريق كرة القدم الأمريكية بمدرسته الثانوية، كما أنه شخصيا من كبار المعجبين باللعبة.

يحسب للمخرج بيتر ليندسمان جرأته فى اختيار موضوع الفيلم، وهى جرأة مستمدة من شخصيته حيث تصدى من خلال عمله الأصلى كصحفى لقضايا هامة مثل تجارة الرقيق الأبيض فى أمريكا، كما أن فيلمه الأول «باركلاند» الذى أخرجه وكتب قصته بالمشاركة مع النجم المعروف توم هانكس عام 2013 تناول فيه فى سيناريو أقرب للأفلام الوثائقية عملية اغتيال الرئيس جون كينيدي، بطريقة تدين تورط أجهزة الأمن الأمريكية فى عملية الاغتيال.

أما تقنيا فلم تكن لليندسمان فى «ارتجاج» بصمات إخراجية واضحة، مثلما لم يكن لأغلب الممثلين المشاركين وجودا مؤثرا فى الأحداث حيث تواروا جميعا خلف الأداء المسيطر للنجم ويل سميث.

لكن الفيلم لم يلق نجاحا ملفتا سواء على المستوى النقدى حيث نال 63 % فقط بحسب آراء 131 ناقدا سينمائيا، أو على المستوى الجماهيرى، فلم يحقق منذ بداية عرضه فى نهاية ديسمبر الماضى سوى 38 مليون دولار تقريبا وهو رقم ضعيف إذا ما قورن بالأفلام التى طرحت فى نفس توقيت عرضه مقابل ميزانية بلغت 35 مليون دولار.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق