رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

من منصات الفكر والفضائيات إلى ساحات الرياضة «التعصب».. فتنة تهدد المجتمع

تحقيق ــ خالد أحمد المطعنى:
لا للتعصب
استحوذت الأحداث والتطورات السياسية والأمنية والاجتماعية التى نشهدها على أحاديث الشباب فى ملتقياتهم ومجالسهم فى المقاهي، وساد التعصب والعدوانية فى مناقشات كثير منهم،

ودفع الحماس وقلة الوعي، وغياب التثقيف المجتمعى والأسري، الكثير من الشباب إلى تبنى مواقف متطرفة، فما يلبث أن ينتهى النقاش إلى تبادل الاتهامات أو العراك بالأيدي، وانتشرت أشكال متعددة من التعصب السياسي، والديني، والرياضي، لدى الشباب الجامعي، الذى يرى نفسه على حق والآخر على باطل، وساد التسلط والجمود فى التفكير، أو اللجوء إلى العنف، والقتل قتل والتكفير والتخوين وتخريب وتدمير للمجتمع، وغابت الموضوعية فى تناول القضايا الخلافية، خاصة فى المذهب والفكر حتى فى مجالات الإبداع والرياضة.

ولقد جابه الإسلام التعصب بكل صوره وأشكاله البغيضة، وأنقذ الإنسانية من كل آفاته وأضراره، وأقام حضارة تقوم على التسامح والإيمان بالاختلاف والتعددية الفكرية والمجادلة بالتى هى أحسن. ويؤكد علماء الدين أن التعصب فى الفكر والمذهب سبب رئيس فى ظهور موجات التكفير والتخوين والتفسيق فى المجتمع، وأنه “فتنة” العصر الذى نعيشه، كما رفض علماء الدين كل مظاهر التعصب التى تطل برأسها بين الشباب، وبخاصة ما يعرف بالتعصب الكروى بين روابط المشجعين”الألتراس”، التى تحولت من التشجيع إلى التخريب وترويع الآمنين.

ويقول الدكتور عبد الفتاح إدريس، أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة، إنه لا أحد ينكر على أحد اعتناق مذهب فكريّ دون آخر إذا كان ما اعتنقَه من ذلك لا يدعو إلى نبذ الأديان السماوية أو تعطيل شرائعها، أو حَصْرِ شَرْع الله سبحانه فى مجال دون سائر المجالات التى ينبسط عليها سلطانه فى شتى مناحى الحياة، أو استباحة ما حرم الله تعالي, وإنه لَممّا يدعو إلى العجب فى عصرنا أن يتعصب البعض لفكر بعينه اعتَنقَه ليُنصِّب من نفسه حَكَمًا على أفكار الآخرين، فيرمى فكر هذا بالتخلف والجمود، وفكر ذاك بالإلحاد، وفكر غيرهما بالتميُّع وعدم صلابته فى الحق، ونحو هذا من الأحكام التى صارت تُلقَى جُزافًا دون تدبر أو رَوِيَّة، وقد كان كثير من السلف يتورع عن إلقائها مخافةَ المأثَم إذا لم تكن أفكار مخالفيهم على نحو ما قالوا.

التعصب الفكرى

وأشار إلى أن التعصب الفكرى فى عصرنا نشأ من المفاسد ما لم يَعُدْ خافيًا على أحد، من اعتداءٍ على الأنفس والأموال والأمن العام، واستباحة ما حرم الله سبحانه بعلل عليلة لا تُقنع الأريب أو تَرقَى إلى لُبّ اللبيب، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتعصب لرأيه, بل كان يسأل أصحابه فى كثير من الأمور, وكان يأخذ من آرائهم ما يراه محققا المصلحة العامة, من ذلك: أنه كان يميل إلى قتال المشركين من داخل المدينة, إلا أنه لما رأى أن أكثر أصحابه يرون أن المصلحة فى قتالهم خارجها, نزل على رأيهم, وكانت غزوة أحد عند جبل أحد خارج المدينة, ورحم الله سلفنا الصالح الذين نبذوا هذا التعصب الممقوت رغم علوّ كعبهم فى مجال المناظرة والجدل، وبلوغهم جميعًا رتبةً من الاجتهاد فى علوم الشريعة, لا يدَّعيها لنفسه أحد من رموز الفكر الإسلاميّ فى عالمنا المعاصر، فلم يُؤثَرْ عن أحد منهم أنه حكم على فكر غيره بالإلحاد أو الكفر, أو أنه أخرج عن الملة من يخالفه فى الرأي، ما لم يخالف أصلًا شرعيًّا أو يتهجم على شرع الله سبحانه, فهذا عمر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتعصب لرأيه وأخذ برأى امرأة مسلمة، حينما رأى من بعض الناس مغالاة فى المهور، فأراد أن يجعل للمهور حدًّا أعلى لا يتجاوزه أحد، فلما همَّ بأن يدعوَ الناس إلى ذلك انبَرَت إليه امرأة فقالت: ليس هذا إليك يا عمر، كيف تقولها والله تعالى يقول: (وإن أردتم استبدالَ زوجٍ مكانَ زوجٍ وآتيتم إحداهنَّ قنطارًا فلا تأخذوا منه شيئًا)؟ فسكت أمير المؤمنين وقال: أصابت امرأة وأخطأ عمر. وكذلك التابعون وتابعوهم نحوا هذا المَنحَي، ورُوى عن الشافعيّ أنه قال: رأيُنا صواب يَحتمل الخطأ، ورأيُ غيرنا خطأٌ يَحتمل الصواب، فحَرِيٌّ بنا أن نتأسَّى بهؤلاء الأئمة الأعلام، فنَنبِذَ التعصبَ الفكريّ كما نبَذوه ولم يَتَردَّوا فى مهاوِيه المُهلِكة، كما هو حادثٌ الآن لكثيرين.

التعصب السياسي

ومن جانبه، أكد الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، أن الإسلام قد جابه كل أنواع العصبيات سواء كانت مذهبية أو طائفية أو فكرية، وقد علم النبى صلى الله عليه الصلاة والسلام، أدب الحوار والاختلاف فى كل النواحى العلمية، فقال”أن الحاكم أو المجتهد إذا أصاب فله أجران وإذا أخطأ فله أجر”، موضحا أن المجتمع المسلم فى عصوره الزاهرة، كان يقبل التنوع الفكرى والعلمي، والتاريخ شاهد على ذلك، فالمدارس العلمية العقائدية من معتزلة وقدرية وجبرية وأشاعرة وماتريدية، والمذاهب الفقهية مثل الفقه الجعفري، والزيدي، والحنفى والمالكى والشافعى والحنبلى والظاهري، وغيرها من المدارس الفقهية، وكانت هناك مدارس فى جميع فنون العلم، فكانت مناهج المفسرين المختلفة بالرأى والمأثور والجمع بينهما، وكذلك مناهج المحدثين فى الحديث، كل هذه المدارس راعت أدب الاختلاف، ولم يوجد تعصب فى رأى ولا تكفير ولا تشريك ولا تبديع ولا تجهيل، إلا ما شذ عن ذلك من غلاة الخوارج والسلفية. وأوضح أن التعصب السياسى هو الوقود الذى قضى على الإخاء الإسلامي، والفتنة الكبرى فى عهد سيدنا عثمان رضى الله عنه خير شاهد على ذلك، والوقت المعاصر للأسف الشديد مملوء بهذه العصبية التى ضربت ربوع العالم الإسلامى فى شرقه وغربه، وظهرت فرق وجماعات وتيارات، تكفر وتفسق وتقتل وتدمر وتخرب، باسم الدين وهو منها براء، وقد صدق الله إذ قال” إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم فى شيء إنما أمرهم إلى الله...”.

مرفوض شرعا

ويرفض الدكتور مختار مرزوق عبد الرحيم، عميد كلية أصول الدين بأسيوط، كل صور التعصب المنتشرة حاليا بين الشباب فى كل المجالات المختلفة، وبخاصة ما يحدث بين بعض مشجعى الفرق الرياضية المتنوعة، ما يسمى بروابط”الألتراس”، موضحا أن مثل هذا التعصب الأعمى البغيض يدخل فى باب الحرمة شرعا، خاصة أنه يترتب عليه آثار سيئة تضر بالفرد والآخرين والمجتمع، حيث إنه تحول من تشجيع للرياضة - التى هى من المفترض أنها تهذب الأخلاق- إلى ممارسة السياسة والضغط على الدولة والتخريب والقتل وترويع الآمنين، مما من شأنه انتشار الكراهية والبغضاء والتناحر بين أفراد البيت الواحد، والمنطقة الواحدة، بل ويعرض المجتمع كله إلى التفكك والتشرذم، فى وقت نحن فى أمس الحاجة إلى الترابط والتماسك والاجتماع على كلمة سواء، حتى تعبر الأمة أزمتها ويتحقق النمو والتقدم.

وعن كيفية مواجهة التعصب بين الشباب، أوضح الدكتور مختار مرزوق أنها مسئولية مشتركة بين جميع المؤسسات المعنية بأمور الشباب، سواء المؤسسات التعليمية او التدريبية أو التوجيهية أو الثقافية، إلى جانب علماء الدين والأئمة والوعاظ، والبرامج الإعلامية، على كل هذه المؤسسات عدم ترك الساحة والفرصة لتأجيج نار التعصب تسرى بين الشباب، فى الوقت نفسه إبراز وتأكيد الجوانب الإيجابية فى المجال الرياضي، والابتعاد كلية عن الجوانب السلبية التى تفرزها العصبية الممقوتة، فى هذا الشأن، من خلال إقامة الندوات واللقاءات المتنوعة مع الشباب فى أماكن تجمعهم، ومخاطبتهم مباشرة وتوضيح خطورة تلك العصبية على الجميع، ويتم تأكيد أن الرياضة غالب ومغلوب، ولكن الأثر الحسن أو السيئ هو الذى يبقى فى النفوس.

أضرار على الفرد والمجتمع

وفى سياق متصل، يؤكد الدكتور نبيل السمالوطي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر، إن الإسلام أول من أقام حضارة بلا تعصب أو عنصرية أو صراع، مستندة إلى الوحى الالهي، حضارة تؤمن بالتعددية فى المذاهب والفكر والرأي، وترفض كل آفات العصبية، وقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أضرار العصبية على الفرد والمجتمع، بقوله “دعوها فإنها منتنة”، وقوله صلى الله عليه وسلم”ليس منا من دعا إلى عصبية”.

وأشار إلى أن أضرار التعصب فى المذهب او الفكر، تعود على الفرد والمجتمع، فتحول الفرد المتعصب لرأيه ومذهبه إلى شخص منبوذ، غير متواصل مع غيره حتى مع أقرب الناس إليه من أبناء وزوجة وأصدقاء، مما يؤدى بدوره إلى انهيار الأسرة، أما بالنسبة للمجتمع، فيتحول إلى تناحر وتشاجر وقتل وتدمير وفرقة وتشرذم، وذلك على عكس ما هو معلوم من أن الاختلاف فى كل الأمور رحمة، موضحا أن التباين والاختلاف فى المذاهب الفقهية أو الآراء-مثلا- لا يؤدى إلى الفرقة، أما ما يحدث الآن فهو بعيد كل البعد عن الدين وآداب الاختلاف والحوار، التى دعا إليها الإسلام، حيث قال تعالي” ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ”، مطالبا المؤسسات الدينية والتعليمية والثقافية والإعلامية بوضع خطط وبرامج فعالة للقضاء على مظاهر العصبية فى الفكر والمذهب، باعتبارها فتنة نعيشها فى عصرنا، وان من يتسلح بها فإنه يعود إلى فعل الجاهلية التى قضى عليها الإسلام.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق