رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

مذبحة الأكاديميين فى تركيا على إيقاع انتخابات جديدة

أنقرة: سيد عبدالمجيد
دون أن يكون هناك قرار بإنشائها ، تشكلت فى تركيا الأردوغانية ، فرقة قيل إن أفرادها ، وكم هم كثيرون ، متطوعون لخدمة الوطن ، لا يبتغون مصلحة أو منفعة ، لا سمح الله سوى مرضاة رمز الاناضول الجديد ، ولأن المهام الملقاة عليهم جسام والتى تهب عليهم من الخارج قبل الداخل ، قسموا أنفسهم إلى ثلاث مجموعات فرعية ، الأولى تضم مفكرين وإعلاميين أصحاب قلم ونجوم فضائيات وأساتذة كليات جامعية ، والثانية مكونة من رجال مال وأعمال نافذين ونواب رئيس الوزراء الأجهزة الحكومية ، والثالثة والأخيرة محامين ورجال عدل سابقين.

الأجنحة الثلاثة حاضرة دوما لا تنتظر إعلانا أو توجيهات ، فهم متابعون لكل ما يكتب أو ينشر أو يبث عن أردوغان ، ومن ثم فهم جاهزون متسلحون بأدواتهم كل فى مجاله للدفاع عن القائد رجب طيب أردوغان ، بدءا من تكذيب الاتهامات وجميعها باطلة والتى يروج لها المناوئون الأشرار وفى القلب منهم الداعية الإسلامى فتح الله جولن وأنصاره المأجورون ، مرورا برد الإفتراءات التى تطوله ودحضها بكل الوسائل، وانتهاء بإطلاق التهديدات القاسية على كل من تسول له نفسه النيل من هيبة ومنصب رئيس الجمهورية.

ويالها من مفارقة أن تأتى تلك الحمية الغيورية ، بالتزامن مع بدء تصوير شريط سينمائى روائى عن حياة الزعيم أطلق عليه صانعوه عنوان رئيس تيمنا بالنظام الرئاسى الذى يحلم به أروغان المناضل ابن حى قاسم باشا والذى صعد من القاع إلى القمة ، حتى يتسنى للآلاف من الشباب التعرف عن قرب على محطة واحدة فقط من محطات كفاحه الكثيرة.

فى الأسبوع الماضى كان هؤلاء على موعد مع معركتين حاميتين ، الأولى خرجوا فيها بحملة شعواء وهجوم كاسح استهدف كمال كيلتش دار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهورى ، لوصفه أردوغان بـ الديكتاتور الذى حنث بيمينه الدستورى وفيه أقسم بشرفه وكرامته أن يكون محايدا وأن يقف على مسافة متساوية مع جميع القوى والتيارات السياسية والأحزاب ، فإذا به ينتفض على الدستور والقانون ، ويدعو لحزبه العدالة والتنمية جهارا نهارا فأين الشرف والكرامة إذن ؟

وكما هى العادة هرعت الجوقة الموالية لتعزف نشازها المعتاد ، والدليل على ذلك عجزهم فى أن يفندوا ما ساقه كيلتش دار أوغلو من وقائع فقط بل أطلقوا النعوت اللاأخلاقية متسلحين بنسبة الـ 52 % ( وهى فى الحقيقة 51.7 % ) التى أفرزتها صناديق الاقتراع وحصل عليها أردوغان فى الانتخابات الرئاسية 2014 ، وها هو وزير العدل يصف رجل المعارضة بالوقاحة ، أما الصحف الموالية وكذا شبكات التليفزيون فحدث ولا حرج وبالتوازى سارعت النيابة بفتح تحقيقات عاجلة ، تمهيدا لرفع مذكرة إلى البرلمان من أجل رفع الحصانة عن كيلتش دار أوغلو.

لكن لا أحد منهم تحدث فى المقابل عن الألفاظ الجارحة والمرعبة التى صرخ بها الرئيس نفسه ، وتلك كانت المعركة الثانية والمستعرة حتى كتابة هذا التقرير ضد الأكاديميين ببلاده ، الذين أعلنوا رفضهم استمرار نزف الدماء فى جنوب شرق البلاد داعين إلى السلام.

فبعد أن صكهم بصك الخيانة نعتهم بالحقراء. والمراقبون فى حيرة من أمرهم لا يدرون من أين جاءت درايته بمعنى كلمة الأكاديمية ، كى يتسنى له تحديد من يستحق ــ أو لا يستحق ــ الفوز بهذا اللقب، بيد أنه اعتبرهم ليسوا اكاديميين ، بل هم فئة ضالة تساند الإرهاب والإرهابيين.

وطبيعى وعقب هذا السيل الجارف من التوصيفات غير اللائقة ، انبرى رجل مافياوى شهير وسجين سابق ، بتهم تزوير وشروع فى قتل ، بتوعد من يطلقون على أنفسهم أساتذة الجامعات بأنهم سيسبحون فى دمائهم هكذا أعلنها مدوية بكل بساطة وكأنه يترجم ما نادى به أردوغان بضرورة توقيع الجزاء عليهم لدعواتهم الرامية لإثارة الفتن وتفتيت وحدة البلاد، غير أن المثير هو صمت المدعى العام الجمهورى حيال تلك الدعوات الصريحة لاستباحة دم المعارضين. وبما أن الشواهد تشير إلى أن مشوار القتال الذى أعاده أردوغان منذ خمسة شهور بعد سنوات قليلة من التوقف، متواصلا بكل العزم والإصرار وفقا لتعبيره ، حتى القضاء نهائيا على المنظمة الإنفصالية ورجالها ومسلحيها بالجبال والمدن هكذا أكد ، فلا سلام ولا حوار ولا تسامح مع من وقعوا على مبادرة لا للحرب ، تكون تركيا قد عادت وبكل قوة إلى أتون القومية المتشددة.

المذهل أن أردوغان عندما كان رئيسا للوزراء هو من بدأ ماراثون المفاوضات السرية مع من يحاربهم الآن ، متخذا العاصمة النرويجية أوسلو مكانا لها وموفدا ساعده الأيمن رئيس مخابراته السيد هاكان فيدان ، الذى التقى بقيادات منظمة العمال الكردستانى وقبلها بزعيمها عبد الله أوجلان فى محبسه بجزيرة إمرالى ببحر مرمرة ، وتنفست قطاعات عريضة من الأتراك والأكراد معا الصعداء بقرب انفراجة ملامحها لاحت فعلا فى الأفق، مع دعم خارجى (أوروبى وأمريكي) لافت كان تواقا بوضع نهاية لصراع دموى امتد لثلاثة عقود كاملة.

وكان للأمر أن يستمر لولا نجاح الشعوب الديمقراطية الكردى فى الاستحقاق التشريعى الذى جرى بالسابع من يونيو الفائت والذى أطاح بأحلام أردوغان لمزيد من السلطوية ، هنا ادرك وهو القابع فى قصره الرئاسى الذى تحول إلى مجمع سلطات تنفيذية موازية للحكومة تمتلك كل الصلاحيات ، ان نداء الأخوة الذى رفعه شعارا هو سبب خسارته الفادحة فانقلب غير آسف ثم استدعى من الماضى القريب سياسة اللاءات والرهان على النزعات الشوفينية وتمجيد النعرات الطورانية باعتبارها الطريق الناجع إلى أفئدة القوميين الذين ابتعدوا عنه.

والحق أن جزءا منهم سرعان ما عادوا اليه بعد خمسة شهور فى الأول من نوفمبر 2015 وهو الآن فى انتظار الباقى وهكذا لا بد من انتخابات مبكرة أخرى وهذا ما تحدثت عنه صحيفة حريت التى أكدت أن البلاد والعباد مقبلان على تصويت للمرة الثالثة ربما فى إبريل أو سبتمبر القادمين.

وشواهدها فى ذلك هى ما يتداول حاليا بأنقرة من أنباء تشير إلى أن أردوغان بصدد توجيه تعليمات الى حكومته بالاستعداد للتوجه مجددا إلى صناديق الاقتراع وذلك لوصوله لقناعة بأن البرلمان لن يتمكن من تمرير التغييرات الدستورية وأهمها النظام الرئاسى الذى ترفضه المعارضة جملة وتفصيلا وهو على ثقة أنه سيحصل على أغلبية الثلثين التى ستمكنه ليس فقط من التخلص من النظام البرلمانى بل القضاء تماما على الديمقراطية.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق