محطة حيدر باشا بناء معمارى فريد صممه مهندسان معماريان ألمانيان وهما «أوتو ريتر» وروفيقه «هيلموت كونو» ، ويقع على خليج كادى كوى الشهير فى الشطر الآسيوى من مدينة إسطنبول ، وانشأ قبل مائة وخمسين عاما تقريبا ، ليصبح بعد فترة وجيزة محطة سكك حديد ستكون هى الاقدم بعموم الاناضول.
وتنطلق منها القطارات على خط الحجاز القديم تسهيلا على حجاج بيت الله الحرام من مواطنى الامبراطورية العثمانية وكذا مسلمى بلدان الجوار.
كثيرون من أهل الاختصاص يقولون إنها الأكثر روعة مقارنة بنظائر لها على مستوى العالم لموقعها الخلاب ووجهاتها الأربع التى يطل ثلاثة منها على مياه البوسفور مشكلة بروزا تناغمت فيه حجارتها الرملية مع صفحات البحر بموجاته الفضية ، وقمتها تتزين ببرج يحمل على قمته ساعة ذات طراز باروكى نقش من الداخل بالنوافذ الملونة والمزخرفة بأكاليل الشجر والمناظر الطبيعية.
ولأنه شاهد على تاريخ ممتد ، فطبيعى أن تشهد جنباتها الكثير من الأحداث منها المأساوى كما حدث فى الحرب العالمية الاولى ، ولكن كان هناك ما هو مبهج عندما رحبت الحشود فى عشرينيات القرن الفائت بمؤسس الجمهورية التركية الحديثة مصطفى كمال أتاتورك قادما من عاصمة البلاد أنقرة واضعا نهاية لحقبة الخلافة.
وعلى ارصفتها صورت عشرات الافلام ومازال صناع الفن السابع يأتون إليها ليصنعوا مشاهد الوداع والرحيل فى رحابها هذا إضافة إلى مئات الاغانى التى صدحت فى أركانها مستغلة تكويناتها فى صنع كادرات تارة تعبر عن الفرح واخرى عن الشجن واللوعة.
لكن بسبب المال كان لها وجه اخر قبيح ، فقبل سنوات عشر اى بعد صعود العدالة والتنمية بسنتين تقريبا تحركت مافيا الأعمال مدعومة من اساطين الحزب الحاكم ، من اجل استغلال حيدر باشا فى مشروع إستثمارى حتما سيدر عوائد كبيرة سيستفيد منها الشباب قبل الكبار والدليل أنه سيجد فرص عمل سواء فى مراحل إنشائه أو بعد إكتماله تلك كانت التبريرات الاولى .
وطبيعى أن يكون فى القلب منه إقامة فندق سبع نجوم يضاهى فى فخامته فندق جورج الخامس بالعاصمة الفرنسية باريس ، وقيل أن مستثمرين قطريين تم تفضيلهم عن غيرهم للمشاركة فى هذا الصرح السياحى الضخم خاصة مع المركز التجارى الذى سيتم إنشاؤه على مساحة 200 الف متر مربع.
وهو ما كان يعنى إسدال الستار وبصورة أبدية على المحطة ، وبحجة القطار السريع الذى سيهدد صخبه وأزير عجلاته الاثر التاريخى الشامخ ، بدأ التمهيد لإزالتها وإختيرت ضاحية « بيندك « بديلا للقادم من أنقرة إلى اسطنبول والعكس ، ولأنها غير مهيأة كى تكون محطة بداية ونهاية ، فقد تكبد المسافرون عناء ما بعده عناء ذهابا وعودة ، وكثرت الشكاوى وكتبت العرائض ، ومن جانبها سلطت الصحافة طبعا المعارضة منها الضوء على الدوافع والجوانب الخفية فى حلقة الفساد التى تتسع يوما بعد آخر وروموزها هم بعض المقربين من صناع القرار ، ثم جاء الحريق الهائل الذى شب فى سقف المبنى واشارت جميع الشواهد إلى أنه متعمد ، ومسببوه كانوا يستهدفون القضاء تماما على البناء وهو ما لم يحدث إذ تم إخماده النيران قبل أن تلتهم المبنى بالكامل.
هنا هبت منظمات المجتمع المدنى وتصدر حزب الشعب الجمهورى حملة الدفاع عن وجود حيدر باشا ومحطته للسكك الحديد ، وبعد جهود استغرقت أعواما من المجادلات والقضايا أمام المحاكم ، أصدرت أخيرا محكمة كادى كوى حكما تاريخيا قضى ببطلان كل الاجراءات والخطط والمشاريع التى اتخذت ، وأمرت بعودة حيدر باشا ليحتضن قطاراته من جديد ، وبالفعل شرعت وزارة النقل والمواصلات البحرية فى العمل لإعادة القطارات إلى المحطة وليتنفس المواطنون الصعداء ..
رابط دائم: