رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

أعراض جانبية مؤرقة
طفح الثورة.. حوار مع الشعب

محمد شعير
هى قصة حقيقية.. قد تحوى بعضا من خيال.. لكنها تظل محتفظة بما فيها من رمزية! فى طريق طويل.. سارا معا.. هو والسائق.. أو بالأحرى السائق وهو.. سارا إلى الأمام.. إذ لا أحد يمكن أن يتوقف أو يرجع إلى الوراء.. وإلا واجه الارتطام.

قال السائق (قائد السيارة): بدأت أهتم بالسياسة من يوم 25 يناير.. لأ من يوم 28.. قبل 28 ولا كنت مصدق إن حاجة ممكن تحصل.. ولا كنت بأتابع المظاهرات اللى بدأت قبلها بـ 3 أيام.. قلت لنفسى مظاهرات عادية زى أى مرة.. ولا كنت بأهتم بنشرات الأخبار.. الصراحة يعنى كان اهتمامى بقنوات الأفلام والمسلسلات.. لكن بدأت أتابع السياسة بعد يوم 28.. لكن إيه اللى حصل؟.. معلش لا مؤاخذة يعنى يا أستاذ حأضرب لك مثل.

رد هو قائلا: تفضل.. أسمعك جيدا.

عاد السائق ليقول: لا مؤاخذة فى المثل ده.. فى المناطق الشعبية أحيانا بيحصل انسداد كبير فى البلاعات.. وبعدها الناس تقول لازم نسلكها.. فيفتحوها.. عارف إيه اللى بيحصل؟.. معلش لا مؤاخذة.. بتطلع كمية صراصير رهيبة.. أنت مش متخيل المنظر.. كل الواقفين بيحاولوا وقتها يموتوها.. لكن الصراصير بتزحف على المنطقة.. وده اللى حصل فى البلد.. فى كل حاجة.. إحنا ما كناش كده.. إيه اللى حصل لأخلاقنا؟.. راحت فين النخوة؟.. يمكن قبل كدة كانت البلد بتتسرق.. بس الناس ما كانتش بالأخلاق دى.. وبرضه كنا عايشين.. إيه اللى عملته الثورة؟.. لا الناس أخلاقها فضلت.. ولا أحوالها اتحسنت.. أما بقى الإعلام ده حكاية تانية.. حتى المجلس اللى قعدوا يقولوا عليه.. حضرتك شايف بيعمل إيه.. فين أيام لما كانت كل حاجة شكلها محترم ومضبوطة بالساعة؟.. كانت البلد فيها سرقة صحيح.. بس من كتر السرقة الحرامية شبعت.. وكانت الدنيا ماشية.

ظل هو يسمع قائد السيارة ثم سأله: أتريد معرفة رأيى؟

رد السائق: ياريت.

قال هو: سأبنى معك على ذات المثال الذى ضربته.. البالوعة والصراصير.. هذا مثال رائع.. بل سأزيد عليه لأقول.. لعل بعض الواقفين حول البالوعة بعد فتحها وانطلاق الصراصير من جوفها يتساءلون وقتها: ماذا فعلنا؟.. ليتنا لم نفتحها.. ليتنا ما فعلنا.. وسأزيدك فى نفس المثال رمزا لأقول.. بل لعل بعض من أشاروا بفتحها أصلا كانوا يضمرون الشرور.. ويقصدون الحى كله بالسوء.. جميل؟!

قال السائق وهو ينصت باهتمام: تمام.

واصل هو حديثه قائلا: ولكن يا صديقى.. دعنا نتخيل.. دعنا نفكر.. ماذا لو كنا قد تركنا البالوعة على حالها تفاديا لخروج الصراصير؟.. ماذا كان سيحدث؟!

صمت السائق.. فواصل هو حديثه قائلا: لو تركناها لكان الغطاء قد انفتح وحده.. ربما بعد فترة أطول.. أطول قليلا أو كثيرا.. إلا أنه فى النهاية كان سينفتح.. ولكن بانفجار كبير.

رد سريعا: تمام.

واصل هو الكلام:... كان الطفح سيغرق الحى.. وتخرج الصراصير أيضا.. لكن بلا أى ضابط أو رقيب.. لم تكن لتجد من يقتلها أو حتى يحاول مواجهتها.. كانت ستنطلق فى طريقها بلا عوائق.. لتقتحم البيوت ذاتها!

ثم سأل هو السائق: أتدرى ما ذاك الطفح؟.. فردّ: إيه؟!

قال: من بين ما قيل من تحليلات جديرة بالاهتمام أنه لو لم تحدث ثورة يناير.. لجاءت الثورة البديلة بعدها بفترة.. طويلة أو قصيرة.. ولكن فى صورة ثورة جياع.. ثورة بلا عقل أو فكر أو مسار.. ثورة رد فعل مجنون على أفعال وسياسات.. ظلت لسنوات وسنوات ضربا من الجنون.. ولكن.. اسمح لى أن أختلف معك فى مسألة.

رد السائق سريعا: اتفضل حضرتك.

قال هو: قلت إننا لم نكن كما نحن الآن.. لكننى أختلف معك.. كل ما ظهر على السطح من سوء خلق كان موجودا.. لكنه كان خفيا مكبوتا.. لابد أن نعرف أنفسنا ونعترف.. حتى نغير ذاتنا.. كله كان موجودا بالفعل.. نتيجة سياسات أفقرت وفرقت وأذلت.. لكنه كان موجودا.. وبمجرد انكشاف الغطاء خرج إلى النور.. فظهرت الصراصير فى سوء السلوك والخلق.. فى إساءة فهم الحرية.. وهل علمنا أحد أصلا ما الحرية؟!

قال سريعا: لا!

أكمل هو: حقا كان كل شىء يبدو منضبطا.. لكن فى الشكل فقط لا المضمون.. واللص إن شبع لا يولى إلا لصا خلفه.. يستر جرمه ويكمل دربه.. ولكن.....

صمت هو برهة.. ثم قال بشىء من الألم: أعلم أننا الآن فى محنة.. فترة انتقالية طويلة نتعلم فيها ما لم نحط به - لسنوات- علما.. نحن الآن يا صديقى فى هذا الطريق الجديد مازلنا نواجه الصراصير.. تلك التى انطلقت بمجرد كشف الغطاء.. نقضى عليها وقد تقضى على بعض منا.. نغلبها أحيانا وقد تغلبنا.. هى حرب مستمرة.. لابد فيها من الإقدام.. ولا مفر من السير إلى الأمام.. ولكن يجب ألا ننسى دوما.. أننا أيضا قد أنجزنا.. فتحنا الغطاء.. وبدأنا اخراج الصراصير.. وفى طريق تنظيف المسالك نسير.....

صمت قليلا.. وأطلق زفرة حارقة.. ثم قال: لكنه بكل أسف طريق طويل.. طويل.. اليقظة فيه سلاحنا.. ولا غنى عن الصبر حليفا لنا.

رد السائق بصوت خفيض.. بعد فاصل من الإنصات الشديد: عندك حق يا أستاذ.. وتمتم شاكرا: ربنا ينور بصيرتك.

قال هو مبتسما: أنت يا صديقى من تتولى القيادة.. إذن فأنت وأمثالك من تنيرون الطريق.



أخيرا.. غرقا فى بحر من الصمت العميق.. لكن بيقظة وصبر على الطريق.. واصلا المسير.. هو والسائق.. أو بالأحرى السائق وهو.. سارا إلى الأمام.. ومهما بدا لناظريهما أن المشاهد تتشابه.. طبائع البشر وأشكال الحجر.. لكن لا شىء يتكرر كما هو.. فالحركة دوما إلى الأمام.. إذ لا أحد يمكن أن يتوقف أو يرجع إلى الوراء.. وإلا واجه الارتطام.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق