«مورانو» هو عنوان العمل الإبداعى الأول لطارق عيد. ومن الصعب أن تصنفه ضمن الرواية أو القصة ولكنه مزيج منهما فى محاولة لتأصيل مسار سردى جديد قد ينطوى على حل لبعض معضلات تقنية الكتابة الأدبية, خاصة على صعيد السرد الذى يشهد توهجات فى المرحلة الراهنة ربما إنحيازا للرواية التى باتت عنوان هذه المرحلة, وتألقت الأجيال الجديدة فى التفاعل معها وتوليد أنماط مغايرة لما كان سائدا, وأن كان النقد لم يعترف بعد بها.
فى روايته يجسد المؤلف حالة الصراع الحاد بين المصريين العاملين فى دول الخليج التى تحتضن ملايين الوافدين من أنحاء شتى من المعمورة, بيد أن شخصيات القصة يتميزون بوضعية خاصة, فأغلبهم يدخل قلوب الكفلاء -إن صح القول- غير أن المعضلة تكمن فى الخلل الذى يصيب بنية العلاقات القائمة فيما بينهم, وهو ما تنبه له طارق عيد فى روايته باقتدار سردى يجعل القارئ يلهث لمتابعة تنامى الأحداث, غير أن المفاجأة لم تكن فيما وصل إليه «عيوش» البطل الحقيقى لـ«مورانو» وإنما فى مجموعة القصص القصيرة التى عثر عليها بعد أن ترك الشقة التى تعرض فيها لعملية نصب من صديقه الذى كان يعمل معه فى دولة خليجية انتهج الحيل القذرة للتخلص منه لدى صاحب العمل ليحل محله فى موقعه الوظيفى القيادى بعد أن تقرب منه.
وفى القصص المتعددة التى كتبها طارق عيد «وعى» استثنائى بمعطيات ومفردات الواقع المصرى والعربي, متكئا على العودة إلى التاريخ والأسطورة والرمز وفى معظم الأحيان, يعتمد الوضوح التام، ليكشف عن التحولات العميقة فى هذا الواقع والتى أفضى بعضها إلى تخلخلة منظومات القيم والسلوكياتت السائدة, ويتجلى ذلك فى غياب الصدق والتغول المادى والرغبة الشرهة فى الامتلاك والثراء والجاه حتى لوت أزهقت أرواح وانتهكت البراءة, وهو ماعبرت عنه قصة «أكاديمية النذالة» التى قدمت نمطا جديدا يجسد ذروة انهيار المنظومة القيمية, والذى يرتد على أصحابه وفق ما كشفت عنه نهاية القصة المروعة. وفى ظنى أن المؤلفت أراد بهذه التجليات والمعزوفات المتلاحقة من وقائع نعيشها فى حياتنا اليومية وقد لاننتبه إليها, أن يوقظ فينا نخوة استعادة الروح التى انزوت من زماننا العربى والمصري, بعد كل هذه السنوات من الاضطراب الاجتماعى والاقتصادى والنفسي, عقب ثورات الربيع العربي، فأغلب القصص تحمل إيماءات عن ثورة الخامس والعشرين من يناير والتى ألقت ولاتزال بظلالها على المشهد المصرى بكل أحواله إيجابا وسلبا.
وتتنوع عناوين القصص من «مفاتيح» التى تشكل المدخل لهذا العمل الإبداعى التى يتكئ عليها طارق مرورا بـ«راجية حياة» و«قلب الريشات» و«القاصرة والشيخ أيمن» و«رضا القاتل» و«أكاديمية النذالة» و«عودة عيوش» و«أب وابن», وصولا إلى «إذن انصراف» ثم «مورانو» وهى القصة الكاشفة, أو بمعنى آخر، الفصل الأخير فى الراوية التى تبعث برسائلها عبر تهشم التحفة الزجاجية الثمينة, بعد تنقلها بين العديد من الأيدى التى ترواحت نظرة أصحابها إليها بين التقديس والحرص واللامبالاة والعبث، فانتهى بها الأمر إلى بقايا زجاج ثمة من حاول تجميعه من الطريق حتى لا يتسبب فى إيذاء أحد من المارة بعد أن كانت تقيم فى خانة التحفت القديمة والعتيقة وتباع فى «الجاليري» بمبالغ مرتفعة.
إن طارق عيد الذى يعتمد على الإنترنت فى نشر أعماله الإبداعية بشكل أساسي، يقدم, عبر عمله الأول الورقي, نصا موزعا على فصول هى قصص مستقلة، لكنها وثيقة الترابط بقاسم أو بقواسم مشتركة, يمكن للقارئ أن يتعرف عليها من خلال تتابع الأحداث ونوعية الشخصيات وأسلوب السرد الذى يحاول أن يقدم فيه اجتهاده الخاص, لكنه فى حاجة إلى المزيد من إنضاج أدواته وهو مؤهل لذلك وفق ما ينبئ به عمله الأول.
الكتاب : موانو
المؤلف : طارق عيد
الناشر : دار ليلى 2015
رابط دائم: