حكايات من كهوف الجبال وحرب النجوم إلي مسرح الحرية والحياة
مصروتونس والجزائروالمغرب وليبيا..5 عروض مسرحية علي خط المواجهة مع أرهاب داعش
في الاسبوع الماضي وعندما كنا نجلس داخل صالة المغادرة بمطار القاهرة الجديد في طريقنا الي ولاية تطاوين تونس, تنبهت لملاحظة في غاية الاهمية او هكذا يبدو لي وإن كنت أشعر مقدما ببعض الذنب لأن المساحة المخصصة للكتابة ستحرمني من فرصة شرح تفاصيل خلفيات ماتم ملاحظته
................................................................
والملاحظة أنني رأيت مجموعة كبيرة من الشباب والفتيات ترتدي زيا موحدا تجري وتهرول باتجاهنا, ولما سألناهم عن سر هذا الزي الموحد, فهمنا من اجابتهم أنهم فريق للفنون الشعبية من محافظة الغربية ذاهبون ايضا وعلي نفس الطائرة الي تونس للمشاركة في مهرجان دوز لفنون الصحراء وهي واحدة من الولايات الجنوب الغربي التونسي المعروفة بصخورها وكهوفها وجبالها, ومن الحديث المتبادل بيننا علمت أن في ذات التوقيت الذي تتواجد فيه فرقة السيرة للعرائس, هناك اكثر من فرقة مسرحية وموسيقية مصرية تتواجد وتشارك في مهرجانات ولايات اخري موزعة مابين الشمال والوسط التونسي, مما جعلني اظن أن القوات الثقافية المصرية بفنونها وابداعها وتاريخها وفرق الدولة والخاصة قد قررت ان تتضامن مع تونس في قرارها برفع حالة الطوارئ في تلك الفترة بأن تعلن حالة الطوارئ هي الاخري و توفد كل هذا العدد من الفرق المسرحية والموسيقية تابعة للدولة وخاصة, ربما لأجل إثبات حقيقة تاريخية مهمة, أن كلمة الابداع والثقافة والفن العربي اذا تلاقت وتوحدت تستطيع ان تكون اقوي من الرصاص في مواجهة الارهاب والتصدي له, ولكن ما تعجبت له حقا هو ذلك التجاهل الاعلامي صحافة اذاعة تلفزيون لهذا الحضور المصري االلافت والفاعل, فعلي مدار التسعة أيام التي قضيناها هناك وبصحبة هذه الفرق التي ملأت أسماع وابصار وفضاء شمال ووسط وجنوب تونس, لم نقرأ أو نسمع تغطية اعلامية واحدة إذاعية او تلفزيونية او صحفية مصرية عن هذه المشاركات وفعالياتها.

بني هلال والسيرة
الغريب.. أنه ورغم استغراقنا9 ساعات واكثر في رحلة سفر شاقة ومنهكة مسافتها600 كيلو من مطار قرطاج بالعاصمة التونسية لم تترك لنا منها سوي100 كيلو فقط ونكون بعدها علي الحدودالليبية التونسية, وصحيح انه تم استدراك ذك في رحلة العودة بالطائرة من مطار جربة, إلا أن مالفت نظري واد مالفت هو زوال الاحساس بالتعب الشديد ومشقتها بمجرد وصولنا الي ولاية تطاوين الواقعة اقصي جنوب شرق البلاد و هي بالمناسبة تعد اكبر الولايات التونسية, أما الاغرب هو حالة الحماس والنشاط التي رايتها تدب فجأة في نفوس واجساد فريق مسرح السيرة للعرائس المكون من تسعة مقاتلين ومبدعين طه صلاح, هشام طلعت, حسام حسانين, محمد حسني, نادية شوقي, نديم حجاب, احمد حجازي, خلود ابوالعباس, واحلام شاهين ممثل العلاقات الثقافية الخارجية, وكاتب هذه السطور مؤسس هذا المسرح.. فالدخول الي فندق سانجو المحصن بسلسة جبال مطماطة وكهوفها وتضاريسها المتجانسة كاف بمفرده أن يجعلك تشعر وكأنك تقف تحت سفح جبال وتضاريس منطقة القرنة بالاقصر جنوب مصر, في مسرح ممتد, خليط متجانس بين خيال المكان وواقع الحدث, وحيثيات أخري تستحق ان ارويها لكم.

ففي ظرف168 ساعة تقريبا كانت تفصل مابين عامين20162015 نجح مهرجان عمر خلفت الدولي للمسرح بتطاوين ولاول مرة في دورته الاولي دوليا والعشرون محليا, ان يجمع بين عروض مسرحية لدول عربية خمس مصر وتونس والجزائر والمغرب وليبيا حفار القبور للمسرحي المخضرم الفنان عبد الحق زروال مغربي, راحلة للمبدعة مريم علاق جزائري, السيرة الهلالية وفول عم حراتي بالعرائس لكاتب هذه السطور مصري, برزخ وثنايا القمر وأنا سندريللا لكل من فتحي العكاري وابراهيم بنعمر وحافظ خليفة وحافظ محفوظ تونسي, ونص ليبي لمفتاح الفقيه وكأن هذه البلدان الخمس التي كتب عليها في هذه الفترة ان تخوض حربا شرسة ضد الارهاب والتطرف, ارادت تبعث برسالة للعالم مفادها أنه من تلك العروض المسرحية المتنوعة الثقافات والعرقيات ونصوص الدراما والابداع والثقافة المختلفة, تستطيع تدشين حائط صد ابداعي منيع ذات قدرة فنية هائلة علي دحر التطرف وبث روح الطمانينة بين اهل ولاية تطاوين واقصي الجنوب التونسي الذي لايبعد كثيرا عن مرمي العمليات الارهابية والميلشيات المسلحة,
إسرائيل ومخازن الصبر
فجبال وتضاريس تطاوين لمن لايعرف إذا كانت عرفت وعلي مدي35 عاما انها موقع تصوير سلسلة افلام حرب النجوم للمخرج العالمي جورج لوكاس, فهي ايضا عرفت أنها الولاية التونسية الاقرب للمعارك المشتعلة علي الحدود الليبية في راس جديدر واجدابيا بين ميلشيات داعش الارهابية والقبائل الليبية..
وعلي مايبدو أن مخازن الصبر العتيقة في صدر مبدعين ومسرحين الدول العربية الخمس قد نفذت, وقدرتهم الهائلة علي الثرثرة والكلام عن الارهاب ومخاطره عبر صالونات النخب والفضائيات تبخرت, فكان البديل استدعاء موهبتهم وابداعهم وثقافتهم في المواجهة علي ارض الواقع, وارض المواجهة كانت تطاوين بالاصح مسرح المركب الثقافي جاءوا اليها محملين بخليط متجانس من همومهم الوطنية وابداعهم وعروضهم المسرحية وباشراف وتنظيم اداري وفني جيد من الناصر المكي رئيس المهرجان وطاهر العجرودي المدير الفني يصحبهم فتيات شباب اكاديمي مسرحي تونسي واعد, وكأنهم يسلحون جيشا ولو بمسرحية واحدة يطلقون من خلالها صرخة تهتف..
الفاشلون والمهزومون
ا المسرح من اجل الحرية.. المسرح من اجل الحياة.. المسرح ينتصر علي الارهاب, إن لم يكن فعلا قد فعلها وقال لهؤلاء الارهابيون: انتم فاشلون ومهزومون لامحالة, ودعوني اعترف أنه لولا نسبة الرعاية وتوفير الخدمات لهذه العروض والفرق المشاركة في المهرجان التي منحها محسن بن علي والي تطاوين للمهرجان لما تحقق هذا الانتصار وسلحته بالثقة والنجاح في اولي انطلاقاته ورسائلة الدولية. سيتعجب كل من يقرأ هذا الكلام, أن ذهاب ومشاركة مسرح السيرة للعرائس وبرعاية الكاتب الصحفي وزير الثقافة حلمي نمنم الذي لم يدخر جهدا في رعاية الفريق وتذليل كافة العقبات امامه حتي يكون في طليعة المشاركين في هذا المهرجان علي وجه الخصوص وعلي خط المواجهة الاول مع الارهاب, لم يكن بغرض اطلاق الشعارات الرنانة والتظاهر بالشجاعة, إنما لأن مسرح السيرة للعرائس كان يتفرد دونا عن غيره من الفرق العربية الاخري المشاركة أنه سيقدم عرضا له مذاق ودلالات خاصة, عرض مزج الخيال بالواقع وفي تجربة حيه متفردة, فالمسرح سيقدم السيرة الهلالية في منطقة هي اصلا مركز لتجمع عدد كبير من قبائل الهلالية و الامازيغ, وأن يتفرد مسرح السيرة المصري بتقديم هذه السيرة الهلالية بالعرائس بين تلك القبائل ليشاهدون من خلال عرائس العرض حكايتهم وبصوت معشقوهم الشاعر الكبير عبد الرحمن الابنودي, فذلك هو مسرح الحياة بعينه, ولا اغالي اذا قلت ان الجميع شعر بان الجبال والكهوف التي تحيط بولاية تطاوين وتكاد تشكل تضاريسها لاسيما قرية شنني الجبلية الساكنة المطمئنة في عمق الصخور وسلاسل الجبال بقبائلها المتجانسة المختلطة هلالية وامازيغية كلها تحولت الي مسرح كبير.. ولعل ذلك كان الدافع الاكبر لحصول العروض المصرية علي تقدير وحفاوة خاصة من ادارة المهرجان ومنحها جائزة في الابداع وشهادة تقدير وكلمات مديح للدور المصري الثقافي والمسرحي الذي بدا من وجهة نظر كثير من النقاد هناك انه يعلن عن عودته بقوة, وكان اعتلاء القضايا المحلية والاهتمام بالتراث المهدد بالاندثار خشبة المسرح المصري والسعي الي حمايته من محاولات السرقة المستمرة من جانب المتربصين وفي مقدمتهم اسرائيل التي لاتدخر جهدا في محاولة سرقة ملكية الفول المدمس وهو ماكشفه علي الملأ عرض فول عم حراتي سببا رئيسا وراء هذا التقدير والاحتفاء.. وتبقي الحكايات التي تسمعها ورايناها عن الولاية فيقولون انها صاحبة التاريخ الطويل في دحر المستعمر فكيف لايفلح رجالها وزائريها في دحر الارهاب ولو بالفن, كما يقولون ان جبالها احتضنت الرقود السبعه لاهل الكهف فكيف لا يكون الصبر شيمة اهل المكان ومهما زاد البعاد, واما صاحب المهرجان عمر خلفت فهو من طراز المسرحيين المناضلين الذين فقدو حياتهم لاجل الدفاع عن حرية الكلمة وحرية المسرح.. ومن ثم كان التكريم للمسرحيين ابناء الولاية رمزا علي ان الابداع ليس من صنع العواصم فقط
رابط دائم: