طوال مسيرته العلمية ظل يعمل فى صمت، لم يسع يوما لمنصب، فكانت تأتيه المناصب، فيعمل بكل جهد وإخلاص، وقد انطبق عليه حديث الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ »من طُلب إلى شيءٍ أعين عليه ومن طَلب شيئا وكِلَ إليه»، دائما يذكره خريجو الأزهر بأنه العالم والأستاذ والأب والمعلم،
وعندما تولى منصب نائب رئيس جامعة الأزهر منذ 20عاما تقريبا، كان يتواجد معهم فى المدينة الجامعية ويشرف على أمورهم، ويصلى ويأكل معهم، ولأن الدولة تقدر العلماء وتكرم المخلصين، فقد حصل الدكتور طه أبو كريشة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولي، وكرمه الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيس الجمهورية، فى احتفال مصر بالمولد النبوى الشريف. وفى حوار مع ا الأهرام »، أكد أن هذا التكريم هو رسالة بأن الدولة تقدر العلماء، مطالبا شباب الأئمة والدعاة بضرورة التواصل مع الناس ومراعاة فقه الواقع، مشيرا إلى أن تصاعد الخطاب العنصرى ضد المسلمين فى الغرب، يتطلب أن تقوم المنظمات الإسلامية بدورها فى التواصل مع الغرب لتصحيح صورة الإسلام .. وإلى نص الحوار .
>> حصلت على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى فى الاحتفال بالمولد النبوي، ما شعورك بعد هذا التكريم من رئيس الجمهورية؟
> شعرت بعد هذا التكريم أننى قدمت شيئا للوطن، وهذا التكريم قدم لى الدليل الواضح على أن أولى الأمر فى الدولة يقدرون العلماء ويدركون دورهم فى بناء الأوطان، وذلك كى يكون البناء قائما على أسس راسخة، تجعل الأمة فى تقدم دائم إلى الأمام، وأتوجه بالشكر والتقدير لأولى الأمر الذين وضعوا هذه السنة الإيمانية الطيبة، وقد ذكرنى هذا التكريم من جانب الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيس الجمهورية، بتكريم سابق من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، الذى كرمنى فى عيد العلم عام 1961 بعد تخرجى فى كلية اللغة العربية جامعة الأزهر، وكنت الأول على الدفعة، ولذلك أقول لكل طلاب العلم إن الدولة تحرص على رعايتكم وتنظر لكم بكل تقدير، وهذا تحقق فى تكريم نخبة من العلماء والدعاة فى الاحتفال بالمولد النبوى الشريف هذا العام .
>> يتعرض المسلمون فى الغرب لمشكلات كثيرة، كيف يمكن مواجهة ظاهرة تصاعد الخطاب العنصرى ضد الإسلام والمسلمين؟
> الرد على هذا الأسلوب العنصري، يكون بالتمسك بتعاليم ديننا، على الوجه الذى جاء فى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، دون إفراط أو تفريط ، لأن التمسك بتعاليم الإسلام وبيان سماحته وسعة أفقه، هو الذى يرد كيد هؤلاء فى نحورهم، ولابد أن نظهر صورة الإسلام الحقيقية فى التطبيق العملي، وأن يظهر ذلك واضحا للجميع، حتى يدرك هؤلاء أن الإسلام هو دين التسامح والسلام، ولذلك فالرد العملى والسلوكى لابد أن يقدم على كل الحلول الأخري، وأيضا لابد من التواصل مع الأقليات فى الخارج، من خلال ترجمة الكتب والمؤلفات التى توضح حقيقة الإسلام، وتواجه الشائعات والافتراءات، وهناك مسئولية كبرى تقع على المسلمين فى الخارج، تتمثل فى بيان حقيقة الإسلام من خلال التعامل مع غير المسلمين، وأن يظهر فى هذا التعامل أخلاق الإسلام وكونه دين الرحمة والعدل والمساواة والتسامح والتعايش السلمى .
>> وماذا عن دور المنظمات الإسلامية فى هذه المواجهة؟
> الواجب على المنظمات الإسلامية أن يقوم برسالتها، وهى التبليغ الأمين عن حقائق الإسلام، وأن يكون هذا البلاغ مصحوبا بالنصوص التى توضح حقيقة الإسلام، ولابد أن تكون هناك مواجهة ورد عملى على كل ما يثار من افتراءات وشبهات، لأن هذه المنظمات لديها القدرة على التواصل والرد بشكل مؤثر، وهذا الأسلوب فى الرد يكون له دور فعال فى المواجهة، فالمنظمات الإسلامية تتحمل دورا كبيرا فى هذا المجال، من خلال ترجمة بعض الكتب والمؤلفات التى توضح حقيقة وجوهر الإسلام، وكذلك تتحمل مسئولية التواصل مع الأقليات الإسلامية فى الخارج، وتوعية المسلمين فى الغرب، لمواجهة مثل هذه الأمور، لكن كل هذا لا يغنى عن ضرورة أن يكون التطبيق العملى السلوكى هو الرد الأمثل على كل ما يثار ضد الإسلام .
>> دائما نشاهد معارك كلامية وخلافات حادة بين العلماء فى الفضائيات حول بعض الفتاوي، الأمر الذى يجعل الناس فى حيرة، كيف ترى هذه الظاهرة ؟
> مثل هذه الأمور من يتحدثون فيها يقع عليهم الإثم الكبير، إذا كان فى حوارهم ما لا يتوافق مع الحوار الطيب الذى دعا إليه الإسلام، الذى يلتزم فيه الجميع بالكلمة الطيبة الحسنة القائمة على الحق وحده، وأن يكون المتحاور على درجة علمية راسخة، تجعله قادرا على القيام بأمانة الكلمة خير قيام، لأن ما نراه على الفضائيات من الحوارات التى تخرج عن هذا المنهج، إنما تقدم صورة سيئة عن الإسلام والمسلمين لدى الآخرين، والذين يفعلون هذا يتحملون مسئولية الخروج عن هذا المنهج، الذى ينبغى أن يكون عليه العلماء، ويتحملون أيضا مسئولية ما يحدث للإسلام والمسلمين نتيجة هذه التصرفات الخاطئة، فعليهم أن يتقوا الله عز وجل، وان يكونوا خير مبلغين. ولابد أن تعتمد هذه البرامج على القضايا التى تركز على الوسطية والاعتدال، وتوضح حقيقية وجوهر الإسلام، وكذلك لابد أن تتناول القضايا التى تجمع ولا تفرق، بهدف أن تؤدى دورها المنشود فى التوعية الدينية الصحيحة، أما تناول القضايا التى تثير الخلافات وتؤدى لمعارك كلامية فهذا غير مقبول، لأن الهدف من البرامج الدينية أن تصحح المفاهيم وتوضح الحقائق، وأن ينتظرها جميع أفراد الأسرة المسلمة، ليجد الناس الكلمة الطيبة والنصيحة المخلصة، التى تفيدهم فى أمور التعامل اليومى مع الآخرين، وتؤدى لمزيد من التماسك والترابط داخل الأسرة والمجتمع، أما ما يحدث من خلافات ومعارك كلامية فهذا يفرق ولا يجمع، ويخرج هذه البرامج عن دورها المنشود فى نشر الثقافة الإسلامية الصحيحة.
>> متى نشعر بأن هناك تجديدا حقيقيا فى الخطاب الديني؟
> وسائل الإعلام لعبت دورا فى تكوين صورة سلبية عن الخطاب الحالي، وكأنه أصبح كله خطابا لا يستحق أن يستمع إليه، ونحن نعلم أنه من مبادئ الخطاب تلك القاعدة التى عرفت بمراعاة الحال، ولكل مقام مقال، ولذلك لابد أن نوضح هنا أن التجديد عملية مستمرة حتى نصل إلى هذه القاعدة، والتى يجب أن يراعى المتكلم فقه الواقع ومستوى المستمعين، وبالتالى فالمقصود هنا أن التجديد أمر مستمر، ولابد أن يقوم به الداعية من خلال مراعاة فقه الواقع وظروف الناس، وذلك حتى يشعر الناس بأن هذا الخطاب يتوافق مع الواقع ويمس مشكلات المجتمع، والمسئولية هنا تقع على الأئمة والدعاة والعلماء فى ضرورة النزول للواقع، والوجود بين الناس والتركيز على القضايا التى تهم المجتمع، وتزيد من التماسك والترابط، وعلى الدعاة أن يتناولوا هذه القضايا فى الدروس الدينية، بهدف أن تتوحد كلمة المجتمع، ونواجه الفكر المتطرف.
رابط دائم: