على مدى ما يزيد على الساعة بقليل اوجز عميد السياسة الخارجية الروسية سيرجى لافروف الخطوط الرئيسية لسياسات الكرملين فى حديث خص به قناة "زفيزدا" (النجم) لسان حال القوات المسلحة الروسية.
اقتبس سيرجى لافروف القول الماثور الذى تتداوله الاجيال على مدى العديد من القرون عن قيصر روسيا الكسندر الثالث، "إن لروسيا حليفين هما الجيش والأسطول" ليؤكد أن بلاده كانت ولا تزال تركن الى الاعتماد على الذات بالدرجة الاولى ، مضيفا الى الحليفين السابقين حليفا ثالثا ظهر بكل القوة مؤخرا فى سوريا والشرق الاوسط وهى القوات الجوية الفضائية. قال لافروف أن الأحداث والتطورات الأخيرة فى الساحتين الاقليمية والدولية، اكدت صحة ذلك القول المأثور، فى اشارتين لا تخلوان من مغزى بطبيعة الحال.
الاولى تتعلق بمجاملة "القناة التليفزيونية العسكرية" التى استضافته للحديث اليها عن قضايا السياسة الخارجية وعلاقات روسيا مع العالم الخارجي، والثانية تاكيدا للدور المهم الذى يقوم به اليوم الجيش والاسطول ومعهما القوات الجوية الفضائية، لتاكيد مكانة روسيا واستعادتها مواقعها التى تستحق على خريطة السياسة الدولية. فى ذلك الحديث حمل وزير الخارجية الروسية على الولايات المتحدة الامريكية بتاكيده ان الخطأ الكبير الذى ترتكبه يتلخص فى انها تحاول اعتبار نفسها "امة لا مثيل لها"، وهو ما يحول دون رغبة ومحاولات الاخرين فى الاتفاق والتعاون فى مكافحة الارهاب. وكشف لافروف عن بعض هؤلاء الاخرين باشارته الى ان هناك من حلفاء واشنطن ومنهم اعضاء حلف الناتو الذين يودون الذهاب الى مجلس الامن لتقرير الامور بما يليق بالانسانية. وانتقد اتهامات الامريكيين للاسد بانه "رئيس غير شرعي" وانه لا يجوز الاتفاق معه، وانه "ديكتاتور" وايامه الباقية "معدودة"، متناسين انهم كانوا اول من هرع للاتفاق معه ومع حكومته لتقرير مسالة تصفية الاسلحة الكيميائية. واستطرد وزير الخارجية الروسية ليقول "ان الرئيس السورى بشار الأسد كان شرعيا بالمطلق بالنسبة لهؤلاء عندما كان الأمر يتطلب تصفية الاسلحة الكيميائية السورية ، كما صدرت قرارات الترحيب بذلك عن مجلس الأمن الدولى والوكالة الدولية لحظر الأسلحة الكيميائية، وبقرار الحكومة السورية الانضمام إلى اتفاقية حظر هذه الأسلحة، دون ابداء أى تحفظات على شرعية الشريك السوري".
وقال لافروف "ان بعض الشركاء الغربيين، يؤكدون أنهم لن يدعموا التسوية فى سوريا إلا بعد ضمان رحيل الرئيس السورى بشار الاسد وانتفاء أى دور له فى العملية السياسية، وأى وجود فى أجهزة الدولة المقبلة نظرا "لانعدام شرعيته".واعاد الوزير الروسى ما سبق وقالته موسكو فى اكثر من مناسبة عن تمسكها بما سبق واعلنته حول اهمية مشاركة النظام السورى فى عملية مكافحة الارهاب، مؤكدا ان العالم لم يعد يتحمل "ترف" الانسياق وراء اهواء البعض على غرار طلبات تنحية الاسد. وخلص لافروف الى القول ان المخرج من الازمة السورية منصوص عليه فى قرار مجلس الامن رقم 2254 .
وكان لافروف توقف ثانية عند محاولات الولايات المتحدة الانفراد بالقرار الدولى على اعتبار انها "لا مثيل ولا منافس لها"، ليؤكد ان الصين صارت منافسا لا شك فيه فى المجال الاقتصادي، وان احدا لا يمكنه الان انكار ان روسيا اصبحت منافسا كذلك فى المجال العسكري، فى نفس الوقت الذى يبدو فيه الاتحاد الاوروبى وخاصة المانيا وفرنسا وربما ايضا ايطاليا، اكثر من منافسين فى المجالات السياسية.
و مضى الوزير الروسى ليستعرض بعضا من تضاريس الخريطة العالمية التى تشهد تكدس ما يقرب من ستة مليارات نسمة فى بلدان منظمة "بريك"، اى البرازيل وروسيا والهند والصين والتى تملك 14٫7% من نسبة الاصوات فى صندوق النقد الدولي، مشيرا الى ان النسبة المطلوبة فى الصندوق لاستخدام حق الفيتو تبلغ 15% ، وهو ما يمكن تداركه لاستكمال النسبة الضئيلة الباقية للوقوف فى وجه الولايات المتحدة وحلفائها فى هذا الشأن . واذا اشار لافروف الى ان 90% من سكان بلدان "بريك" وبقية بلدان العالم التى ترزح تحت وطأة مشاكل الفقر وتردى مستوى المعيشة، قال انها لا تكترث كثيرا بالسياسة ، وبفضل "الانترنت" صارت تتساءل عن الاسباب التى تجعلها فى اوضاع اسوأ من بلدان اخرى تنعم بالثراء والرفاهة، وهو ما يفسر ظهور الكثير من الازمات ومنها "الازمة السورية" ونشأة منظمات ارهابية على غرار "داعش"، وما يمكن ان يكون فى صدارة اسباب ظهور الارهاب.
وتطرق الوزير الروسى ايضا الى المسائل المتعلقة بملف البرنامج النووى الايراني، وقال ان الاتفاق الذى جرى التوصل اليه مع السداسية الدولية "يكفل حق طهران فى تطوير الاستخدام السلمى للطاقة الذرية، وتخصيب اليورانيوم مع التقيد التام بنظام حظر انتشار السلاح النووي، وذلك بعد أن أسهمت مشكلتها النووية فى احتدام التوتر العالمى طيلة عقود من الزمن". وتوقف لافروف طويلا عند الازمة الاوكرانية حيث استعرض الكثير من مقدمات اندلاعها ودقائق تطوراتها لينحى باللائمة على الولايات المتحدة والدوائر الغربية. وفى معرض التعليق على طموحات الناتو فى أوروبا، أعاد الوزير الروسى إلى الأذهان "أن حلف الأطلسى عاش بادئ الأمر بعد تفكك حلف وارسو، وانهيار الاتحاد السوفيتى فى مرحلة من النشوة، ومن ثم راح يبحث عن سبب لتسويغ بقائه. وحرص وزير الخارجية الروسية على الاشارة الى ان الناتو لم يتعرض للتهديدات والمخاطر العالمية من جانب الارهاب والمخدرات على سبيل المثال مثل تلك التى هددت وتهدد روسيا التى اضحت وحدها فى مواجهة مثل هذه الاخطار مثلما حدث اوحدث خلال مواجهتها للإرهاب والتطرف فى الشيشان .وأضاف "أنه لم يتم من خلال هذه الخطوات الحفاظ على الناتو كحلف وحسب، بل وصار يتوسع شرقا منتهكا جميع التعهدات الشفهية التى قدمها الغرب لروسيا إبان تفكك الاتحاد السوفيتي". واشار لافروف الى توقيع روسيا والناتو على اتفاقية الأمن والتعاون فى عام سنة 1997 والتى نصت ضمنا على ضرورة عدم احتفاظ الأطلسى بشكل دائم بأى قوات كبيرة على أراضى الدول الأعضاء الجدد، فى الوقت الذى تسعى فيه بلدان البلطيق وبولندا وغيرها فى الناتو إلى فسخ هذا الاتفاق لنشر أكبر عدد ممكن من القوات الأطلسية وفى أسرع وقت على أراضيها". ولم يكن لافروف ليغفل الحديث عن الازمة الاوكرانية وتطوراتها منذ اندلاعها فى مطلع عام 2014 وانسياق الكثيرين وراء مخططات ما وراء المحيط التى سبق واعلنت واشنطن عنها من خلال تبنيها الثورات الملونة، وما حاولت وتحاول نشره فى مناطق اخرى كثيرة من العالم ومنها الشرق الاوسط وشمال افريقيا.
رابط دائم: