رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

تركيا تغرق فى الصراع مع أكرادها

أنقرة ـــ سيد عبد المجيد :
صارت أشبه بنظائرها فيما ما بعد التخوم ، حيث الخراب والدمار بعموم الجارة السورية ، والوصف هذا ليس من قبيل المبالغة ، فبلدات سور وجيزرة ونصبين وغيرها لم تعد سوى أطلال تعيش الصمت الموحش ، وها هى بناياتها عارية إلا من ثقوب هائلة تركتها قاذفات الدانات وطلقات الرصاص العشوائية ، لتجسد لوحات خوف فيها حلت آلة الحرب مكان آزاميل المثالين هواة نحت الجداريات، وعشرات البيوت خلت من ساكنيها ، الذين ارتحلوا إلى القرى المجاورة على أمل أن يظفروا ببعض السكينة ، وقليل من الماء والكهرباء من أجل صغارهم الذين لا حول لهم ولا قوة .

إنها الدوامة الكردية التى باتت وكأنها قدر محتوم كتب على الأناضول ألا يخرج منها ، تلتهم كل يوم عشرات الأرواح وتدفع بالمئات إلى الفرار من الجحيم ، والمذهل أن ضوء أمل بزغ فى الأفق المسدود قبل سنتين وربما أكثر ، تعلقت به الأفئدة وإليه اتجهت الأبصار مستبشرة يحدوها شوق طال انتظاره ، بعودة إلى فضاء آمن يسع الجميع ، ولا يسمع فيه إلا صوت الوفاق والتوافق.

ومن جزيرة إمرالى العسكرية المحصنة الواقعة فى بحر مرمرة ، انطلقت تصريحات عبد الله أوجلان زعيم منظمة حزب العمال الكردستانى الانفصالية الذى يقضى عقوبة السجن مدى الحياة ، تدعو أنصاره إلى وقف فورى للعمليات المسلحة تمهيدا لمفاوضات سلام صحيح كان التعثر سمتها إلا أنها استمرت ، ليأتى الثامن من يونيو وهو اليوم التالى لاستحقاق الانتخابات التشريعية ، والذى أظهر تراجع حزب العدالة والتنمية لأول مرة منذ اعتلائه السلطة فى عام 2002 ، إذ فقد أغلبيته الكاسحة بالبرلمان ، ولتبدأ مرحلة معاكسة فيها انقلب الحكم مائة وثمانين درجة ، والدليل على ذلك أن الأمور تقهقرت إلى الوراء ساكنة مربعها الأول وكأن شيئا لم يتغير طيلة ثلاثة عقود من الصراع المسلح الدامى الذى افضى إلى مقتل أكثر من 40 الف شخص.

وهكذا عادت من جديد حالات الطوارئ إلى مدن جنوب شرق تركيا ، وحراس القرى المدججون بالعتاد ينتشرون لمساعدة قوات الدرك والشرطة فى حفظ الأمن ، وعشرات الآليات العسكرية تجوب الشوارع مدعومة بغطاء جوى من المروحيات ، الاعتقالات وحالات الاختفاء والقتل خارج القانون ، وحظر التجوال الذى فرض 52 مرة على 17 بلدة تابعة لسبع مدن فى مقدمتها دياربكر وماردين خلال الفترة من 16 اغسطس حتى 11 ديسمبر 2015 ، واعلان بعض القرى والبلدات بشرق وبجنوب شرق البلاد كمناطق آمنة أى أنها اصبحت ثكنات عسكرية ، وإغلاق المدارس والحوانيت معلنة الشلل التام للحياة التجارية ، ونشط حفارو القبور من فرط الجنازات ، وكلها مظاهر كاد ينساها ليس فقط مواطنو تلك البقاع الجغرافية ذات التضاريس الوعرة القاسية ، بل الاناضول بكامله.

بالتوازى انخرطت الآلة الإعلامية الضخمة الموالية لصناع القرار ، تشحذ الهمم وقد تسلحت بكل فنون النعرات القومية ، ويالها من مفارقة فأهل الحل والعقد الحاليون كانوا من اشد المعارضين لها إبان صعودهم قبل عقد من الزمان ، أما الآن فصاروا من غلاتها متفوقين على القوميين المتشددين المعروفين باسم الذئاب الرمادية ، والدليل على ذلك أن العدالة التنمية وزعيمه رجب طيب اردوغان اضاف لخطابه بجانب الاسلام السياسى شعار رابعة ( لا علاقة له بنظيره الاخوانى ) ويتلخص فى : وطن واحد ، علم واحد ، لغة واحدة ، دولة واحدة.

أى أن تركيا باختصار عادت إلى حقبة التسعينيات من القرن المنصرم وبصورة أشد تطرفا، حتى إن صحيفة ميلليت التى يفترض أنها باتت اقرب لاردوغان خرجت عن هذا الانحيار ملقية اللوم على الدولة لم تقدم معلومات وافية للرأى العام التركى عن حقيقة الواقع المأساوى فى جنوب شرق تركيا خاصة مدينتى ديار بكر وماردين الأكبر والاكثر سكانا.

وفى المقابل ووفقا لما ذهبت إليه صحيفة "جمهوريت" فإن منظمة حزب العمال الكردستانى غيرت تكتيكاتها القتالية ونقلت هجماتها المسلحة والاحداث الارهابية من الجبال وضواحى القرى الى قلب البلدات والمدن وبدلا من شن هجمات مسلحة على مخافر قوات الدرك والشرطة بدأت تشن هجمات مسلحة بالبلدات والمدن ، ومن باب السخرية تمادت قائلة للاسف الشديد بدلا من نشر قوات داخل البلدات والمدن ارسلت الحكومة القوات خارج اراضيها على سبيل المثال الى مدينة الموصل .

وهو ما دعا صحيفة سوزجى إلى أن تخلص لنتيجة وهى فشل حكومة العدالة والتنمية فى ابراز دورها ومكانتها وقوتها فى جوارها لكنها تمكنت من فرض سطوتها فى الداخل بعد ان حشدت وسائل الاعلام الموالية لها منها مؤسسة الاذاعة والتلفزيون الرسمية لشن حملة دعاية لصالحها بعد اغلاق العديد من الصحف المعارضة واعتقال 32 صحفيا وتصفية المعارضين السياسيين لها ورغم ذلك تشير كل الشواهد إلى أنها لن تنجح لا فى وأد الارهابيين أو فى تطهير البلاد من أكرادها المسلحين.

ولسكب مزيد من الزيت على النار الغى يوم السبت الفائت وفى اللحظات الأخيرة اجتماع كان يقترض أن يتم بين رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو وزعيم الشعوب الديمقراطية الكردى صلاح الدين دميرطاش ، وخرج متحدث باسم الأول ليعلن للراى العام أنه لم يعد هناك ما يستحق أن يجمع بين داود أوغلو ودميرطاش على مائدة واحدة ، معللا بأن الأخير يكيل الاتهامات الباطلة للحكومة بشن عملية تطهير عرقى للشعب الكردى بعد دخول الاف العسكريين الى 5 بلدات ومحاصرتهم كما أنه يحض على الكراهية بدعواته الى إقامة حكم ذاتى للشعب الكردى الذى دعاه إلى توسيع دائرة المقاومة الشعبية.

ولكن المتحدث تجنب ذكر سبب آخر لا يقل أهمية بل هو الدافع الاساسى لإلغاء اللقاء ، ألا وهو زيارة دميرطاش لروسيا ( التى صارت عدوة ) ولقاؤه وزير خارجيتها سيرجى لافروف فى موسكو الأسبوع الماضى .

المثير فى الأمر أنه برغم قتامة الاوضاع وترديها لا يهدأ الرئيس وزمرته عن الحاحهم بتغيير الدستور وإقرار النظام الرئاسى وليذهب السلام إلى الجحيم المهم هو السلطة ، هذا ما قاله سزجين تانريكولو نائب رئيس حزب الشعب الجمهورى الذى زاد قائلا إن الشعب الذى فرض عليه نوع من الوصاية ينقاد نحو حالة من التشاؤم العميق فيما يتعلق بالمستقبل.

كذلك وعلى خلاف الواقع المعاش تبث وسائل الإعلام الاردوغانية صورة وردية لا أساس لها متمثلة فى إعلان عن زيادة الانتاج الصناعى وإرتفاع معدلات النمو ولكن دون أن تجيب عن تساؤلات المواطن العادى البسيط وهى : لماذا تنحفض قيمة الليرة مقابل العملات الصعبة ؟ ولماذا ينخفض مؤشر بورصة اسطنبول ؟ لماذا وصل عدد العاطلين عن العمل الى 3 ملايين عاطل ؟ وأخيرا لماذا تحولت منطقة جنوب شرقى تركيا الى ساحات حرب عصابات؟

إذن فاللا حل هو سيد الموقف وليس هناك على المدى المنظور دلائل تشير إلى قرب وضع نهاية لحمامات الدم وانهيار البنية الاساسية بعشرات الاحياء الفقيرة بتلك المناطق البعيدة والتى أصبحت تفتقر للحد الادنى من الخدمات ، وعلى الاف الساكنين فى تلك الجغرافيا الصعبة من الاناضول أن يترقبوا رعبا من شتاء قارس يبشر بموجات صقيع غير مسبوقة.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق
  • 1
    ابو العز
    2015/12/31 14:32
    0-
    0+

    تركيا تزور السعودية !!
    كنت اجلس في مقهى تركي عندما داهمه رجال الشرطة وساقوا عديدا من الشباب الأكراد خارجا كالأعصار , وقد بقيت متسمرا في مكاني من هول المفاجئة حيث انه لم يقترب احد مني ولربما لأعتقادهم بانني خواجا ؟! .
    البريد الالكترونى
    الاسم
    عنوان التعليق
    التعليق