أنا رجل فى سن السابعة والستين، وكنت قبل خروجى الى المعاش أعمل مديرا بالتربية والتعليم، وزوجتى حاصلة على مؤهل عال أيضا، ولم تعمل بارادتها
إذ فضلت منذ البداية التفرغ لبيتها وأسرتها، وقد رزقنا الله بولد وبنت، أما الولد فهو مهندس مدنى ويعمل بإحدى الجهات وغير متزوج، وأما البنت فحاصلة على مؤهل عال ومتزوجة والموضوع الذى أكتب إليك عنه، يتعلق بها، فلقد تزوجت من أحد الشباب منذ عام وأنجبت بنتا، وقد بدأت حكايتها عندما تقدم إليها هذا الشاب وهو الولد الوحيد لأبويه، وله شقيقتان، وقبل أن نوافق عليه زرنا أسرته، وهى تقطن فى قرية قريبة من المدينة التى نسكن فيها، وما أن وصلنا الى هناك حتى أصبنا بصدمة شديدة، وتعجبنا أن يعيش بشر فى هذا المكان، وفى طريق عودتنا ساد الصمت بيننا، وتداركت الأمر بسرعة، وقلت لزوجتي: سوف أزوج ابنتى هذا الشاب، فما دمنا لا نعيب عليه خلقا أو دينا، فإن الفقر ليس عيبا، واستمرت خطبتهما خمسة عشر شهرا، والحق أننا وجدنا هؤلاء الناس فى قمة الأخلاق والطيبة والأدب، ووعدونى بمساعدة ابنهم لأن مرتبه بسيط، ولكن بعد الزواج تبدل كل شيء وصار الكذب لسان حالهم، وتنصلوا من كل وعد واتفاق، وتكشفت التمثيلية التى حبكوها علينا.. هل تتصور أن زوجها أغلق كل شيء فى الشقة مثل الدولاب والبوفيه...الخ، فإذا أرادت شيئا لا تستطيع أن تصل إليه فتسأله، لماذا تغلق هذه الأشياء وبها أدوات المعيشة؟ يرد عليها «أنا الراجل ولما يجيلى مزاجى هفتحها».. وبلغ الاحتقان بابنتى مداه، فعادت إلينا وهى حامل فى ابنتها، ووضعتها دون أن يسأل عنها، فرفعنا دعوى قضائية ضده، فأرسلوا الينا للصلح وسحب الدعاوي، فوافقنا، ثم اذا بهم يماطلون فى اعادتها اليهم من جديد لان المولودة أنثي! فعاودنا رفع الدعاوى من جديد لتنال الطفلة حقوقها الشرعية.. ويبقى أن أقول لك إن الله على كل شيء قدير.. وأن التأكيد المستمر على ضرورة التوافق الاجتماعى وتقارب المستوى المادى والثقافى والأخلاقى هى الأسس التى يجب أن يتأكد الطرفان من توافرها قبل الزواج، وليسأل أب كل عروس نفسه، هل من جاءها للزواج قادر على أن يكفل بيته وأن يسعد زوجته ويكون مستقلا عن تدخلات الأهل والمقربين؟.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ولكاتب هذه الرسالة أقول:
يحتاج قرار الزواج الى دراسة متأنية لكل الأبعاد الاجتماعية والمادية والثقافية، ومن الضرورى أن تكون هناك لقاءات مستمرة بين العريس والعروس، وأن يتزاور أهل الطرفين، فالزيارات المتبادلة توفر فرص الاحتكاك عن قرب، وتكشف الكثير مما يحاول كل طرف اخفاءه عن الطرف الآخر، والأمر هنا لا يتعلق بطول فترة الخطبة، وانما يرتبط ارتباطا مباشرا باكتشاف مساحات الاتفاق والاختلاف، وأسلوب المعيشة، والتعرف على وضع العريس فى أسرته، وهل هو منقاد الى أهله، ولا يستطيع الاستقلال بنفسه اذا تعثرت أوضاع والده المادية مثلا، وهل تؤثر مساعدة أهله له على قراراته فى بيته، وما هى علاقته بأهل زوجته؟ وكذلك الحال بالنسبة للزوجة إذ يجب أن يعرف الزوج مدى علاقتها بأسرتها؟ وهل هى قادرة على الاحتفاظ بأسرار بيتها فلا تشرك أباها وأمها وأخوتها فى الخلافات البسيطة التى تنشأ عادة بين الأزواج خصوصا فى السنوات الأولى للارتباط؟.. فمثل هذه الأسئلة التى تحمل استفسارات يجب أن تكون موضع اعتبار لدى الطرفين، ويراعى فى كل الأحوال عدم ترك المشكلات الصغيرة حتى تستفحل فمعظم النار من مستصغر الشرر، وأسأل الله التوفيق للجميع.
رابط دائم: