لا يزال العالم يسعى للتغيير بشتى السبل المتاحة.. ولكن التطورات الأمنية فى الشرق الأوسط وتدفق اللاجئين تثير المخاوف لدى الشعوب وتجعل البعض يؤمن باتجاهات كان يؤيدها على استحياء أو حتى كان يعارضها من قبل.
صحيح أن الأغلبية ما زالت ترى المخاطر التى يمثلها الاتجاه المعاكس وتمكنت من توضيح رؤيتها، لكن الفارق أصبح يتضاءل يوما بعد يوم بين الاتجاهين، ولا نعلم كيف ستتغير الخريطة السياسية تباعا فى المستقبل القريب.
هذا ما كشفت عنه نتائج الانتخابات فى أوروبا عام 2015 سواء كانت محلية أو رئاسية أو برلمانية. وحسب التسلسل التاريخى للأحداث، فقد أسفرت نتائج الانتخابات الإقليمية الهولندية التى أجريت فى مارس الماضى عن فوز الحزب الليبرالى الحاكم بـ13 مقعدا من بين 75 مقعدا فى مجلس الشيوخ. أما حزب الحرية اليمينى المتطرف فقد حصل على 9 مقاعد بعد أن خسر مقعدا واحدا، ليتساوى بذلك فى مرتبته مع حزب اليسار الاجتماعى الذى حصل أيضا على تسعة مقاعد، وقد لا يكون اليمين المتطرف فى الصدارة، لكن هذه الانتخابات كشفت عن مخاطر توسع نفوذ هذا الحزب المعادى للإسلام والمسلمين فى مدن كبرى وصلت إلى 23 بلدية.
ورغم حصول حزب المحافظين الحاكم فى بريطانيا بزعامة رئيس الوزراء ديفيد كاميرون على الأغلبية فى الانتخابات العامة التى جرت فى مايو الماضي، فإن أغلبية الآراء اتفقت على أن النتيجة لم تكن متوقعة نظرا لما أظهرته الاتجاهات الشعبية واستطلاعات الرأى حيث كشفت أن الشعب كان يسعى بكل قوة للتغيير.
وأدت نتائج هذه الانتخابات إلى ما يشبه الزلزال فى أوساط الأحزاب الأخرى، فقد قدم إد ميليباند زعيم حزب العمال استقالته من زعامة الحزب بعد الهزيمة التى تعرض لها، كما منى حزب الديمقراطيين الليبراليين بهزيمة قاسية، وأعلن زعيم الحزب نيك كليج استقالته من منصبه بعد حصول حزبه على 8 مقاعد فقط.
وعلى النقيض من تلك الخسائر وخيبة الأمل، حقق الحزب القومى الأسكتلندى المؤيد للاستقلال عن بريطانيا فوزا كاسحا وحصد 56 مقعدا من مقاعد البرلمان، لتتجدد معه أحلام الانفصال فى دول أوروبا.
وفى النمسا حال فوز الحزب الاشتراكى الديمقراطى النمساوى»إس بى أو» دون حدوث السيناريو الأسوأ على الإطلاق فى انتخابات ولاية فيينا البرلمانية فى يونيو الماضي، بحرمان حزب الحرية اليمينى المتشدد من فرض نفسه على الحكومة المحلية الجديدة، بعد فوز الاشتراكيين بالمركز الأول بنسبة 39,4%، وفى المقابل فشلت خطط اليمين المتشدد فى انتخابات الولاية ، الأهم على الإطلاق على مستوى ولايات النمسا التسع، على الرغم من تقدم الحزب إلى المركز الثانى.
وشكلت انتخابات المناطق والبلديات الفرعية فى يونيو الماضى فى إيطاليا تحذيرا لماتيو رينزى رئيس الوزراء، الذى ضربت الانقسامات حزبه، مع تقدم حركة «5 نجوم» و»رابطة الشمال»، وتصدر الحزب الديمقراطى الحاكم المشهد بصعوبة فى النهاية، لكن النتيجة النهائية أثبتت أن التغيير قادم لا محالة. وبرزت الانتخابات المحلّيّة فى إقليم كاتالونيا داخل إسبانيا فى سبتمبر الماضى كإشارة إلى أنّ الرغبة فى الانفصال تطرق أيضا أبواب بعض الشعوب الغربيّة الطامحة أيضاً إلى الاستقلال لتشكيل بلدان جديدة خاصّة بها تراعى تطلّعاتها التاريخيّة والسياسيّة والثقافيّة، ففازت القوى الكاتالونية الاستقلاليّة بالغالبية المطلقة داخل البرلمان المحلّى.مما يمنح الكتالونيين الشرعية للدفع بعملية الاستقلال.
وبعد أن فشلت محاولات حزب العدالة والتنمية التركى لتشكيل حكومة ائتلافية فى أعقاب الانتخابات البرلمانية فى يونيو الماضي، تأكد فوز حزب العدالة والتنمية بـ316 مقعدا، أى ما يزيد كثيرا على الـ 276 مقعدا اللازمة لتشكيل الحكومة منفردا، وذلك من خلال الإنتخابات المبكرة التى عقدت فى شهر نوفمبر.
ورغم أنه ينظر إلى نتيجة الانتخابات على أنها انتصار شخصى للرئيس التركى رجب طيب إردوغان، فإن عدد مقاعد حزبه فى البرلمان لا تكفى لتمكينه من تمرير مشروعه الرامى إلى تغيير الدستور ليتضمن توسيع صلاحيات الرئيس عبر البرلمان، وهو ما يراه معارضو حزب العدالة والتنمية فرصة لكبح جماح الاتجاهات السلطوية لدى إردوغان.
ومع الانتهاء من الجولة الثانية للانتخابات الإقليمية فى فرنسا، لم تتمكن الجبهة الوطنية بزعامة مارين لوبان والمناهضة للهجرة وللوحدة الأوروبية من الحفاظ على الفوز التاريخى الذى حققته فى الجولة الأولى، ولم يتمكن من الفوز بأى من المناطق المتنافس عليها، بينما فاز الحزب الاشتراكى بزعامة الرئيس الفرنسى السابق نيكولا ساركوزى بـ5 مناطق رئيسية من المناطق الثلاث عشرة التى جرى التنافس عليها فى الجولة الثانية.
وبعد أن عززت المخاوف من أزمة اللاجئين فى أوروبا وهجمات تنظيم داعش تصدر اليمين المتطرف الجولة الأولى، نجحت الحملة الإعلامية المنظمة لليسار فى أن يستفيق الشعب الفرنسى والأوروبى ليدرك حجم العنصرية والكراهية التى بثها اليمين المتشدد، وأن هذه الشعبية الهائلة التى نجح فى جمعها مؤخرا ليست إلا نتيجة للتخبط والخوف الذى انتشر فى الدول الغربية، وهى ظروف قد لا تكون استثنائية أو مؤقتة.
رابط دائم: