التأمينات الاجتماعية هى صمام الامن الانسانى والاجتماعى للمواطنين وأداة لتحقيق الاستقرار فى علاقات العمل،ونحن فى ظل برلمان جديد من المنتظر مناقشة تقنين اوضاع التأمينات وأموالها، ويمكن اصدار عدة قرارات تسد ثغرات مشاكل هذا النظام منها تقنين حد أدنى للأجر التأمينى فى القطاع الخاص ، ومكافحة التهرب من الاشتراك فى التأمينات فى القطاع الخاص وتغليظ العقوبات .
وكذلك تعديل الأجور التأمينية الحكمية، ومد الحماية التأمينية - كحق - لكل مواطن ، هذه الاجراءات من شأنها التخفيف من أعباء الخزانة العامة وليس العكس ، كما ان أموال التأمينات »أموال خاصة« دستوريا وليست إيرادات عامة للدولة ولكن هناك تضاربا فى تقديرها واختلافا حول سبل استثمارها،والصناديق والعوائد. ،
نتعرض فى هذا التحقيق للعقبات التى تواجه نظم التأمينات المطبقة ونقدم الحلول لمعالجتها لعلنا نسهم فى ارساء مبادئ العدالة الاجتماعية الحق التى كفلها الدستور لجميع المواطنين. بداية يوضح الدكتور سامى نجيب الخبير التأمينى واستاذ التأمين بجامعة بنى سويف أن لنظام التأمينات الاجتماعية قدرة مالية ذاتية مستدامة على أداء المعاشات وكشف الواقـع الفعلى وأن تلك الاستدامة تعتمد على حقـائق منها تجدد عضويتها إتفاقاً مع إجبارية النظم وقوميتها وبالتالى استمرار تدفق الإشتراكات وكذلك مستمدة من تمويلها الثلاثى إذ يتم تأسيسها على تلاقى المسئوليات والمصالح فتتعدد مصادر تمويلها ليشترك فى التمويل إلى جانب العاملين أصحاب الأعمال والمجتمع ككل ممثلاً فى الدولة،
وأثر كذلك تزامن الأجيال (وليس تتابعها) ففى كل جيل هناك من فى سن العمل كمؤمن عليهم يمولون المزايا وفى نفس الجيل هناك كبار السن ممن يحصلون على المزايا،وإستدامة التأمينات الاجتماعية مستمدة من المبادئ والتوصيات الدولية المتجددة للمنظمات الدولية للعمل ولمؤسسات الضمان والتأمين الاجتماعى والتى تحكم تحديد مصادر التمويل وأسس توزيع نفقات التأمين بينهاو ارتباطها بحقوق مستدامة للإنسان والعاملين تتمثل ببساطة فى حق الحياه،ومستمدة من استدامة الأخطار التى تتعامل معها يتعرض لها البشر جميعاً (أخطار الشيخوخة والعجز والوفاة والمرض والتعطل وإصابات العمل). وقد بلغت أموال التأمينات ما يتجاوز 612 مليار جنيه (358.6 مليار للعاملين بالقطاع الحكومى و253.4 مليار جنيه للعاملين بغير القطاع الحكومي) ، وتأسيساً على إجبارية وعمومية النظام تتزايد سنوياً أموال النظام المتكونة من زيادة الموارد (الاشتراكات وريع الاستثمار) عن نفقات المعاشات (باستبعاد الزيادات التى تنص القوانين الصادرة بشأنها على تحمل الخزانة العامة لتكلفتها لمسئوليتها عن التضخم والدعم المالى لمواجهة ارتفاع نفقات المعيشة)

وعن أولوية التزام الدولة بزيادة المعاشات مع ارتفاع أسعار السلع الأساسية (ونفقات المعيشة) يقول : بإعتبار ذلك حقا أساسيا لذوى المعاشات وواجبا جوهريا من واجبات الدولة الرشيدة يؤكده الرئيس فى إهتمامه بتحقيق العدالة الاجتماعية فى مواجهة تنامى معدلات التضخم فهناك دائماً القدرة إذا ما أعطينا الأولوية للأمن الإنسانى الإجتماعى لذلك أصدر رئيس الجمهورية القرارات بزيادة المعاشات إعتبارا من 1/7/2015 بواقع 10% من إجمالى المعاش المستحق وفقاً لمختلف قوانين التأمين الإجتماعى وينص القانون على أن تتحمل الخزانة العامة الأعباء المالية المترتبة على زيادة المعاشات باعتبار ذلك أولوية وواجبا إنسانيا.
معاشات مبكرة ويشير الى ضرورة ان تقوم الحكومة بتوحيد رؤيتها وإدراك مسئولياتها حول تمكين العاملين من الحصول على المعاشات سواء ببلوغ سن المعاش أو بسبب التقاعد المبكر الذى يكاد يكون إجبارياً مع سلبيات الظروف الإقتصادية فلا نفهم كيف يصدر فى سبتمبر 2014 قانوناً بالحد من المعاشات المبكرة ومضاعفة تكلفة إستكمال المدة المؤهلة لاستحقاقها وفرض شروط للحد من الضم وبعد أقل من ستة أشهر صدر قانون فى إتجاه مختلف تماماً يعمل على تشجيع وتيسير المعاشات المبكرة للعاملين بالقطاع الحكومى ودون أية أعباء مالية على الموظف المؤمن عليه إذ ينص القانون على تحمل الدولة تكاليف ضم المدد المؤهلة بل أيضاً حساب المعاش وفقاً للأجر الذى كان سيحصل عليه العامل فيما لو إستمر بالخدمة ففى 2/9/2014 صدر قرار رئيس الجمهورية بالقانون 120 لسنة 2014.
ووفقاً للمذكرة الإيضاحية نصت المادة (18) لإستحقاق المعاش المبكر بوجوب أن تكون المدة الفعلية 240 شهراً للحد من حالات المعاش المبكر بإشتراط مدة اشتراك فعلية 20 عاماً وهو تعديل لا يجيز الضم لإستحقاق المعاش المبكر. قانون الخدمة المدنية وعلى أى حال فبعد أقل من ستة اشهر صدر القانون الجديد للخدمة المدنية 18 لسنة 2015 مقرراً معاملة تأمينية خاصة لمن يرغب من شاغلى وظائف الإدارة العليا والتنفيذية فى إنهاء خدمته بإنقضاء المدة المحددة لشغلها فى أن يطلب خلال الثلاثين يوما التالية لانتهاء مدة شغله لإحدى الوظائف المشار إليها إنهاء خدمته، لتتم تسوية حقوقه التأمينية على أساس مدة اشتراكه فى التأمين الإجتماعى مضافا إليها مدة خمس سنوات أو المدة الباقية لبلوغه السن المقررة قانونا لترك الخدمة أيهما أقل، ويعامل فيما يتعلق بالمعاش الذى يستحقة فى وظيفته السابقة معاملة من تنتهى خدمته ببلوغ هذه السن ،وإمتدت تلك التيسيرات للموظف الذى جاوز سن الخمسين أن يطلب إحالته للمعاش المبكر فيقرر القانون في( المادة 67) وجوب الاستجابة لهذا الطلب بل وترقيته لوظيفة أعلى وضم 5 سنوات لمدة الاشتراك فى التأمين الاجتماعي.

ويضيف أن نظم التأمينات قادرة بذاتها على تمويل نفقاتها من خلال علاج مشكلات اقتراض أموال النظام لسد الفجوة التمويلية الحكومية بين مواردها ونفقاتها بما يحد من قيام نظام التأمينات الإجتماعية لتوجيه أموالها لأوجه الاستثمار الاجتماعي،والتراخى فى تحديد الحدود الدنيا للأجور فى غير القطاع الحكومى مع إستبعاد العديد من عناصر الأجر عند حساب الإشتراكات بما يؤدى إلى إنخفاض مستوى المعاشات عن القدر اللازم لمواجهة نفقات المعيشة الضرورية (الخاسر فى النهاية الدولة التى يتعين عليها تحمل نفقات الحدود الدنيا للمعاشات). ومشكلة عائد إستثمار نحو 160 مليارا من تلك الأموال كما ان عائد الإستثمار المحقق عن إجمالى الأموال حوالى 6% وهو نصف المعدل الذى تقترض به الدولة من السوق،بالاضافة الى الصكوك التى تصدرها الدولة والمستحقة على الخزانة العامة غير قابلة للتداول ولا توجد قواعد لاستهلاك تلك الصكوك. التزام قانوني ويقول الدكتور محمد عطية أحمد سالم - وكيل أول وزارة التأمينات الأسبق- إن نظام التأمين الاجتماعى المصرى من أعظم نظم التأمينات فى العالم بشهادة خبراء منظمة العمل الدولية وواقع الأمر أن الحكومة لديها أكثر من 6 ملايين موظف من العاملين فى الجهاز الادارى للدولة ، تتحمل الحكومة أجورهم السنوية وأيضا حصتها عن هؤلاء العاملين فى اشتراكات التأمينات الاجتماعية .. وهذا إلتزام قانونى على الدولة لتوفير الحماية التأمينية للعاملين لديها ..ومن جهة أخرى تتحمل الحكومة تكلفة الزيادات السنوية لملاءمة المعاشات مع نفقات المعيشة فى ظل ارتفاع المستوى العام للأسعار .. وحيث أن الحكومة غير قادرة على التحكم فى مستويات الأسعار والسيطرة على الأسواق ، فهى ملتزمة بمنح زيادات سنوية للمعاشات .. نظرا لأنها تقترض أموال التأمينات ولا تمكن الصناديق من عوائدهم بصفة دورية منتظمة .. ورغم حاجة الصناديق للسيولة لصرف المعاشات وزياداتها تضطر لتحمل تكلفة الزيادات نيابة عن الخزانة العامة ، وتتراكم مديونية الخزانة سنة بعد أخرى ، حتى تجاوزت الآن 162 مليار جنيه بدون فوائد ..
تتضارب الأرقام حول قيمة مديونية الخزانة العامة للهيئة القومية للتأمين الاجتماعى فى حالة من الفوضى فى الحسابات بين وزارة المالية ووزارة التأمينات .. وطالبنا فى وقت من الأوقات بأن يتم حساب المديونية بمعرفة الدائن وليس المدين .. فمنذ أكثر من ثلاثة أعوام أعلن الدكتور الجنزورى بأنها بلغت 435 مليار جنيه .. بخلاف مديونية بدون فوائد بلغت آنذاك 145 مليار جنيه .. وهى الآن 162 مليار جنيه .. وفى تلك الحسابات تم تجاهل القيمة الزمنية للنقود التى تقضى على القيمة الحقيقية لهذه النقود عند إستردادها وقد تأثرت أموال التأمينات من خلال نقل تبعيتها من بنك الاستثمار القومى إلى وزارة المالية وإصدار الصكوك والتراخى فى حساب العائد والآن تحدد وزارة المالية مديونيتها بمبلغ 579 مليار جنيه رغم أنها تجاوزت 650 مليار جنيه ، والمديونية بدون فوائد تم تثبيتها منذ سنوات عند 162 مليار جنيه وأن هذا النظام العملاق تحمل تكلفة المعاشات خصما من حصيلة الاشتراكات فقط على مدار سنوات طويلة لا عودة للوراء ويؤكد الدكتور محمد عطية انه لا عودة للوراء ، كما وعد بذلك الرئيس السيسى .. لا عودة للقانون سييء السمعة رقم 135 لسنة 2010 .. فالمعاشات ليست عبئا على الخزانة العامة .. ولابد من تصحيح المفاهيم فى هذا المجال .. لأن أى نظام للتأمين الاجتماعى يصمم لكى يكون قادر على الاستدامة المالية .. وما يتردد على لسان البعض هى مفاهيم خاصة بنظام التأمين التجارى الخاص بشركات التأمين وليس التأمين الاجتماعى .. النظام المصرى يمول ذاتيا .. وما تتحمله الخزانة العامة هو حصة الحكومة فى إشتراكات التأمينات عن العاملين لديها فى الجهاز الادارى للدولة .. كما تلتزم الخزانة العامة بتكلفة الزيادات السنوية للمعاشات وهو إلتزام أيضا يقع على الدولة تجاه أصحاب المعاشات .. فإذا قامت الخزانة العامة بصرف كامل العائد على قروضها من صناديق التأمينات ، وبمعدل عائد 10% سنويا ، وبصورة دورية منتظمة ، مع تصحيح حركة تدفقات هذه الأموال ، سوف تتغير الصورة تماما قانون جديد وموحد أما عن ضرورة التغيير الجذرى للنظام وإصدار قانون جديد للتأمينات فالأجدى من ذلك أن نفكر فى علاج مواطن الضعف فى النظام المطبق حاليا .. والمتمثلة فى التهرب من الاشتراك فى التأمينات فى مؤسسات وشركات القطاع الخاص ، وعلاج أسباب ضعف قيمة المعاشات ، حيث طالب السيد الرئيس بضرورة أن يكون هناك حد أدنى للمعاشات منصوص عليه فى القانون .. وهناك عدة اجراءات يجب اتباعها لتحقيق ذلك ولنبدأ بتقنين حد أدنى للأجر التأمينى فى القطاع الخاص يكفل حدا أدنى لمعاش كريم ويخفف من أعباء الخزانة فلابد من النص فى القانون على إلتزام مؤسسات وشركات القطاع الخاص بالاشتراك عن العاملين لديهم على حد أدنى للأجر التأمينى وبالتالى لا تقبل إشتراكات عن أى عامل يقل أجره عن هذا الحد وبالتالى تنتفى فكرة ضعف قيمة المعاشات التى تلزم الدولة بمنح زيادات سنوية للمعاشات ، ونخفف من أعباء الخزانة العامة فى هذا المجال .. وحتى إذا تطلب الأمر منح زيادة للمعاشات فستكون تكلفتها أقل بكثير مما هى عليه الآن .. مكافحة التهرب كما ان مكافحة التهرب من الاشتراك فى التأمينات فى القطاع الخاص وتغليظ العقوبات فى القانون يخفف من أعباء الخزانة ، وهى ظاهرة تنتشر فى مؤسسات القطاع الخاص ، حيث يعتبر أصحاب الأعمال أن إشتراكات التأمين الاجتماعى ترفع من تكلفة الانتاج وبالتالى تقلل أرباحه .. ويرجع ذلك إلى ضعف الوعى التأميني.. وفى حالة التهرب من الاشتراك ، ، يكون العامل ضحية رأس المال الذى يتخلص منه دون أى ضمانات ، ولا يجد قوت يومه فى حالات الشيخوخة أو العجز أو الوفاة أو المرض والإصابة أو التعطل عن العمل .. وفى هذه الحالات تلتزم الدولة بتغطية هذه الحالات وتوفير معاش ضمانى تموله خزانة الدولة . ويضيف انه لابد من رفع شرائح الدخول الدنيا فى نظم التأمين على أصحاب الأعمال والعاملين بالخارج بمعنى الرفع التدريجى لشرائح الحد الأدنى لدخل الاشتراك فى التأمين إجباريا فى نظام أصحاب الأعمال ونظام العاملين المصريين بعقود شخصية فى الخارج ، بهدف حصول هذه الفئات على حد أدنى لمعاش كريم وكذلك ضرورة اتخاذ قرارات وزارية لتعديل الأجور التأمينية الحكمية عن طريق التنسيق مع الجهات المعنية التى تحدد الأجر التأمينى بصورة حكمية ، للتأمين على فئات عمال المقاولات ( وزارة القوى العاملة) ، وعمال النقل البرى (الادارة العامة للمرور ) ، وعمال المخابز (وزارة التموين ) .. ويجب ان نعى ان إمتداد الحماية التأمينية كحق لكل مواطن يخفف من أعباء الخزانة العامة وليس العكس وذلك بأن يتحول النظام التأمينى إلى نظام قومى وليس نظاما فئويا كما هو الآن ، فتمتد التغطية التأمينية تدريجيا لكل مواطن فى أى قطاع من قطاعات الانتاج أو قطاعات الخدمات .. وتمتد التغطية التأمينية أفقيا بتغطية فئات جديدة لم تصل إليها الحماية التأمينية بعد ، وتمتد رأسيا بتغطية عدد أكبر من المخاطر الاجتماعية ، وتتدرج لتغطى مستويات أعلى من الأجور .. مع تأكيد فكرة أنه كلما إمتدت التغطية التأمينية لكل مواطن ، كلما خفف ذلك من أعباء الخزانة العامة ..حيث تمول أجهزة التأمين الاجتماعى أوجه الحماية الاجتماعية التى كانت تتحملها الخزانة العامة فى عدد كبير من المجالات .. ويبقى ضرورة إستقلالية الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى فى وضع وتنفيذ سياسة استثمارية آمنة لفوائض صناديقها وذلك بإنشاء جهاز استثمارى متخصص فى توجيه فوائض الصندوقين إلى مجالات إستثمارية آمنة من أجل تحقيق معدلات عائد أعلى تمكنها من تحقيق أهداف نظم التأمين الاجتماعى .
رابط دائم: