بتقديم شهادات استثمار ذات عائد دورى ممنوح لمجموعة (ب) بالبنك الأهلى المصرى بمبلغ 50 ألف جنيه باسم طالبة الزواج المصرية إذا جاوز فرق السن بينهما الـ25 سنة عند توثيق العقدـ أثار حالة من الجدل بين الحقوقيين والقيادات النسائية ومنظمات المجتمع المدنى المعنية بحقوق الإنسان جعلتهم ما بين مؤيد ومعارض من خلال ما استعرضته (الأهرام) من آراء.
قالت د. آمنة نصير أستاذ العقيدة والفلسفة وعضو مجلس النواب إن قرار وزير العدل مرفوض شكلاً وموضوعا، وتمنت أن يصدر قانون صارم يجرم ويعاقب كل من يشارك فى هذه الجريمة التى وصفتها بـ الزنا المقنن. فهذا القرار لن يساعد على حل هذه الجريمة ولكن سيضعها فى إطار قانونى مما سيزيد من حالات الزواج بهذا الشكل المقزز. وتطالب بعقاب رادع لكل من الأب والسمسار والمحامى لتجريم هذه العقوبة، وتوضح أن هذه الثقافة جاءت إلينا بسبب الفقر وانتشرت فى بعض القرى القريبة من القاهرة، وتتساءل أين شرط الديمومة وهو أحد أهم شروط الزواج، فالبنت إما يستمتع بها أياما معدودة ويتركها أو يأخذها معه لتعمل خادمة له أو لأهله بأرخص من ثمن استئجار خادمة.
بينما قالت د. هدى بدران رئيس اتحاد عام نساء مصر إن القضية ليست فى زيادة قيمة الوثيقة من 40 ألفا إلى 50 ألفا، إنما هى كيفية الحماية للفتيات اللاتى يتعرضن لهذا الزواج بشكل قهرى من أجنبى بهدف الحصول على مبالغ مالية، وأضافت أنه يجب أن يقوم الزواج على التكافؤ. ولكن الشريحة الفقيرة من البنات خاصة فى القرى هن الأكثر استغلالا للبيع، وتمنت بدلا من أن يعدل قانون زواج المصريات من أجانب، أن ينتظر مجلس النواب لتغيير قانون الأحوال الشخصية لأن الزواج بهذه الطريقة مجرد تجارة.
وطالبت نشوى نشأت مدير الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية بإلغاء القرار لأنه يعد تقنين للإتجار بالنساء ومن باب أولى اتخاذ الضوابط القانونية والتشريعية اللازمة لحماية الفتاة من مخاطر وتبعات الزواج من أجنبى، وذلك بتحديد سن معينة للزواج وتقنينا للزواج العرفى وزواج المسيار، وليس بالاتجاه لـ«تسعير« المرأة المصرية بما يعتبر بمثابة إهانة لها ولكرامتها.
بينما أكدت الدكتورة كريمة الحفناوى عضو الجبهة الوطنية للدفاع عن نساء مصر أن المحافظة على البنات وكرامتهن تتمثل فى رفع مستوى المعيشة لهن، ــ وكلنا نعلم كيف أن المصريين يتحايلون على القانون، فهناك قرى بأكملها تبيع بناتها ولهذه الأسباب ترفض قرار وزير العدل باعتباره يسهل بيع البنت الفقيرة فى صورة عقد زواج رسمى.
أسوأ أشكال العبودية
أما المركز المصرى لحقوق المرأة فطالب على لسان رئيسته نهاد أبو القمصان ـ وزير العدل بتطبيق هذا القانون دون استثناء، والحوار مع المجتمع المدنى حول آليات الحماية للمرأة المصرية بعد ما آثار هذا القرار عاصفة من الرفض نتيجة للخلط بين أمرى الزواج العرفى أو ما يعرف بالزواج السياحى، والذى يعد أسوأ أشكال العبودية من حيث وجود سمسار، وولى للفتاة وشخص يدعى أنه يكتب العقد العرفى ويفتقد معنى العقد سوى كونه ورقة تغطى ممارسة الدعارة حتى لا يتورط السائح فى مشاكل مع الشرطة، وهى جريمة لا تدخل فى اختصاص وزارة العدل إلا بعد تدخل وزارة الداخلية.والزواج الرسمى يتم توثيقه فى مكاتب وزارة العدل، يدخل تحت رقابة ومسئولية وزارة العدل والذى بموجب هذه المسئولية أصدر الوزير القرار، وجاء على لسان المتحدث الإعلامى لوزارة العدل ان الهدف «تحصين البنت المصرية وتأمين مستقبلها». وأكدت رئيسة المركز أن قانون التوثيق منذ عام 1976، يمنع تجاوز فارق السن بين الزوج الأجنبى والزوجة المصرية 25 سنة. وقد تتم حالات استثنائية بموافقة وزير العدل. و لكن فى عام 1993 ـ تحت ضغط جماعات الإسلام السياسى ـ حول وزير العدل آنذاك الاستثناء لقاعدة عامة، وجعله مشروطا بتقديم شهادات استثمار ذات عائد دورى بالبنك الأهلى المصرى بمبلغ 25 ألف جنيه باسم طالبة الزواج، وفى عام 2004 بدلا من إلغاء الاستثناء، زاد هذا المبلغ إلى أربعين ألف جنيه، بالتالى جاء قرار وزير العدل الحالى بجعل الاستثناء هو القاعدة ورفع قيمة الشهادات من 40 ألفا إلى 50 ألف جنيه.وترى رئيسة المركز أنه من الأفضل لحماية المرأة من الاستغلال وضمان حقوقها ليس زيادة المبلغ وإنما العمل لتحقيق عدة اجراءات منها: ــ الرجوع الى الأصل فى القانون والذى يجعل حالات الزواج بفارق 25 سنة من أجنبى غير مسموح به لما ينطوى عليه من شبهات للإتجار، ودعم النظام القانونى والقضائى لمحاربة جريمة الإتجار فى النساء بما يسمى «الزواج السياحى»، وفتح حوار مجتمعى مع المتخصصين لدراسة ضمانات هذا الزواج بما فيها الشروط المالية وذلك فى كل الحالات التى تتوافق مع شرط السن حتى نمنع الإتجار عبر الحدود، وتحمل باقى الوزارات مسئولياتها فى رفع مستوى المعيشة والحد من الفقر للحد من هذه الجريمة.
اقتربت منها وعرفتها بنفسى أننى صحفية فى الأهرام كى تطمئن الى وقلت لها يا حاجة أم نواف هل عرفت قرار وزير العدل الذى يشترط أن يقدم الزوج العربى عندما يتزوج من مصرية شهادة بـ50 ألف جنيه؟ فنظرت إلى باستغراب كأنها لم تفهمنى.. إنها الحاجة أم نواف التى تفتح كشكا صغيرا على ناصية الشارع والمعروفة فى مجال تزويج الرجال العرب للفتيات المصريات اللاتى يعشن تحت خط الفقر سواء فى القاهرة وأريافها او فى المحافظات الأخرى، وكانت أم نواف بالنسبة لى الصندوق الأسود الذى فتحت أبوابه بشرط منها ألا يضرها ما أكتبه فى شىء، لأنها لاتعرف أن تقرأ أو تكتب.
وحكت أم نواف عن تجاربها فى هذا المجال قائلة بتلقائية وبساطة شديدة، «أيام ما كنت بشتغل فى هذا الموضوع معظم اللى جوزتهم إما أب عاوز يخلص من بناته علشان يعيش مع زوجته الثانية او بسبب الفقر والمرض وكتر العيال، وعلى فكرة كل الجوازات دى فشلت وكانوا بيشتغلوا خدامين عند زوجات وأولاد أزواجهم العرب، وكتير رجعوا ومعاهم أطفال على كتفهم.. شكرتها ولم أجد ما أقوله بعدما لخصت المشكلة ببساطتها.
الفقر والجهل
أشار المستشار عبد المعز إبراهيم رئيس محكمة استئناف القاهرة سابقا الى أن القرار قديم وكان قبل ذلك ينص على أن يقوم الزوج الأجنبى بإيداع مبلغ 40 ألف جنيه لحساب الزوجة المصرية فى البنك، وما فعله المستشار الزند هنا هو رفع قيمة المبلغ الى 50 ألفا، لأن فيه ضمانة للزوجة، ولكن القرارت فى حد ذاته لايحل المشكلة التى تكمن فى عنصرين أساسيين هما الفقر والجهل، أما الأول فهو يدفع حاجة الناس للمال الى الموافقة على زواج بناتهم من العرب، وتكون الزيجة هنا غير صالحة لأنها تفتقد عنصر التكافؤ بين الزوج والزوجة من حيث فارق السن الكبير، والحالة الاجتماعية والمادية، والزوجة المصرية عندما تتزوج من عربى يكبرها بسنوات كثيرة تعلم أنها ستعمل خادمة لزوجته وأولاده، وليست شريكة لعمره.
وأضاف المستشار عبد المعز أن العنصر الثانى والخطير أيضا هو الجهل الذى يساعد على عدم تقدير المسئولية والنتائج المترتبة على هذا الزواجت وهو أمر يستوجب معالجة المشكلة من الأساس برفع مستوى معيشة الأسر الفقيرة ورفع مستوى تعليمهم.
العلاج فى مكافحة الظاهرة
وأعربت رباب عبده نائب رئيس الجمعية المصرية لمساعدة الأحداث وحقوق الإنسان عن رفضها لمضمون القرار، وقالت إن هذا الأمر يؤكد أن وزارة العدل بمعزل تام عن جهود الدولة الرامية الى مكافحة إحدى الظواهر المجتمعية التى تهدد أمن وسلامة بنات وسيدات مصر، مستغلة فى ذلك حالة العوز المادى وتدنى الأوضاع الاقتصادية عند بعضهن، وهى ظاهرة الزواج الصيفى أو زواج الصفقة حيث يتم استغلال الفتيات الصغيرات فى الزواج (السياحى) بينها وبين شخص يكبرها بعقود بشرط امتلاكه السعر، والذى حدده وزير العدل بثمن بخس، هو تأصيل وتأكيد على أن من يملك ثمن الشهادات المشار إليها بالقرار سالف الذكر سيتمكن من إتمام الصفقة ولكن فى إطار قانونى وبموافقة ومباركة من وزارة العدل المصرية.
ورأت أن هذا القرار جاء بشكل غير مدروس وبمعزل تام عن جهود المجتمع المدنى على مدار سنوات عديدة فى مكافحة هذه الظاهرة، وأضافت رباب عبده أنه من الزاوية القانونية والحقوقية لابد من إعادة النظر مرة أخرى فى هذا القرار المعيب من جديد وفى إطار أوسع من التعاون مع منظمات المجتمع المدنى العاملة فى مجال الدفاع عن حقوق المرأة، وتماشياً مع جهود الدولة فى دعم قضايا المرأة والدفاع عن حقوقها والنهوض بها فى جميع المجالات، وبما يتماشى مع توجهات الدستور المصرى الذى رسخ لحقوقها، وكذا إجراء نوع من المواءمة القانونية والتشريعية مع الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحقوق المرأة، فى رأيى أن هذا القرار محاولة من وزير العدل (غير صائبة) لحل المشاكل الناتجة عن زواج العرب بالمصريات أثناء وجودهم بمصر، وذلك لأن هذا الشرط المالى (البخس) لن يسهم فى حل الأزمة لأنه لن يكون عائقا أمام أى مسن ثرى أن يتمتع بالفتاة الصغيرة ثم يطلقها إن أراد فى أى وقت، وبهذا لن تحل مشكلة زواج المصريات بالعرب.