حيث حرصت على أن تبعث برسائل إطمئنان على جديتها في التوصل إلى سلام دائم بل وإطلاق هدنة لوقف القتال تتزامن مع بدء المحادثات لمدة أسبوع قابلة للتجديد ، كما أكدت رغبتها في تسوية سياسية لا تتجاهل وجود الحوثيين ضمن الترتيبات القادمة . الأمر نفسه مع الحوثيين والرئيس السابق علي صالح والذي أعلن أخيرا تسمية الوفد المشترك إلى المفاوضات مع تهدئة نسبية في وسائل إعلامهما وإن كان القتال ما يزال مستعرا في محافظة تعز ومناطق الوسط في محاولات لإخضاعها قبيل وقف إطلاق النار ، كما يكثف الحوثيون مغامراتهم العسكرية للتوغل الفاشل في الأراضي السعودية لتحسين وضعهم في التفاوض .
وعلى المستوى الخارجي تبدو الإستعدادات الدولية والإقليمية لإنجاح جنيف 2 أفضل حالا من جنيف الأولى في ضوء توجهات العواصم الكبرى نحو ضرورة تسريع الحل السياسي في اليمن بسبب تزايد إنتقاد المنظمات الدولية للعمليات الحربية وتأثيرها على المدنيين وتفاقم الأوضاع الإنسانية والقلق من توسع سيطرة الجماعات المتطرفة على اليمن بعد سقوط عواصم محافظات في الجنوب وإغتيال محافظ عدن ، وهو نفس الأمر الذي شددت عليه العواصم الخليجية, والتي صدرت منها إشارات لافتة تعطي ضوءا أخضر لتمرير إتفاق سلام في اليمن خاصة بعد أن تأكدت من نزع وتدمير عناصر القوة الرئيسية لدى الحوثيين وأتباع صالح وتحييد طهران في الملف اليمني ، كما جاء الإعلان الخليجي عن مبادرة لعقد مؤتمر دولي لإعادة إعمار اليمن عقب التوصل إلى إتفاق السلام ليعطي مؤشرا إيجابيا وبوادر أمل جديدة تجدد فيها دول الخليج إلتزامها بدعم اليمن .
ومن جانبها تكثف الأمم المتحدة ومبعوثها إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد جهودها لتهيئة الأجواء لإنجاح مفاوضات جنيف 2 من خلال ممارسة كل وسائل الضغط على الأطراف اليمنية وخاصة جماعة الحوثيين والرئيس السابق لعدم إهدار الفرصة الأخيرة للسلام والإنخراط طوعا في إجراءات لبناء الثقة تمكن الوفود المشاركة من التوقيع على مسودة إتفاق يقدم حلولا وسط لتطبيق قرار مجلس الأمن 2216 . وفي هذا السياق أعلن مكتب المبعوث الأممي أن مكان المفاوضات في سويسرا سيكون سريا ولن تحضره وسائل الإعلام ولن يسمح للأطراف المتحاورة بإعلان أي تصريحات قد تهدد أجواء التفاوض . وسعت الأمم المتحدة إلى إعداد ميثاق شرف للمشاورات يتضمن عددا من القضايا الرئيسية وعلى رأسها "إطار العمل العام لعودة اليمن إلى عملية الانتقال السياسي السلمي والمنظم، انطلاقاً من قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، بما فيها القرار 2216. وبحسب الميثاق المقترح يجب أن يبني الإطار العام "خارطة طريق متفق عليها"، بالخطوات والمعالم وتسلسلها الزمني في التوصل إلى وقف إطلاق نار دائم ومستدام، والانسحاب المتفاوض عليه للقوات العسكرية، والاتفاق على إجراءات أمنية مؤقتة ، كما يشدد ميثاق الشرف على التعامل مع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة ، واستعادة الحكومة سيطرتها على مؤسسات الدولة واستئناف عملها بصورة كاملة. ومن ضمن إجراءات بناء الثقة ،التي سيناقشها الطرفان ويتشاركان في بحث حلول لها، الإجراءات الفورية لتحسين الوضع الإنساني، وإنعاش الاقتصاد وإطلاق المعتقلين، إضافة الى وقف إطلاق النار بشكل محلي، حيثما أمكن، كخطوة أولية نحو إعلان وقف إطلاق النار على المستوى الوطني .
ورغم هذه الأجواء الإيجابية فإن القلق من الفشل والإخفاق الذي تكرر كثيرا له مساحة من الحضور أيضا في ظل غياب الثقة والمواجهات العسكرية على الأرض ، وهو ما عبر عنه مندوب اليمن الدائم لدى الأمم المتحدة في نيويورك السفير خالد اليماني والذي يعتبر أن جماعة الحوثيين وقوات صالح تضع عدة عراقيل لإفشال التحضير لإنجاح مشاورات جنيف 2 . وكانت المقاومة الشعبية الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي في محافظة تعز ÞÏ أعلنت رفضها للمفاوضات السياسية مع الحوثيين وحزب الرئيس السابق، معتبرة أنها بعد كل التضحيات التي قدموها تعد تفريطاً بدماء الشهداء، وتفتح باب الفوضى على مستوى اليمن والإقليم.
وإتهمت المقاومة الحوثي وصالح بأنهم يتخذون من المشاورات فرصة للمناورة وكسب الوقت لإعادة ترتيب أوضاعهم، ونشر مليشياتهم والتقاط أنفاسهم، منبهة الجانب الحكومي إلى ضرورة الحذر من الوقوع في فخ الخداع والتضليل .
وفي المقابل تحركت جماعات سياسية تضم وزراء سابقين ومثقفين ومفكرين يمنيين لحشد التأييد الشعبي للتوصل إلى إتفاق سلام وإنهاء معاناة اليمنيين تحت عنوان " اليمنيون ينشدون السلام " .
وقال بيان صادر عن المساهمين في المبادرة أن أكثر من ٦ ملايين يمني لقوا حتفهم، وجرح أكثر من ٢٦ ألف أغلبهم من المدنيين في الجانبين ، كما شردت الحرب الأخيرة وحدها أكثر من ٢ مليون يمني من منازلهم ووضعت أكثر من ٦ مليون يمني على حافة المجاعة منذ نهاية مارس المنصرم ، وأصبح أكثر من 20 مليون يمني بحاجة ماسة للماء والغذاء والوقود والعلاج والتعليم والأمن .
ودعا أصحاب المبادرة زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي والرئيس السابق علي عبدالله صالح، إلى وقف القتال ووقف استهداف المدنيين والمناطق المأهولة بالسكان والمنشآت المدنية ، ورفع الحصار عن المدن، والسماح بمرور المساعدات الإنسانية والشحنات التجارية لكافة المناطق اليمنية . كما دعوا الحكومة اليمنية ودول التحالف العربي إلى وقف استهداف المدنيين والمناطق المأهولة بالسكان والمنشآت المدنية ، وتسريع عمليات الإغاثة الإنسانية، ورفع الحصار الاقتصادي الخارجي .
وشدد السياسيون والمفكرون اليمنيون على أن استمرار دائرة العنف والإرهاب والحروب قد أفقد اليمنيين الثقة بالأطراف السياسية المحلية والإقليمية والدولية ، إلا أن الأمل في تقديم التنازلات الصعبة من قبل جميع الأطراف لإنجاز اتفاق سلام دائم وملموس في المفاوضات القادمة مازال قائما .