إن الحرص الكريم احتفل به المولى عز وجل بقوله: «لقد جاءكم رسول من أنفسكم، عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم».
وعندما هبت نسماته، وأشرقت أنواره، وفاح شذاه، كان حافلا بالهدي، وهو أعلى مراتب الاستقامة، ومليئا بالرحمة ومكارم الأخلاق والمحاسن والأفعال المحمودة التى قدمت المنهج النبوى فى تربية الأمة، محاطا ببهاء عظمته، ومزهوا بخلق رفيع هو سر عظمة الرسول الكريم. لقد نشر الإيمان، ليمنح الإنسانية عقيدة التوحيد الصافية الغالية التى تخلص الناس من الخوف والوجل والإرهاب، فيعلموا علم اليقين أن الله وحده خالق كل شيء، ورازق كل حي، ومدبر كل أمر، وأن العبودية له وحده، والإيمان به وحده، وبعقيدة التوحيد حفظ الإنسان من كل أنواع العبودية والرق، وأعطاه السكينة والطمأنينة، ليحس بالهداية بعد الحيرة، والاستقرار بعد التخبط، والأمن بعد الخوف.. لقد عرف الطريق، إنه الصراط المستقيم، الذى يهدى إليه محمد صلى الله عليه وسلم المحمود فى أخلاقه وأحواله، والسراج المنير الحريص على المؤمنين يقول سبحانه: «وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم، صراط الله الذى له ما فى السموات وما فى الأرض«. وفى مسيرة الحرص على المؤمنين، دعا الى الوحدة الإنسانية، والمساواة بين البشر، فى إعلان رائع، وثورة شريفة، لا تسمج بنزعات عنصرية، ونعرات جنسية، بل تنبذ شعور الاستعلاء المقيت، والتعصب الذميم، والحقد الطبقي، وتحث على الأخوة البشرية، وتنشر الحب والإخاء للناس كافة يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس: إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربى على أعجمى فضل إلا بالتقوي». إن رسول الإنسانية كان حريصا على إعلان كرامة الإنسان وسموه، وشرف الإنسانية وعلو قدرها، ليقضى على ما كان يعانيه البشر قبل البعثة المحمدية، من حضيض الذل والهوان، ويذيع الرحمة، ويجعل المؤمن يرق للضعيف، ويألم للحزين، ويحنو على المسكين، ويمد يده للملهوف، وينفر من الإيذاء والقسوة والظلم، ويصبح مصدر خير وبر وسلام. يقول الهادى المختار: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء». ويقول أيضا: «إنما يرحم الله من عباده الرحماء».
ومن الواضح أن الرحمة أثر من آثار منهجه العظيم فى الحرص على المؤمنين، يسعى إلى تكوين مجتمع مسلم مترابط، تسوده عواطف حميدة، وفضائل نبيلة، تتدفق باليسر والخير والتعاون والتكافل والتعاطف. ولم يفت الرسول صلى الله عليه وسلم فى حرصه على المؤمنين أن يحارب اليأس والتشاؤم، ويبعث الأمل والرجاء، والثقة والاعتزاز فى نفس الإنسان، ويزيل ما كان يظنه البعض من الانفصال بين الدين والدنيا. إن رسولنا الأمين كان شديد الاهتمام بالدعوة إلى العمل وإتقانه، والجمع بين الدين والدنيا، والتنبيه على أن المؤمن مطالب بالعمل والجهد، والكفاح البناء والتعمير، وتأدية دوره فى الحياة، والانتشار فى الأرض، على أن تكون الآخرة نيته وغايته وأمله يقول سبحانه: «وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون»، وعلى أن يكون العدل والإحسان والتقوى مسلكه ومنهجه. يقول الرسول الرءوف الرحيم بالمؤمنين: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه. من كان فى حاجة أخيه كان الله فى حاجته. ومن فرج عن مسلم كربه فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة»، ومن فضائل حرصه على المؤمنين وصلاح شأنهم الاهتمام بالإرشاد إلى أن الانقطاع عن الحياة والسعي، والاتجاه إلى العبادة فقط منهى عنه وتعطيل للعمل والإنتاج والجهاد، وعلى المؤمن أن يعمل، ويأخذ نصيبه من الدنيا، ويدرك أن الله مراقبه فى كل ما يقول، وكل ما يعمل، ولا شك فى أن حرص الرسول الكريم على المؤمنين حرص دائم حكيم أمين، تجلى فيما ذكرناه، وفى دعوته إلى اتباع أوامر الله، واجتناب نواهيه، والحفاظ على ما فى شريعة الإسلام من إجلال فضل وشرف العبادات، وحقوق المعاملات، وتوقير العمل الصالح، والحلال الطيب، وفعل الخيرات، وذلك كله رشد وصلاح، واعتصام بدين الله، «ومن يعتصم بالله فقد هُدى الى صراط مستقيم».