وعلى فرض الجزية ونحن فى عصر المواطنة، ولكيلا تتطرق أفكارهم ولا أذواقهم نحو الفنون والآداب، فالغناء حرام والتماثيل حرام، والشعراء يتبعهم الغاوون!! حتى صارت خشونة العقول وخشونة الأذواق من خصائص الواعظ! وكيف يُثقِّفُ نفسه فى الهندسة الوراثية، وهى تعدٍ على مراد الله؟! وكيف يقرأ فى الفلك الدوار، وقد سمع من فقهاء عصره من يقول إن الأرض لا تدور. وكثير من عندنا، لم تدربهم دراسات الشريعة وعلوم الدعوة ولا دراسات أصول الدين على حرية الغوص فى أعماق النصوص، واستباط ما يتلاءم مع واقع الناس .
من أجل ذلك وغيره وهو كثير، كان لنا هذا التحقيق الذى يتناول كيفية تقويم الدعاة، وهل هناك برامج جديدة لتقويم الدعاة أم أننا نقيس التجديد فى الخطاب الدينى بمقاييس قديمة، دون أن نحدد المفاهيم والمصطلحات والدلالات، فما هى المعايير الموضوعية للخطاب الدينى المأمول حتى نحدد عن طريقها المعايير الموضوعية للداعية الناجح؟
علماء الدين يؤكدون أن تقويم الدعاة لن يتم بدورات روتينية، يُجازى فيها خالع العمامة، إنما نحن أمام منظومة متكاملة، تبدأ بإشباع الواعظ ماديا، لكى لا يضطر للعمل على توك توك لإطعام أولاده، مرورا بتغيير مناهج الكتب الصفراء، أفرزت لنا داعش نصنع لأنفسنا الخطاب الدينى الذى يجارى الدنيا المتحركة من حولنا أفضل أم نتركهم يصنعون هم الفكر الدينى الذى يناسبهم؟
ولكيلا نقفز تلك القفزات الكبيرة كما تفعل المؤسسات الدينية دون ترتيب الأولويات، فلا تقويم للدعاة دون وضع مقوم حديث يتناسب مع حديث التجديد وألا نلجأ للمقاييس القديمة لنقوم بها الحديث، ولا تقويم للداعية الناجح قبل أن نحدد المعايير الموضوعية للخطاب الدينى المأمول.
حول مقومات الداعية الناجح وآليات تخريج طالب أزهرى يجمع الناس حوله بوسطية وسماحة المنهج الأزهري، ومشكلات الدعوة وتجديد الخطاب الديني، يقول الدكتور وجيه زكريا عمران، رئيس قسم الدعوة والثقافة الإسلامية بكلية أصول الدين والدعوة بالزقازيق، إن نجاح الدعوة والداعية يتلخص فى كلمة من ثلاثة احرف (عدة) نأخذ حرفا من كل كلمة من ثلاث كلمات وهى علم وقدوة وهمة فالعين من علم والدال من قدوة والهاء من همة فإذا نجحت العدة من خلال الدعوة ينجح الداعية، وهناك أهداف كثيرة تتحقق للداعية من خلال نجاحه فى مجال الدعوة تتمثل فيما يلي:الاول العلم: الذى يعمل على عصمة العالم من الوقوع فى الزلل وسد الخلل، وعدم الإنكار على المخالفين ما دام الامر من المختلف فيه وليس من الأمور اليقينية المتفق عليها، وهناك نماذج كثيرة من العلماء والدعاة الناجحين الذين امتلكوا براعة سعة الخلاف وقبول الرأى الآخر
والأمر الثانى القدوة: ولابد من ارتباط القدوة بالعمل لان العلم بلا عمل كشجر بلا ثمر، وكذلك العبادة على غير علم تفسد أكثر مما تصلح، وعندنا حديث النبى الكريم صلى الله عليه وسلم الذى يقول فيه يخرج قوم من أمتى يقرأون القرآن صلاتكم إلى صلاتهم ليست بشيء وصيامكم لصيامهم ليس بشيء وقراءتكم لقراءتهم ليست بشيء صلاتهم وقراءتهم لا تتجاوز تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، وهذا دليل على ضرورة ارتباط العلم بالعمل.
والأمر الثالث الهمة: والقرآن ذكرها بالنسبة للطير كالهدهد، والحيوان مثل كلب أهل الكهف مثلا، فالكلب المعلم فى القرآن له قيمته كذلك همة سيدنا يوسف الشاب الذى رفض المعصية وكان عفيفا، والهمة أيضا عند ابن ام مكتوم رغم انه كان كفيفا الا انه حرص على العلم، واستأمنه النبى على المدينة فى الصلاة وإمامة الناس، فى ثلاث عشرة غزوة قادها النبى صلى الله عليه وسلم وكان يريد ان يشارك فى الغزوات وكان يقول انا لا استطيع ان افر فان حدث انكسار اقتل لكن الراية لا تسقط، ومات شهيدا فى المعركة.
من جانبه يرى الدكتور رمضان عبد العزيز عطا الله رئيس قسم التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر، أن الدعوة إلى الله بحاجةٍ إلى دعاة يدركون أن الناس أصناف عدة؛ منهم المؤمن بدعوته ورسالته، ومنهم المتحامل عليها، ومنهم المتردد فى الإقبال عليها لما يقال عنها من شبهات، ومنهم النفعى الذى ينتظر مغنمًا، ولكل صنف من هؤلاء جهد ودعوة خاصة، والداعية الناجح عليه أن يقيم نفسه أولا قبل أن يقيمه غيره، وذلك من خلال أمرين، الأول: ومدى تقدمه العلمى والثقافى وتقدم مواهبه وحصوله على المعلومات المختلفة التى أثرت فى فكره ورفعت مستواه العلمى والفقهي.
والثاني: وهو مدى قدرته على إقناع الآخرين بدعوته ومدى الاستجابة له، ومدى قدرته على التأثير فى مجتمعه، حتى يحقق هدفه السامي، وهو وصول دعوته إلى الناس كافة.
ويؤكد الدكتور عبدالله كامل، إمام وخطيب مسجد السحار بالهرم أنه لإعداد العلماء الذين تأتى الثمرة بهم وتنصلح حال الأمة خاصة الشباب الذين يمثلون النسبة المئوية العظمى فى بلادنا، فلابد أن تتحقق فيهم شروط، وأول هذه الشروط العلم (فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما)، والأمر الوحيد فى القرآن الذى أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يزداد منه هو العلم (وقل رب زدنى علما)، فداعية بلا علم يشكل خطورة عظمى فى الموعظة وفى الفتوى وفى قيادة الناس وفى توعيتهم وتبصيرهم.
والثاني: أن يكون هذا العلم علما صحيحا نافعا، فقد تعوذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من علم لا ينفع؛ فالعلم غير الصحيح مضرة عظمى وخير منه الجهل.
والثالث فى الداعية أن يكون على علم بواقع الناس وأحوالهم؛ لأن الفتوى تختلف باختلاف الزمان والمكان واختلاف الشخصية.
والشرط الرابع: توافر الثقافة العصرية التى تجعل الداعية ملما كالحاسب الآلى مثلا وبشيء من الاقتصاد وعلوم الاجتماع حتى يستطيع التمييز بين معاملات البنوك مثلا والربا، وبين الحجاب والنقاب، وبين مظهر المسلم المناسب من وجاهة وحسن منظر وبين الالتزام بزى أو هيئة معينة، فالثقافة الواسعة والقراءة الكثيرة تجعل الداعية إنسانا عارفا بزمانه خبيرا بمجتمعه. أما الشرط الخامس فهو التطبيق العملى للخلق الحسن.
وأضاف: إن هذه الأسس الخمسة ينبغى أن تكون الأساس فى تقويم الداعية وتقويم الواعظ وتقويم الخطيب والمفتى وكل من يتعرض للدعوة إلى الله. فحين نريد التقويم ينبغى أن نسقط كل من لا علم له ومن لا نفع فيه فإنه يضر أكثر مما ينفع، ونضع ضوابط لبيان معرفته بواقع الناس ومدى ثقافته العصرية، وحين تتم هذه الآليات نستبشر بوجود علماء عاملين وأئمة ووعاظ يلتف حولهم الناس ويستمعون لهم ويحبونهم ويأتمنونهم على أسرارهم الذاتية وأحوالهم الشخصية ويحب الناس استضافتهم فى البيوت والنوادى والمجتمعات فيحدث التفاعل المطلوب بين الإمام والمأمومين والخطيب ورواد المسجد والواعظ ومن يستمع له. فتنهض الأمة وينصلح الحال وتنطلق مصر والإسلام بعلم صحيح نافع وخلق قويم رائد.
وفى سياق متصل يقول الدكتور نبيل السمالوطي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر وعميد كلية الدراسات الإنسانية سابقا: قبل أن يكون هناك معايير موضوعية لتقويم الدعاة يجب أولا أن نحدد أمرين أساسيين، الأمر الأول الخصائص الواجب توافرها فى الداعية حتى يسمى داعية أو إماما أو خطيبا أو محاضرا دينيا أو حتى مدرس تربية دينية.. إلخ.
الأمر الثانى الواجب وضع معايير له ونشره وتوضيحه ما هو الخطاب الدينى المطلوب فى هذا العصر وما هى خصائصه وشروطه والمتطلبات التى يجب على الخطاب أن يحققها سواء فى مجال نقل صحيح الدين بجوانبه الأربعة العقيدة، والشريعة، والأخلاق والقيم، والحضارة الإسلامية أو بالنسبة لمتطلبات الجماهير التى تريد أن تسأل تساؤلات كثيرة جدا حول الأحكام الشرعية المتصلة بحياتها المعاصرة، وهذه تتغير من زمان إلى زمان.
ويجب أن يكون الداعية متخصصا حائزا على إجازة علمية من جهة مسئولة، ثانيا أن يكون قادرا على التعامل الجماهيرى مع الناس.