واعلان رغبتهما الصادقة فى حل مشكلة الجزيرة، الا انه مازال هناك الكثير من القنابل الموقوتة التى تكمن فى تفاصيل المفاوضات بين الجانبين مثل تقاسم السلطة ،وحقوق الممتلكات والأراضي، وإلغاء القوى الضامنة والتى كانت السبب الرئيسى فى التدخل الاجنبى وانتهاك سيادة قبرص .
وترجع قصة الانشطار الى عام 1974حين قامت القوات التركية بغزو الجزيرة منتهكة مواثيق ومبادئ الأمم المتحدة التى تحكم العلاقات بين الدول، متحدية بذلك كل القوانين الدولية لتحتل أكثر من 36% من الاراضى القبرصية شمال البلاد، وطردت 200 ألف مواطن قبرصى يونانى من ديارهم تحولوا بين عشية وضحاها الى لاجئين، ويمثلون أكثر من ثلث السكان، وقد منحتهم الحكومة القبرصية مساكن ايواء. كما حاصرت القوات التركية 20 الف قبرصى وأجبروهم على ترك ديارهم بحثا عن ملاجئ فى المناطق الخاضعة للحكومة القبرصية، هربا من الاضطهاد وانتهاك حقوقهم الانسانية، واستمرارا فى النهج التركى الذى يضرب عرض الحائط بالقوانين والأعراف الدولية فقد أقامت تركيا سياج «آتيلا» نسبة الى اسم الحركة التى أطلقتها أنقرة على عملية الغزو المسلح التى قامت بها، وشطر الدولة الى نصفين منذ عام 1974.ولا يعمل هذا السياج على فصل الجزء التركى عن القبرصى على الأرض فقط، انما اصبح أيضا بمنزلة حاجز نفسى بين القبارصة اليونانيين والاتراك زرعه الاحتلال التركى، الذى نجح فى فصل الجزيرة بالقوة بعد 4 قرون من السلام والوئام المشترك .
والمزعج دوليا فى الموضوع أن القيادات القبرصية التركية المتعاونة مع أنقرة فرضا لسياسة الامر الواقع ، قد أعلنت الجزء المحتل من قبرص دولة مستقلة عام 83،مما دفع مجلس الأمن لإدانة هذا القرار الذى أيدته تركيا وكانت الدولة الوحيدة فى العالم التى تعترف بهذا المولود غير الشرعى. واستمر الحال على ما هو عليه قرابة الـ 4 عقود تخللها جولات مفاوضات فاشلة بين الجانبين كان آخرها فى مارس2011، بسبب عدم الاتفاق على نقاط مفصلية تعد حقا لقبرص، ولكن مازالت تتمسك تركيا بها ، مثل تعويض القبارصة الذين تم تهجيرهم قصرا عن ممتلكاتهم التى استولى عليها الاحتلال التركى، ونظام الحكم وقضايا أخرى عالقة.
الا ان سعى الجمهورية القبرصية التى انضمت الى الاتحاد الأوروبى فى الأول من مايو 2004 ان تصبح جسرا مهما يربط بين دول الشرق الأوسط والاتحاد الأوروبى، هو ما يدفعها لايجاد حلول لهذه القضية، من أجل اعادة توحيد الجزيرة واستعادة مواردها البشرية التى أهدرها الاحتلال التركي، الذى يتحكم فى أكثر من 70% من نشاط الجزيرة الاقتصادى من خلال الجزء الشمالى المحتل.
وقد عقبت مصادر اعلامية حول تعثر المفاوضات واستئنافها مجددا بانها بمنزلة قبلة الحياة التى تعطيها قبرص للمفاوضات، فى كل مرة تدخل فيها غرفة الانعاش، ويتجلى ذلك واضحا فى موقف الرئيس القبرصى نيكوس أنستاسيادس الذى أعلن رغبته فور توليه السلطة فى فبراير 2013 فى ان يتم التوصل الى حل لمشكلة قبرص فى اقرب وقت «أدعو مواطنينا من القبارصة الأتراك أن يكونوا شركاء فى جهود إعادة التوحيد من أجل إقامة وطن ومن دون قوات الاحتلال من أجل إنشاء قبرص أوروبية مسالمة مزدهرة ...».
وهو ما ترجمه الرئيس القبرصى انستاسيادس وزعيم القبارصة الأتراك السابق «درويش أر أوغلو» الى خطوات بتبنى اعلان مشترك فى فبراير 2014 ،يمهد لاستئناف المفاوضات التى تدعمها الأمم المتحدة لتسوية الأزمة القبرصية،واستكملها زعيم القبارصة الجديد مصطفى أكنجى والذى أعرب عن رغبته فى التحرك السريع لحل القضية.ومن ثم حرص على عقد اجتماعه الأول بالرئيس القبرصى انستاسيادس فى 17 يونيو الماضى فى مكتب بعثة النوايا الحسنة التابع للأمم المتحدة، بالمنطقة الفاصلة بين شطرى الجزيرة الشمالى والجنوبى بمشاركة المستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لشئون قبرص، وقد أعلن الطرفان ارتياحهما لنتائج المفاوضات.
ولم يخف أكنجى الأسباب الحقيقية وراء رغبته فى تسوية الأزمة وهى حرصه على الانضمام للاتحاد الأوروبى من أجل خلق مستقبل أفضل للأجيال القادمة.، حيث صرح بذلك فى مؤتمر صحفى مشترك مع رئيس البرلمان الأوروبى «مارتن شولتس» فى بروكسيل.
وكان اكنجى قد أفصح عن سبب آخر يدفعه لايجاد حل للقضية وهو ان الدولة المزعومة مجهولة النسب، قد باتت تؤرقها فكرة انها غير شرعية، وكذلك وضعها الشاذ خارج المجتمع الدولى، وانها ترغب حقا فى أن تنضم لدول الاتحاد الأوروبى فى اطار القانون الدولى.
من جانبه أكد نيكوس خريستوليدس المتحدث الرسمى باسم الحكومة مدير المكتب الدبلوماسى للرئيس القبرصى، الذى التقيته فى قصر الرئاسة بالعاصمة نيقوسيا ضمن وفد صحفى مصرى، على أن الجهود والخطوات الجادة من الطرفين مستمرة. وقال ان الدور الذى تقوم به قبرص باعتبارها عضوا فى الاتحاد الاوروبى سيسهم كثيرا فى حل المشكلة، لافتا الى أن القضية القبرصية قد أصبحت قضية أوروبية ،وهو ما يدفع الاتحاد الأوروبى لمساعدة الجانب القبرصى على اعادة توحيد الجزيرة .واضاف ان المفاوضات قد أثمرت فى النهاية على قرار استفتاء الشعب وحده من الجانبين التركى والقبرصي، سواء على اعادة توحيد الجزيرة او فصل الجزء التركى بالشمال عن القبرصى بالجنوب .
وأوضح المتحدث انه لا يوجد جدول زمنى محدد يتعلق بانتهاء القضية القبرصية، ولكن ما يهم هى الموضوعات التى سوف تتم مناقشتها من خلال المباحثات والتوافق حول نقاط الخلاف، حتى يتم الاستفتاء بشكل واضح، مضيفا ان تركيا لديها ما يزيد على 43 الف جندى فى قبرص، وانه فى حالة الاتفاق فعلى تركيا أن تتخذ خطوات ملموسة ولابد ان تسحب قواتها الموجودة على الاراضى القبرصية .
وللتعرف على موقف مصر من القضية سألت السفير المصرى فى قبرص حسين مبارك على هامش الزيارة قال إن الموقف المصرى واضح من البداية فهى لم تعترف يوما بدولة قبرص التركية «ندعم ونؤيد كل المفاوضات الدائرة حاليا برعاية الأمم المتحدة لاعادة توحيد الجزيرة بما فيه مصلحة الشعب القبرصى فى المقام الأول». كما ان التوافق الحالى بين الرئيس القبرصى وزعيم القبارصة الأتراك هو فرصة يجب اقتناصها، مشيرا الى أن المفاوضات الدائرة حاليا بين الجانبين تحت رعاية ممثل الامين العام للامم المتحدة الى قبرص أسبن أيد وزير خارجية النرويج السابق قد اخذت دفعة قوية بعد انتخاب أكنجى فى مايو الماضى.
وبعد استعراض وضع الجزيرة الحالى فبصرف النظر عن نتائج المفاوضات والبنود الجديدة التى ستكتب فى «وثيقة السلام» سواء التعايش بين الدولتين، أو اعادة توحيد شطرى الجزيرة ، فان الشعب القبرصى وحده هو الذى سيحدد مستقبله من خلال استفتاء مهم سيجرى فى الجزيرة قريبا، وبناء عليه سيتخذ قراره اما اعادة الشمال الى حضن الجنوب مجددا أو الانفصال الى الأبد!