رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

حرب التسويات فى سوريا

دمشق:إبراهيم سنجاب
هل حقا حانت لحظة التسويات السياسية فى سوريا ؟ وهل فعلا غيرت التحالفات الجديدة الهيكل الجيوسياسى للمنطقة العربية والعالم بعد التدخل العسكرى الروسى ؟ فمنذ بداية الأزمة عام 2011 حتى لحظة إعلان نتائج قمة فيينا التى لم تحضرها الدولة السورية ونحن أمام حالة بدأت معقدة واستمرت كذلك إلى أن أصبحت أمرا واقعا .

فعسكرة الصراع وتدويله بين موسكو وواشنطن اللتان تحلق مقاتلاتهما فى السماء السورية تستلزم استراتيجيا القاء نظرة على الأرض التى يتقاتل عليها الجيش السورى النظامى مدعوما بمقاتلين من حزب الله وخبراء عسكريين من إيران كما تؤكد المصادر الرسمية فى دمشق , وبين عشرات المجموعات من المسلحين المهجنين المدعومين تسليحا ومقاتلين ومواقفا سياسية من الخارج . والحقيقة أن هناك جسما ملتئما واضحا كامل الاتحاد فى المساروالهدف والرؤية والغاية القتالية , يقاتل عدة اجسام متعددة الولاءات والأهداف والخبرات . 

ففى الجو يوجد حليف روسى شرعى يحلق إلى جوار طيران الدولة السوري باتفاق معلن , وعلى جانب آخر يحلق طيران 14 دولة ضمن تحالف دولى تقوده امريكا . فمن منهما القادر على الوصول إلى الهدف وأيهما اقرب و اقدر على تنظيم التعاون والتنسيق مع المقاتلين على الارض ؟ 

من حيث النوايا فقد جاء التدخل الروسى لمحاربة الإرهاب الذى قد يتخطى الحدود السورية إقليميا ودوليا وقد يصل إلى روسيا نفسها وهو واضح الهدف فالقصف كما أعلن سيطال كل من يحمل سلاحا غير شرعى , إما على الجانب الامريكى فيبدو الأمر وكأنه استثمار فى الإرهاب وانتقاء فى الأهداف والقيام بمسرحية تضخيم له , بحيث تمر جماعات مسلحة يقال أنها معتدلة من نفق المواجهات لتعلن سقوط الدولة السورية , دون التأكد من قدرتها على الحفاظ على حدودها وشعبها ومؤسساتها القائمة فعلا . 

وإذا قفزنا إلى مرحلة التسويات فالمراد من كل من يأتى إلى طاولة التسوية من المنظمات المسلحة , إن يسقط عن نفسه تهمة الإرهاب وذلك بالتخلى عن السلاح أو على الأقل تحييده إن لم يشارك فى القتال ضد داعش والنصرة المجرمتين بقرارات دولية واضحة وصريحة , وعلى سبيل المثال كيف سيدعى الجيش الحر الذى يتلقى الدعم بالمال والسلاح عربيا ودوليا إلى حوار مع الحكومة للخروج بتسوية فى حين أنه يقاتل الجيش النظامى للدولة ؟ !

من المؤكد أن القضية تتخطى الحدود السورية على الأقل بالنسبة للدولتين العظميين فروسيا باتت تنظر إلى مجال حيوى أكبر لمصالحها يتخطى دمشق إلى الشرق الأوسط كله , تلك البيئة المعقدة والمعسكرة التى تهدد مصالح العالم كله .

ولأن الأمر كذلك بالفعل فهناك احتمالان لا ثالث لهما , الأول أن يتمكن الجيش السورى النظامى من سحق المناطق المحتلة بما فيها من مقاتلين أجانب , والثانى أن تسلح أمريكا وحلفاؤها المنظمات المعارضة بأسلحة كاسرة للتوازن تستطيع بها إنهاء وجود النظام , ولكن هل ستصمت موسكو وتترك الأفضلية للخيار الامريكى ؟  بالتاكيد لا . 

فما هو المتاح اذن ؟ الحرب منذ بدايتها لم تكن منطقية والمتغيرات التى أحاطت بها هى أيضا غير منطقية , ولكن ما يجرى الآن هو , وجود جيش قادر على الأرض يتم التنسيق معه من الجو ويحقق انجازات بالفعل منذ اللحظة الأولى للتدخل الروسى , ووجود مقاتلين تأتيهم التعليمات من خارج الحدود فلا هم يمتلكون قرار اعلان وقف القتال , ولا هم يستطيعون الاستمرار فيه دون دعم من الخارج قد يتوقف يوما ما ,

إذن ما قيمة حرب لا يستطيع طرف أن ينهيها ؟ والإجابة أن عقول الدول العظمى ومؤسساتها لا تعرف الخصام لدرجة الاصطدام لا بالدوافع ولا بالنتائج , وما نراه من تصعيد بعض الدول الخليجية - وهى قوى محلية لا ترقى لدرجة الإقليمية  - بعد مؤتمر فيينا مرجعه أن الكبار قد سلموا ببقاء الدولة والجيش وهى كلها نتائج جاءت على العكس تماما من أهدافهم السابقة والتى أنفقوا من اجلها ما لا يقل عن 40 مليارا من الدولارات فى الداخل السورى فقط لدعم المنظمات المسلحة . 

لقد أصبح ما قبل التدخل الروسى ينظر إليه على انه ماض لن يعود فكانت الدولة بمفهومها الشرعى فى حالة حرب عنوانها البقاء , أما الآن فالعنوان الأكبر هو حرب التسويات  بين اللاعبين الكبار والإقليميين, وآخرين يمتلكون المال وربما المقاتلين ويصطفون خلف هذه القوة العظمى أو مع تلك . 

فالتركى على سبيل المثال لا يعنيه أكثر من الحدود المفتوحة والتى لم تغلق حتى اللحظة, وهو يناضل لكى تبقى مفتوحة لأنها لو أغلقت فستغلق معها أبواب الاستثمار الاقتصادي والاستثمار فى الأزمة السورية نفسها , وسيخسر من هذا الاتجاه بالإضافة إلى خسارة اكبر تأتيه من الفشل فى تبنى مشروع الإسلام السياسي (الأخوان المسلمين) فإحدى أساسيات شرعيته هى إرضاء تنظيم الإخوان الدولى فى الداخل التركى والخارج الداعم لكليهما . ولذلك فهو يعول على الموقف الامريكى لان هذا المشروع بالأساس أمريكى تم إعداده للمنطقة العربية والشرق الأوسط الجديد كنتيجة لسنوات الفوضى الخلاقة التى ابتلعها الشرق العربى بامتياز.

من المؤكد أن البيئة الدولية المحيطة بالشرق الأوسط من باكستان حتى حدود المملكة المغربية على شاطئ المحيط الأطلنطى قلقة , ودائما كان هناك صراع إرادات متضاد لخنق المجال الحيوى بين كل من القوتين الأعظم , فموسكو تريد أن تزيد من مساحة وعمق مجالها الحيوى فى حين تعمل أمريكا على تحجيمه وخنقه عن طريق أثارة القلاقل فى دول الجوار الروسى . وعلى سبيل المثال وخلال السنوات العشر الأخيرة فقد عملت موسكو على مواجهة حاملات الطائرات الأمريكية حول العالم (140حاملة ) بإنتاج غواصات ذرية بحيث استطاعت إن تعادل كل حاملة طائرات ب 10 غواصات , ومن المعروف أن سلاح الجو الروسى هوالسلاح الذى حيد الطيران الامريكى عبر تاريخ المواجهات بين البلدين حول العالم . 

الذى يعطى لروسيا أفضلية على أمريكا فى سوريا هو أنها لم تأت إلى ارض غريبة عن قيادتها فالتعاون بين البلدين قائم من عشرات السنين كما إن لديها خبراتها الاستخبارية والمعلوماتية الكافية قبل القصف وأثنائه بتعاونها مع الجيش السورى .

 فى المنطقة العربية 4 صراعات رئيسيه هى العراق وسوريا واليمن وليبيا هذا عدا الصراعات التى تحيط بجغرافيتها ومعظمها فى الجوار الروسى حتى حدود أوكرانيا وأفغانستان , وما يجرى هو الفصل قبل الأخير فى سباق اللعب على المكشوف تحت راية تقاسم النفوذ بين الدولتين العظميين وعلى الآخرين تحديد من سيلتحق بمن ؟ 

إذن روسيا لن تسمح لأمريكا بإسقاط كل سوريا , وعندما تقبل أمريكا بذلك وتسلم به فأين سيكون التعويض الذى تريده ؟ هل تقبل بنصف نفوذ فى العراق و دور اكبر فى الخليج واليمن أم ستصطدم بإيران ؟ والمؤكد أنها لن تذهب إلى نقطة اللاعودة مع روسيا التى ذهبت إلى الحرب بعد علمها بوجود مخطط كبير للإطاحة بمصالحها على شواطئ سوريا الدافئة والإضرار بإنتاجها من الغاز الذى تتحكم به فى أوروبا . 

فى المرحلة القادمة من اللهيب فى سوريا ستستمر مراعاة اتفاقات تامين سلامة الأجواء بين التحالفين ,فبالنسبة للسوريين فإن الحرب مستمرة على شكل التسوية النهائية والنصر فيها خطير والهزيمة أخطر . بينما يلعب الروس والأمريكان على أن الحل النهائى لا يشمل سوريا فقط , بل المنطقة كلها , ولم يعد رحيل الأسد شرطا معلنا , ولا إسقاط النظام ضرورة كما كان سابقا .

الآن اجتمع قرع السلاح فى الميادين مع همس الدبلوماسي قاعات المداولات, ففرض إرادة الفوز تتطلب التصعيد الدموى , وحتى هذه اللحظة لم يهزم أحد ولو كان رابحا ولم ينتصر أحد ولو ظن أنه انتصر. وما زال المشهد السورى محكوما بتطور العمليات فى الميدان لأن الحل السياسى سيحاكى نتائج الواقع على الأرض. وما يجرى فى سوريا هو خلاصة التناقضات الدولية والإقليمية التى تتعامل مع حقيقة أن أبواب جهنم لم تغلق بعد !. 

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق