رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

تحليل إخبارى
أبعاد ثالثة كبريات ضربات الإرهاب فى تونس

كارم يحيى
هذه هي ثالثة كبريات ضربات الإرهاب في تونس في غضون أقل من عام واحد، الأولي والثانية توجهت بالأساس ضد السياحة والسائحين مع الهجوم علي متحف باردو بالعاصمة في ١٨ مارس وضد فندق في مدينة سوسة الساحلية ٢٦ يوليو، وهذه المرة فان الضربة استهدفت رجال الأمن وعلي نحو خاص الأمن الرئاسي، وهي علي هذا النحو عودة الي استهداف القوات الأمنية والعسكرية.

وقد أصبح هؤلاء هدفا للإرهابيين تكرر الهجوم عليهم او الاشتباك معهم بعد ثورة ١٤ يناير ٢٠١١ انطلاقا من واقعة قرية "الروحية" بولاية سليانة الي الجنوب الغربي من العاصمة في ١٥ مايو من ذاك العام. ومن يتابع المواجهات بين القوات والإرهابيين في تونس علي مدي ما يقرب من خمس سنوات بإمكانه أن يلاحظ من حيث الكم والعدد تركزا جغرافيا في مناطق الغرب، وبخاصة في الوسط والجنوب الغربيين، وهي مناطق تشتهر بأنها الأكثر فقرا وبطالة بين الشباب والأقل حظا في التنمية بين عموم الأراضي التونسية منذ زمن الاستعمار وحتي في عهد دولة الاستقلال بعد عام ١٩٥٦، لكن مايلفت نظر المراقبين لملف الإرهاب في هذا البلد ان العديد من المواجهات هذه وقعت في مناطق حدودية أو علي مقربة من الحدود مع الجارة الغربية العملاقة الجزائر. وقد دفعت هذه الملاحظة الي الاعتقاد وحتي عملية باردو بأن غالبية الارهابيين الذين يستهدفون تونس يرتبطون بالقاعدة وتحديدا تنظيم قاعدة المغرب العربي، وأيضا ينحدرون من أجيال كانت علي صلة بتنظيمات العشرية السوداء في الجزائر، بما في ذلك "الجماعة الاسلامية المقاتلة" . والحقيقة ان الهجوم الكبير الثالث لهذا العام لا يحمل مفاجأة علي مستوي التوقيت والسياق الزمني، لكنه يمثل جديدا وصدمة علي مستوي المكان والجغرافيا، فقد انشغل التونسيون منذ نحو أسبوعين بأنباء تسربت عن مصادر أمنية عن إحباط مخطط لعمليات إرهابية داخل البلاد بالتزامن مع هجمات باريس ١٣ نوفمبر الجاري، كما انشغل الرأي العام اعتبارا من هذا اليوم بذبح الطفل راعي الأغنام مبروك السلطاني " ( ١٦ عاما ) في ولاية سيدي بوزيد ( الوسط الغربي ) وبإرسال رأسة مع قريبه " شكري السلطاني " الي والدته، وقد أكد الشريط المصور لاستجواب القتلة الصبي وإقراره بتعاونه مع الجهات الأمنية انتساب هذه الجريمة الشنيعة الي تنظيم داعش، ويعزز هذا التطور بيانات تبني فيها هذا التنظيم هجومي باردو وسوسة، وفي هذا ما يرجح عند المراقبين والمحللين في تونس مسارا جديدا للدعم اللوجستي للإرهاب سلاحا وحركة أفراد عبر الحدود الشرقية مع ليبيا ، وحيث تجني تونس بدورها ثمن غياب الدولة هناك وانهيارها. لكن بالعديد من المقاييس فإن مكان هجوم العاصمة مفاجأة، هذه المرة لا يقتصر الأمر علي نزول الإرهابيين من الجبال والحدود الي المدن والعاصمة، وحيث لاحقتهم خلال الأيام الاخيرة عمليات ناجحة لقوات الأمن التونسية، فقد ضرب الإرهاب الآن في أكثر المواقع قربا من شارع الحبيب بورقيبة المركز النابض للعاصمة والبلاد ومقصد السكان والمقيمين والسائحين، بل والأخطر أنه وقع في شارع محمد الخامس علي بعد خطوات من مبني وزارة الداخلية بشارع بورقيبة، ولايقارن ازدحام محمد الخامس بأي حال بالحبيب بورقيبة علي مستوي كثافة المارة أو بطء حركة السيارات في الثاني. ويفسر هذا لماذا اقتصر الضحايا من شهداء (نحو ١٢) و جرحي (نحو ٢٠) علي رجال الأمن الرئاسي في حافلتهم المستهدفة، ومن دون ان تقع خسائر بين المدنيين . لكن مفاجأة المكان علي هذا النحو تمتزج بالصدمة عندما نعلم بأن منطقة وسط العاصمة وتحديدا شارع الحبيب بورقيبة خضعا لاجراءات أمنية استثنائية منذ أقل من أسبوع واحد بحثا عن عنصر إرهابي قيل أنه يعتزم تفجير نفسه . وبلاشك فان عملية بهذا الأسلوب تعد تطورا نوعيا في الإرهاب الذي يستهدف تونس لجهة طريقة التنفيذ ولأنه في السابق ساد استخدام طلقات الرصاص كما هو الحال في عمليتي اغتيال السياسيين اليساريين شكري بلعيد و محمد البراهمي في العاصمة ٦ فبراير و ٢٥ يوليو ٢٠١٣ أو في عمليتي باردو وسوسة، وكذا فإن ثمة مفاجأة مزعجة علي مستوي الهجوم الأخير تسبب في اكبر خسائر تقع في الحرب مع الارهاب بين القوات التونسية علي الأطلاق .

وكي نضع هذا الهجوم الارهابي الأخير في سياق أكثر عمومية فان علينا ان نشير الي ان الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي لجأ للمرة الثانية الي إعلان حالة الطورائ في عموم البلاد في غضون خمسة اشهر فقط، وحيث كانت الأولي إثر هجوم سوسة يونيو الماضي . لكن هذه المرة اقترن إعلان الطورائ في سابقة غير معهودة بحظر التجول ليلا في حدود تونس الكبري ( العاصمة والولايات المجاورة ). وبلاشك فان الهجوم الاخير يمثل تحديا للمجتمع التونسي ولطبقته السياسية بمختلف أطيافها لأنه جاء بعد ان أصدر البرلمان في يوليو الماضي قانونا جديدا لمكافحة الارهاب وغسيل الأموال يعتمد عقوبة الإعدام ،وهي عقوبة لم تكن واردة في قانون الارهاب السابق لعام ٢٠٠٣.وثمة هنا درس مهم مفاده بان القوانين وحدها ليست كفيلة بالقضاء علي هذه الظاهرة المدمرة، فسرعان ما فتح الهجوم الارهابي الأخير النقاش بين التونسيين حول كفاءة الأجهزة الامنية والاستخباراتيه. و الأهم حول غياب سياسات متكاملة تكون ظهيرا قويا للتشريعات .

في السياق الأعم أيضا، يمكن القول بأن الإرهاب ضرب ضربته الأخيرة تلك فيما كان حزب الأكثرية " نداء تونس " يتخبط في انقساماته وصراعاته بما في ذلك كتلته البرلمانية وبينما كان اتحاد الشغل (العمال) اقوي منظمات المجتمع المدني يتأهب لشن إضراب للعاملين بالقطاع الخاص. وهكذا وعلي الفور قرر الإتحاد تعليق الاضراب .لكن ليس من الواضح الي حينه كيف سينعكس تصعيد خطر الارهاب علي حال حزب "النداء "؟. وفي كل الأحوال فان الدرس المستفاد مما يجري في تونس أن الإرهاب يهدد التطور الديمقراطي ولا يتورع عن توجيه ضرباته حتي في واحدة من المجتمعات العربية التي تعرف هامشا يتسع من الحريات و تعرف درجة عالية من التوافق السياسي يشمل الإسلاميين إنفسهم ،وحيث يشارك حزب النهضة برئاسة راشد الغنوشي في الحكومة الحالية ويشكل الحزب الثاني في البرلمان . وبلاشك فان ضربات الارهاب عرفت طريقها الي تونس حتي قبيل ثورة ١1 يناير ٢٠١٤، بل واعتبارا من نهاية عهد الحبيب بورقيبة في عقد الثمانينيات، لكن ما يقلق التونسيين ويدهشهم في السنوات الأخيرة هو الحجم اللافت لمساهمة مواطنيهم فيما بات يعرف بالجهاد أو الإرهاب المعولم في سوريا والعراق وليبيا وغيرها خارج تونس . ووفق تقدير تقرير للأمم المتحدة صيف العام الجاري فان نحو ٥٨٠٠ تونسي ذهبوا للقتال في الدول الثلاث المشار اليها . وهو رقم كبير بالنسبة الي بلد محدود السكان نسبيا (نحو ١١ مليونا ) ومجتمع اشتهر بانفتاحه الحضاري ومع دولة معروفة باهتمامها بالتعليم وبحقوق المرأة، وتعزز الضربة الأخيرة للإرهاب في وسط العاصمة التونسية حظوظ نظرية متكاملة بشأن هذا الارهاب المعولم .

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق