وهذا أمر ربما يكون له احتمالية الحدوث ،نتيجة غياب الصيانة والتجهيزات ، فعلى مدار سنوات طويلة طالبنا وتحدثنا وأطلقنا أجراس الخطر بضرورة الانتباه لأهمية الكوبرى وخطورة إهماله من مختلف النواحي، فليس فقط الأمر يتعلق بخط القطارات ولكن أيضا يتضمن مرور اتجاهين للسيارات تربط بين محافظتى القاهرة والجيزة
جئنا هنا لننقل لكم بالصورة من أرض الواقع بما يئن منه كوبرى إمبابة .. مايحدث به من تجاوزات وانفلات .. فما إن يسدل الليل ستائره على «الكوبري» ، ويتداعى الكون للسهود، حتى يعزف النيل على أوتار شجونه، وكأن خرير مائه ينوح،هذا الخرير يعرفه رفاقه ، الذين ينتظرون غروب النور حتى يلوذوا بالكوبري، الذى اعتادوا أن يستر كل سقطاتهم بين أحضانه دون خوف ، كل الموبقات مسموح بارتكابها فوقه ليلا ،فإذ ما تنفس الصبح ، عرى الضى أولئك المتسترين بالليل فهربوا من النور الى كهوفهم ، ليبدو الكوبرى للناظرين شبه منطقي، وبرغم أن أضداد الحياة جميعا تجتمع فوق كوبرى إمبابة لترسم وجهه المثير ،فبينما ينظر سكان الأبراج من عليائهم الى الكوبرى الذى يقف شاهدا على تقلب العصور وموجها منذ افتتاحه فى عصر الخديوى عباس حلمى الثانى عام 1892 م ، يرفع سكان عشش السبتية ناظريهم ليصبحوا فى مستوى رؤية ذلك الكوبري،وبالمقابل فبينما تمعن أنت مرتاده من الخارج فى وجه النيل وتتأمل أسرار البلدان التى يجرى بها ويهدهدها بين دفتيها ، يأتى القطار مسرعا ، وكأنه يحمل لك رسالة مفادها أن الحياة مستمرة رغم كل شيء ، رغم الزمن الذى غير وجه الكوبرى ، ورغم غياب الأمن ،ورغم العشوائية التى تحد أطرافه عبر العشش وغرفة المحولات المهجورة ومرتادى ممر المشاه الخاص به من السبرسجية والمدمنين.
وإذا كان الضى يخبأ حكايات ، فإن هناك أشياء اخرى يكشفها أصدقاؤه الذين قابلناهم فوقه،فهذا الكوبرى الحديدى الذى أنشأه المهندس الفرنسى «دافيد ترامبلي» ،ليربط بين حى بولاق أبوالعلا وحى إمبابة ، والذى قسمه الى حارتين لمرور السيارات ،يتوسطهما حارة أخرى لمرور قطارات القاهرة الى محافظات الصعيد فى قنا وأسوان والأقصر،وصمم الكوبرى بحيث يتحرك جزء منه ليفتح الطريق امام عبور السفن المرتفعة ،ثم يعود لوضعه بعد مرورها ، كما تم إلحاق ممرين علويين للمشاة به، وبرغم كل ذلك إلا أن هذا الكوبرى الذى يعتبر لوحة فنية وإبداعا هندسيا ، تم تركه دون صيانة ، وترك الحديد لحرارة الشمس دون إعادة طلاء حتى صدأ ، وأصبحت غرفة المحركات التى ترتفع فوق كوبرى المركبات وكوبرى المشاة، مهجورة خواء ، يقطنها الطلبة صباحا ،ليروا النيل من نقطة أعلى من الأبراج الفارهة فى الخلفية والمقابلة للكوبرى ،فإذ ما حل الليل تصبح تلك الغرفة مرتعا لكل الموبقات ، غرفة تطل على النيل دون حارس ، و»ليس لها صاحب» ، أما ممر المشاة ، فإن طرفيه من جهة إمبابة تتحولان ليلا إلى مهرجان لانطلاق الموتسيكلات على أنغام الأغانى الشعبية ، وطرفيه الآخرين تنتهى بعشش السبتية ، فى حين يستغل موزعو المخدرات ومتعاطوها أسفل كوبرى المركبات ، فهذا الكوبرى ما من جريمة إلا وترتكب بين ثناياه ، فالكوبرى يحوى عدة ميزات تسهل لمن يبغى ،ارتكاب الجريمة ، فهو مظلم ليلا تماما ،لا يضم أى كمائن شرطية على امتداده الذى وصل الى 495 مترا قبل اقتطاع جزء منه لكوبرى دمياط ، كما لاتمر به أية دوريات امنية .. ونحن إذ ننشر هذه الكلمات ، ليس دعوة لذبح الكوبرى ، ولكن إلى صيانته وتأمينه وإعادة تأهيله ليعود كما بدأ تحفة هندسية ولوحة فنية ومرفقا هاما يخدم ملايين المصريين .