فضلاً عمَّا تمتاز به الصواريخ الساحلية الحديثة من المرونة الحركية العالية والقدرة على الانتشار والتشغيل في وقت قصير استناداً إلى تجارب الحروب البحرية الحديثة ثارت منذ سبعينيات القرن الماضي نقاشات حامية حول جدوى المواجهات البحرية في المياه، فعملياً لم تحقق المواجهات البحرية المباشرة نتائج تُذكر بقوة في أية معركة بحرية حديثة، والسبب هو أن الوسائط المتقاتلة من سفن حربية، وغواصات، وطرادات في الطرفين المتقاتلين مزوّدة بكل عناصر الحماية الإلكترونية، ووسائط شلّ أسلحة الخصم، وبالتالي لا يتجاوز الأمر غالباً إلاّ هدر الذخائر والصواريخ دون إصابات محققة في الوسائط البحرية للطرفين.
وقد مالت النقاشات إلى تفضيل الدفاع الساحلي، أي محاربة القوى والوسائط البحرية المعادية من البر الساحلي، وهي في عمق البحر وعلى مسافة المدى المجدي لوسائط الدفاع الساحلي، وبعد كثير من الحوارات وتجارب حروب بحرية لاحقة مالت الكفة إلى تفضيل الدفاع الساحلي على خوض معركة بحرية، وتعززت الكفة لمن يفضلون ذلك بالتطور الهائل والسريع الذي حققته الصواريخ بأنواعها، إذ لم تعد وسائط الدفاع عن السواحل هي المدفعية فقط بإمكاناتها المحدودة، بل صارت الصواريخ ذات المديات البعيدة وبوسائط التوجيه الإلكتروني والتقنيات العالية قادرة بعد إطلاقها من الساحل على الوصول إلى السفن المعادية الموجودة على مسافات بعيدة عن الساحل.
يحقق الدفاع الساحلي بهذا الشكل وخصوصاً بالصواريخ، وبالتعاون مع الوسائط الأخرى من مدفعية بعيدة المدى وطيران قوة ردع قوية للقوى البحرية المعادية، ويضمن عدم خسارة قوى بحرية في مواجهات بحرية مباشرة، بالإضافة إلى مزايا أخرى كثيرة جعلت معظم الدول التي لها سواحل بحرية تعمل على تعزيز دفاعاتها الساحلية كاستراتيجية بحرية أولى ومفضلة.
ويمكن القول: إن معظم منظّري الحروب البحرية يؤكدون على أهمية الدفاع الساحلي بمنظومات الصواريخ لأسباب كثيرة، منها: أن أنظمة الصواريخ الساحلية الحديثة تمتاز بمرونة حركية عالية، وقدرة على الانتشار والتشغيل في وقت قصير، وكذلك زيادة عدد المقذوفات, ليتمكن النظام من إطلاق الصواريخ المجنحة المضادة للسفن بنظام الرماية المفرد أو عدة صواريخ (القصف) مع فاعلية تدميرية عالية، والقدرة على استخدام الأسلحة في مختلف الظروف الجوية والجغرافية، بشكل عام يمكن القول إن الصواريخ المجنحة تعتبر السلاح الرئيس المستخدم في الدفاع الساحلي لمعظم البلدان الساحلية، والتي يتواصل تحديثها باستمرار، فهي قادرة ـــ بفضل حركيتها وقدرتها النارية العالية ـــ على تغطية جزء كبير من مسرح العمليات الساحلية، حيث تمتاز عن ذخائر المدفعية الساحلية في زيادة المدى وسرعة الطيران ومعدل القدرة التدميرية.
وفي الوقت الحالي تعتمد قوات الدفاع الساحلي على منصات الصواريخ الساحلية المتحركة مثل: Rubezh و Redut الروسية، و RBS-15 السويدية، و Sea Skua البريطانية، و Exocet الفرنسية، و SSI اليابانية، و Harpoon الأمريكية، و C-802 الصينية، ويواجه كافة المنظومات الصاروخية البحرية عائق مشترك، وهو وجود منطقة ميتة تختلف مدياتها بحسب نوع النظام الصاروخي، وكذلك تعاني منظومات الصواريخ الساحلية من انخفاض الفاعلية ضد الأهداف البحرية المتحركة صغيرة الحجم، من ضمنها سفن الإنزال الصغيرة والحوامات ذات الوسائل الهوائية ... وغيرها، ولذلك فأنظمة الصواريخ الساحلية غير قادرة على الدفاع عن المناطق الساحلية لوحدها.
تعديل الصواريخ البحرية
إلى صواريخ دفاع ساحلى
وهكذا تزايدت أهمية الدفاع الساحلي في الاستراتيجيات العسكرية البحرية، وصار من المفضل عند معظم الاستراتيجيين عدم خوض المعركة البحرية في العمق المائي، بل استدراج القوى البحرية المعادية إلى قرب السواحل والتصدي لها، وضربها بالصواريخ المتطورة المخصصة للدفاع الساحلي، لكن الإشكالية تبدّت في تكاليف البرامج الخاصة بإنتاج وتطوير صواريخ دفاع ساحلي تلبي متطلبات استراتيجية الدفاع الساحلي،
ووجدت القيادات العسكرية نفسها أمام أمرين: إما تنفيذ هذه البرامج بكلفتها العالية، أو تعديل الصواريخ المتوفرة لتصبح قادرة على العمل من البر الساحلي كصواريخ دفاع ساحلي، والأمر الثاني يتوافق مع الإمكانات المحدودة مالياً للدول الساحلية الفقيرة، أي تعديل ما لديها من صواريخ بحرية لتصبح صواريخ دفاع ساحلي بدلاً من شراء صواريخ من الأجيال الجديدة الخاصة بالدفاع الساحلي. وبدا من الواضح أن الأمر الثاني كان المفضل، فمنذ ثمانينيات القرن الماضي أخضعت الصواريخ البحرية المعروفة والمستعملة في مختلف المهمات والوسائط القتالية إلى برامج تعديل وتطوير حرصت على المحافظة على قدرات الصاروخ المعروفة، مع إضافة مزية جديدة له وهي إمكانية استعماله كصاروخ دفاع ساحلى.