ولكاتب هذه الرسالة أقول:
يا الله.. ألهذه الدرجة ينكل الابن بأبيه؟.. إن هذا الفعل لا يأتيه إنسان عاقل، فما بالنا ومن ارتكبه معيد بالجامعة يعلم الأجيال الجديدة فهل يغرس فيهم الفضيلة، ويبث فى نفوسهم الإيثار وحب الآخرين؟.. أم أنه يعلمهم فعله غير السوى الذى يرفضه العقل والدين، فالكتاب المقدس يقول «أيها الأولاد أطيعوا والديكم فى الرب لأن هذا حق» ويقول أيضا «اسمع لأبيك الذى ولدك، ولا تحتقر أمك إذا شاخت»، و«أكرم أباك وأمك لكى تطول أيامك التى يعطيك الرب إياها على الأرض»، ووصية اكرام الوالدين هى الوصية الوحيدة من الوصايا التى ربطها الله بوعده لكى يشجع الأبناء على الالتزام بها. وحيث إن هذه الوصية اقترنت بمكافأة، فكان لابد لعقوبة لمن يخالفها، فإزدراء الوالدين يعد خطيئة موجهة ليس ضد الوالدين فحسب بل أيضا ضد الله الذى أمر باكرامهما، ولذلك جاءت العقوبة مشددة ورادعة، لأن الابن العاق الذى لا يكرم والديه، لن يكرمه الله ويطيعه، ولعلك أيها الابن العاق تعرف قصة الابن السكير الذى لا رادع له، والذى قيل فى حقه «ويقولان لشيوخ مدينته، ابننا هذا معاند ومارد، ولا يسمع لقولنا، وهو مسرف وسكير، فيرجمه جميع رجال مدينته بحجارة حتى يموت»، وبذلك يتم انتزاع الشر من بينهم.
وغنى عن البيان لو أن هناك طريقة لاصلاح هذا الابن ما ترددوا فى اصلاحه، ولكن ما أن تأكدوا من عدم جدوى اصلاحه حتى رجموه، فلقد وضع الله شروطا لاتمام عملية الرجم، وهى شكوى الأب والأم معا من ابنهما، ويعرف الكل قلب وعاطفة الأمومة الغافرة الصفوحة، فلك أن تتصور مدى عناد هذا الابن الذى عجزت أمه عن أن تصفح عنه لقسوة ما فعله بها، وانى أربأ بك أيها الشاب النابه الذى ينتظره مستقبل باهر أن تصنع هذا الصنيع بأبويك، وأن يصل بك الأمر إلى أن تضرب أباك حتى تكسر ضلوعه وتصيب أذنه بالأذي، فعليك أن تتوب إلى الله، وأن تبر بوالديك فلقد أوصت كل الأديان ببرهما، حتى وإن خالفا أبناءهما فى أمور الدنيا، وفى القرآن الكريم يقول الحق تبارك وتعالى «ووصينا الإنسان بوالديه»، ويقول أيضا، و«صاحبهما فى الدنيا معروفا»، فأين أنت الآن من التعاليم الالهية التى تشدد على حسن معاملة الوالدين. وإذا كنت تستغل ضعف والديك، ورقة قلبهما وعدم السعى لإيذائك فى عقاب دنيوي، فإن الله عز وجل الذى لا يغفل ولا ينام سوف يقتص لهما يوم لا ينفع الندم، وفوق كل ذلك سوف تلقى الجزاء العادل فى الدنيا، فكما تدين تدان، فعد إلى رشدك، وأرض والديك، واطلب منهما الصفح والغفران حتى يرضى عنك الله عز وجل.