وأصل تكوينه وفطرته، وهى الهوية البعيدة كل البعد عن إطار الفساد الذى عاشته مصر فى السنوات الأخيرة لما قبل ثورة 52 يناير 1102، والذى عم كل وجوه الحياة، أو عن إطار الحكم العقائدى المضطرب الذى حاول أن يخطف الوطن إلى زوايا مجهولة، وسياسات معتمة، وكوادر غير مؤهلة، مما دفع الشعب إلى الانتفاض من جديد فى سيمفونية ثورية سلمية غير مسبوقة فى 03 يونيو 3102، باركها الجيش، وأيدتها سلطاته، ومن خلالها دارت عجلة الحياة فى مصر إلى محور المستقبل الجديد. أما التجربة الانتخابية التى نمر بها الآن، فعلى الرغم من خطورتها، باعتبار أن المجلس المقبل هو مجلس تشريعى بصفة أصيلة، سيشرع العشرات من القوانين الساخنة وسيناقش العشرات من المشروعات الحياتية المستقبلية المهمة، إلا أن التجربة نفسها، تترك سمة رئيسية فى كل من سيتجاوب معها من ملايين المصريين، ألا وهى سمة (الحيرة الانتخابية)، وذلك لارتباط العملية الانتخابية هذا العام بطبيعة المرشحين المختلفة، وهى الطبيعة التى تحصرنا فى عدة طوائف من المرشحين، منهم من يمثل التيار القديم الذى ساد فترة الحقبة المباركية دون أن يقدم شيئا يذكر لدوائره الانتخابية، أو لأبناء أحيائه ومناطقه، ويتوجس الملايين منهم خيفة وحيرة، باعتبار أنهم يمثلون سيادة المال، وسطوته دون إفادة تذكر، ومنهم من يمثل التيارات الحزبية الجديدة، وهى التيارات التى لا تملك شعبية على الأرض، ولا يعرف أبناء الشعب أنفسهم عن برامجهم وتوجهاتهم وفكرهم شيئا، ولم ينجحوا إلى الآن فى فرض رؤاهم على الأغلبية العظمى من الشعب، ولم يخرجوا من الشرنقة الحزبية التى ينتمون إليها.
أما الطائفة الثالثة، والتى توسع دائرة الحيرة ذاتها، فهى طائفة المستقلين، ويمثلون أغلبية المرشحين، وللأسف فإن كثيرين منهم أيضا يدورون فى فلك (المجهول المعرفي) بالنسبة للناخب المصري، ولم نسمع أو نقرأ لهم عن أى برامج فارقة أو واضحة، تحرك الشارع تجاههم، ومعظمهم يعتمدون على تأثير الإعلانات التى يملأون بها الشوارع، أو تأثير ما يمكننا أن نسميه بـ «الصورة الانتخابية» التى قد تحرك عاطفة الناخبين.
أما الطائفة الرابعة ،التى تزيد من حيرتنا وتقابلنا فى حومة المتنافسين على الانتخابات، والتى للأسف ـ خسرت كثيرا فى السنة التى حكم مصر فيها الإخوان، فهى طائفة المتمسحين بالشعارات الدينية، وظنى أن شعبنا بات على يقين بأن استغلال الدين فى الدعاية الإنتخابية، أو فى الوصول إلى دائرة الحكم أقصر طريق إلى حاضنة الفشل ومعناه، وإلى تكرار ما ثار عليه فى 03 يونيو 3102.
أما الطائفة التى أعجبنى إصرارها على الوجود فى الشارع الانتخابي، فهى طائفة الشباب النقي، والمثقف والنابه، من الجنسين الذى أصر على أن ينزل حلبة الصراع الانتخابى مؤمنا بحقيقة دوره المستقبلى فى قيادة الدولة، وفى المشاركة فى بناء حاضرها ومستقبلها، وأعجبنى أكثر أن أرى منهم الأطباء والمهندسين والمعلمين وشباب هيئات التدريس بالجامعات، والذى يعوض حضورهم المشهد الإنتخابى غياب الرموز الفكرية والثقافية الكبري، ولا خلاف على أن مثل هؤلاء الشباب نعول عليهم كثيرا فى سياق المنافسة وحضور العملية الإنتخابية. ورغم هذا التباين من فئات المرشحين بجميع طوائفهم وانتماءاتهم، والذى يوسع دائرة الحيرة لدى الناخب، فإن هذا المشهد الانتخابى الساخن لن يتعافى ويكتب له النجاح إلا بالمشاركة الفعالة للناخب، الذى علمته الثورتان أن نجاة الوطن من براثن المتآمرين عليه لن تتم إلا بوجود مجلس نيابى قوى يختاره الشعب بوعيه، وبالتأكيد ستنجح مصر والمصريون فى اختبار (الاختيار)، وستمر التجربة الانتخابية بنجاح إلى مرافئ المستقبل وشواطئه.
د. بهاء حسب الله
كلية الآداب ـ جامعة حلوان