رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

الغيطـــانى.. والأهـــــــــرام

عـزت إبـراهيم
ما جمع الكاتب الكبير جمال الغيطانى وصحيفة «الأهرام» لم تحده مسألة انتمائه أو عدم انتمائه للمؤسسة العريقة. لم يكن الغيطانى يرى حرجا، رغم سنوات عمره الممتدة فى مؤسسة «أخبار اليوم»، فى وصف «الأهرام» بأنها منارة كبرى للثقافة والفكر والحفاظ على الهوية المصرية ويرنو بنظره إلى دور أكثر عمقاً لها فى مرحلة إعادة البناء فى مصر بعد سنوات عجاف..

قبل ثورة 30 يونيو كان الغيطانى يشعر بغضب شديد من الخطر الداهم الذى تمثله تيارات تخاصم الثقافة والحضارة على مستقبل مصر وتحول قلمه إلى شعلة تنير الطريق وتشحذ الهمم لتخليص مصر من كبوتها العارضة وبين السطور كان يستدعى مخزون العشق والحب لتاريخ يحمله بين جنبات قلبه المتعب.. بعد الثورة الشعبية العظيمة شعر الغيطانى أن مصر قد أنجزت خطوة لا تقل أهمية عن حروبها الكبرى وأن واجب إعادة البناء مسألة لا تحتمل التهاون ولا التأخير فوضع إحياء الثقافة والهوية المصرية على رأس جدول أعماله وراح يبشر بها فى أوساط المثقفين والعامة ورجال السلطة وسمعت منه فى اللقاء الأخير فى مكتب رئيس تحرير الأهرام الأستاذ محمد عبد الهادى علام أنه اعتذر عن منصب وزير الثقافة فى مرحلة ما بعد ثورة 30 يونيو لأنه كان يرى نفسه فى موقع المثقف التنويرى الداعم لبناء صروح ثقافية أهم بكثير من تولى منصب تنفيذى يرهق كاهل الكاتب ويعوقه عن مهمته الأصيلة..

جمع الغيطانى بين الصحافة والكتابة الأدبية دون أن تطغى واحدة على الأخري، كنت محظوظا وأنا أراه يوميا فى بداية عملى الصحفى فى دار أخبار اليوم يجلس خلف مكتبه ويستعد لإصدار أول صحيفة أدبية فى مطلع التسعينيات وقبلها سنوات ممتدة من الإشراف على صفحة الثقافة والأدب ولا يمكن نسيان الغيطانى المراسل الحربى وواحد من المؤرخين العظام لحرب أكتوبر.. لم تكن مهمة اصدار صحيفة أدبية سهلة على الإطلاق وصادف متاعب جمة فى الوسط الثقافى وخاض معارك عديدة وخرج منها بمتاعب فى القلب لكنه صنع جيلاً من الصحفيين يقدرون صنيع ما فعله للصحافة الثقافية فى مصر..

فى الشهور الأخيرة، كان الغيطانى يتردد كثيرا علي «الأهرام» سواء بمفرده أو برفقة قامات كبيرة من المثقفين. فى مكتب رئيس تحرير الأهرام، جلس الغيطانى ساعات وساعات يتحدث عن حال المجتمع المصرى وحال الثقافة والمثقفين ويحمل شعوراً بالأسى لما آلت إليه أحوال القاهرة القديمة وكان يراهن على أن الأهرام هى الوحيدة القادرة على التصدى لحملات تجريف الثقافة المصرية من أعز ما تملك وهو تاريخ معرض للانقراض على يد حفنة من تجار الآثار والمهربين..جاء إلى الأستاذ محمد عبد الهادى علام برفقة الأثرى الكبير الدكتور على رضوان، أحد أصدقائه المقربين لسنوات طويلة، ودار حوار ممتع عن الخطر الداهم على الآثار المصرية وقبلها بأيام كانت الأهرام قد نشرت له قصة فى ملحق الجمعة فجاء متهللاً أن النشر فى الصحيفة يقدمه للقراء بشكل مختلف يؤكد رؤيته أن«الأهرام» هو بوابة الثقافة المصرية التى لن تغيب ولن يبدلها الزمن.. كانت وصية الغيطانى لرئيس التحرير فى اللقاءات الأخيرة أن تستعيد الأهرام زخم الاهتمام بالثقافة والمثقفين مثلما كانت فى عصرها الذهبى عندما كانت تحتضن بين جدرانها القمم الشاهقة نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ولويس عوض وذكى نجيب محمود ويوسف إدريس وآخرين من كبار الكتاب والمثقفين. فى اللقاء الأخير بمكتب رئيس التحرير قبل أيام معدودة من الأزمة الصحية، تصادف حضور الأستاذ الكبير مكرم محمد أحمد والذى أمتدح دور الكاتب الراحل فى الثقافة المصرية المعاصرة ودون أن يقلل الأستاذ «مكرم» من شأن المؤسسة التى ينتمى إليها الغيطانى وإيمانا منه بموقع الأهرام فى الحياة المصرية قال له قبل أن يغادر: «إختم حياتك بالكتابة فى الأهرام يا جمال» .. ولم يمهلنا القدر أن يرصع «الأهرام» صفحاته بجواهر الغيطانى فدخل فى الأزمة الصحية الأخيرة ويغيب عنا فى خسارة لا تعوض لمثقف عملاق كان عشقه الأول مصر وعبق شوارعها القديمة.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق