ومشكلة القمامة التى تزكم الأنوف وتقضى على ماتبقى من موسم سياحى فى لبنان،لم تفلح الحوارات الثلاثة التى تدور فى القصور لحل المشكلات العالقة بين الفرقاء اللبنانيين،فالحوار بين تيار المستقبل السنى وحزب الله يمر بحالة جمود قسرى وهو محلك سرمنذ بدايته فى نهاية 2014
كما ان الحوار بين قطبى الموارنة المسيحيين العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع مرشحى الرئاسة لايعدو كونه ذرا للرماد فى العيون،ولايتخطى اتفاق النيات بين الطرفين،أما حوار رئيس مجلس النواب نبيه برى مع قادة الأحزاب والقوى والطوائف السياسية فلم يصل لنتيجة فى مشكلة ترقية الضباط التى يصر عليها عون او حل مشكلة القمامة أو الاتفاق على رئيس توافقي،ولايزال الكل ينتظر نتيجة دخول الدب الروسى الى المعترك السورى وماسيسفر عنه من نتائج تحدد أهمية وقوة أى من اللاعبين على الساحة اللبنانية،وحتى يحدث ذلك فان الحوارات اللبنانية تدور فى الفراغ.
فحوار تيار المستقبل وحزب الله دعا اليه رئيس وزراء لبنان الأسبق زعيم تيار المستقبل سعد الحريرى بعد معركتى عرسال وطرابلس فى أغسطس 2014حيث دارت معارك طاحنة بين الجيش اللبنانى والقوى الأمنية من ناحية وبين جبهة النصرة وداعش من ناحية أخرى وانتهت المعركتان بنجاح الجيش اللبنانى بعد خطف 23 عسكريا لبنانيا على أيدى داعش والنصرة لمقايضتهم بسجناء اسلاميين متشددين فى سجن رومية اللبنانى، وتم ذبح أربعة منهم للضغط على الحكومة اللبنانية للموافقة على الصفقة ولايزال بقية المخطوفين لدى داعش والنصرة نظرا لعدم اتفاق الفرقاء اللبنانيين على صفقة التبادل.
وبعد معركتى عرسال وطرابلس أعلن الحريرى أن داعش والنصرة منظمتان ارهابيتان داعيا حزب الله الى مائدة التفاوض والحوار لنزع فتيل الأزمة قبل اشتعالها بين السنة الذين يؤيدون المعارضة المسلحة فى سوريا وبين الشيعة الذين يحاربون الى جانب بشار الأسد،واستجاب حزب الله للحوار الذى يرعاه رئيس مجلس النواب زعيم حركة أمل الشيعية نبيه بري،ومنذ أكثر من عام لم يتوصل الحوار لشئ يذكر فى الملفات الخلفية بين الطرفين السنى والشيعي.
ومما جعل الحوار السنى الشيعى بلاقيمة أو نتيجة هو استمرار حزب الله فى الحرب داخل سوريا بجانب قوات الأسد وهو مايعارضه تيار المستقبل الذى يتهم بشار وحزب الله باغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريرى فى 2005،وكذلك تحالف حزب الله مع عون حليف الأسد أيضا ،ودور حزب الله فى سقوط حكومة سعد الحريرى فى 2010،بالاضافة الى ترحيب حزب الله وعون وتحالف 8آذار بوجود الدب الروسى فى سوريا ،وهو مايراه تيار المستقبل والسنة فى لبنان ضد مايسمونه الثورة السورية، بالاضافة لعدم رضا القيادة السعودية الجديدة عن التقارب الظاهرى بين حزب الله والمستقبل فى ظل الدعم اللامتناهى من السعودية للبنان بمبلغ مليار دولار عقب معركتى عرسال وطرابلس العام الماضى لتسليح الجيش والقوى الأمنية اللبنانية،كما فعلت تبرعها السخى من قبل بمبلغ 3مليارات دولار لتسليح الجيش اللبنانى بصفقة أسلحة فرنسية لاتزال رهن التنفيذ،ومما زاد الأمر تعقيدا الهجوم المستمر من أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله ضد السعودية مع بداية عاصفة الحزم ضد الحوثيين فى اليمن،وهو الأمر الذى جعل من الحوار بين السنة والشيعة فى لبنان لايتخطى أبواب الغرف التى يجرى فيها الحوار بين المستقبل وحزب الله، فى انتظار ماستسفر عنه معارك الدب الروسى فى سوريا والذى أعطى وجوده دعما وقوة لحزب الله وفريق 8آذار.
أما الحوار بين حزب القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع والتيار الوطنى الحر بزعامة العماد ميشال عون،وهما قطبان رئيسيان بين المسيحيين الموارنة الذين يختار من بينهم رئيس الجمهورية،فلم يتوصل لشىء الا توقيع خطاب نوايا بين الطرفين يؤكد أهمية الوجود المسيحى فى لبنان والمشرق ،وضرورة الحصول على الحقوق المسيحية التى أكلها اتفاق الطائف بداية التسيعينات لمصلحة السنة فى لبنان،ولكن الحوار لم يتطرق لمنصب رئيس الجمهورية الشاغر منذ مايو 2014وحتى اليوم ،نظرا لتصارع كل من عون مرشحا عن فريق 8آذار(التيار الوطنى وحركة أمل وحزب الله وتيار المردة)،وسمير جعجع مرشحا عن فريق 14آذار (القوات اللبنانية والمستقبل والكتائب)، وكل من المرشحين يتبع فريق خارجى يلعب فى السياسة اللبنانية، وهو الأمر الذى يجعل من التلاقى بين عون وجعجع مايشبه التلاقى بين قطبى المغناطيس من تنافر تام لن يفضى الى نتيجة سواء فى كرسى الرئاسة الشاغر فى بعبدا،أو تغيير المواقف من السالب الى الموجب تجاه الحلفاء الخارجيين، ولذلك توقف الحوار عند اعلان النوايا،وبينما يتمسك جعجع بترشحه للرئاسه وموقفه من الأسد وايران وروسيا،يتمسك عون أيضا بترشحه للرئاسة وسط دعم لامتناه من حزب الله وسوريا وايران،مما جعله يحشد جماهيره فى الشارع أكثر من مرة مطالبا بحقوق المسيحيين وانتخاب رئيس من القاعدة الشعبية وليس عن طريق تصويت النواب،كما يعطل نوابه مع نواب حزب الله والمردة انتخاب رئيس عبر المجلس النيابي،ومما زاد موقف عون تعقيدا بين حلفائه هو اتهامه المجلس النيابى بأنه مجلس غير شرعى وهو مادفع أحد حلفائه الأقوياء رئيس مجلس النواب وزعيم حركة أمل الشيعية نبيه برى الى القول :كيف أنتخب من يتهمنى بأنى غير شرعي،ولكن موقف عون تحول الى الأفضل بعد تدخل روسيا فى الحرب داخل سوريا لمصلحة الجيش السورى وبشار الأسد ،واعلان السيد حسن نصر الله أنه مع عون حتى النفس الأخير ولو استدعى الأمر النزول الى الشارع لمؤازرته،ولذلك أصبح الحوار بين عون وجعجع لايتخطى قيمة الحبر الذى كتب به اعلان النوايا بين الطرفين ،فى أنتظار ماسوف تسفر عنه معارك الدب الروسى فى سوريا.
ويبقى الحوار الذى دعا اليه فى أغسطس الماضى رئيس مجلس النواب نبيه برى ليجمع قادة الأحزاب والقوى السياسية والطوائف اللبنانية لبحث الأمور العالقة والتى تعطل انتخاب الرئيس ،وتشل عمل حكومة تمام سلام،وتراكم القمامة فى الشوارع والميادين دون حل منذ مطلع يوليو الماضي،ومنذ بداية الدعوة للحوار رفض رئيس حزب القوات اللبنانية المشاركة فى الحوار متهما اياه بأنه وسيلة لتهدئة الرأى العام وسحب البساط من تحت أقدام متظاهرى حراك «طلعت ريحتكم»لمصلحة الأمر الواقع والمستفيدين من تعطيل انتخاب الرئيس وشل حركة الحكومة قاصدا بذلك حزب الله وتيار عون.
وبعد عدة جلسات للحوار الذى يرعاه برى بين الفرقاء اللبنانيين لم يتم التوصل لشىء وكلما تم الاتفاق على حل مشكلة يعترض عليها أحد الأطراف،مثل مشكلة ترقية الضباط التى يطالب بها عون خدمة لصهره قائد فوج المغاوير لترقيته لرتبة اللواء أو قائد الجيش اللبنانى خاصة بعد التمديد لمدة عام لقائد الجيش المنتهية ولايته العماد جان قهوجي.
أما ثعلب السياسة اللبنانية زعيم الدروز فى لبنان وليد جنبلاط فانه يهاجم الوجود الروسى فى سوريا متهما اياه بأنه لايملك الحنكة السياسية ،وذلك لأن جنبلاط يؤيد المعارضة السورية المسلحة ويجاهر بعدائه لايران وبشار الأسد ،بل ويتهم الأسد بقتل الشيخ الدرزى البلعوص فى السويداء السورية لأن البلعوص كان من مناهضى الأسد ،كما يصر على اعتبار جبهة النصرة غير ارهابية بالرغم من ارتكابها مجزرة بحق الدروز فى سوريا من شهرين،وبالرغم من انه حليف لبنانى للروس فإن دخول الجيش الروسى الى سوريا جعل جنبلاط يهاجم بوتين علنا.
وبعد دخول الدب الروسى الى العمق السورى لمحاربة داعش والنصرة وتحقيق تقدم على أرض الواقع فى ظل موافقة ضمنية على استيحاء من الغرب وأمريكا ،أصبح الحوار داخل لبنان فى مهب الريح سواء حوار السنة والشيعة بين المستقبل وحزب الله،أو الحوار بين قطبى الموارنة المرشحين للرئاسة جعجع وعون،أو الحوار الذى دعا اليه برى لجمع الفرقاء اللبنانيين على كلمة سواء ربما لن تأتى أبدا قبل حسم الوضع فى الداخل السورى ورضا اللاعبين الاقليميين-السعودية وايران-،وكذلك اللاعبون الدوليون سوريا وامريكا وروسيا،فهل يظل حل المشكلات اللبنانية معلقا الى أجل غير مسمي،أم أن استمرار حراك «طلعت ريحتكم»الذى لايتوقف اسبوعا واحدا قد يقلب الطاولة على الجميع ويتحد الشعب اللبنانى بعيدا عن المذاهب والطوائف لحل مشكلاته الحياتية التى تفتك به من ماء وكهرباء وقمامة وضرائب؟