على الاسواق الناشئة ومنها مصر ،لافتا الى ان تحديات للاقتصاد المصرى فى الوقت الحالى ستتزايد حدتها بسبب دخول الاقتصاد العالمى مرحلة ركود ، حيث يتوقع ان يؤثر ذلك على تدفق الاستثمار الاجنبى المباشر ،وانخفاض حركة التجارة العالمية، وعلى مستوى انخفاض أسعار البترول ، فان هذا الامر سيسهم فى تقليل فاتورة استيراد المواد البترولية ، ولكن من ناحية اخرى سيؤثر ذلك على التدفقات المالية الى مصر من دول الخليج العربى، التى تمثل احد مصادر الاستثمارات الخارجية لمصر.
دخول الاقتصاد العالمى فى مرحلة تباطؤ مرتبط بحالة التباطؤ التى تواجه الاقتصاد الصينى ، حيث قامت الصين بتخفيض عملتها ، وقد جاء انخفاض العملة الصينية مصاحباً لنشر بيانات تؤكد بدء تباطؤ الاقتصاد حيث انخفضت الصادرات إلى 8.3% فى شهر يوليو، كما انخفضت إلى 0.8% منذ بداية العام.
كما انخفضت البورصة الصينية بنحو 50% ، وفاجأت الصين كل المراقبين بتخفيض عملتها الوطنية اليوان فى 11 أغسطس الماضى بحوالى 2%، رغم ضخ الحكومة 200 مليار دولار للحد من هذا الامر وعلى الرغم من تواضع التخفيض إلا أن هذا القرار أحدث زلزالاً ، حيث احدث هذا الانخفاض هزات فى معظم بورصات العالم،وفى نفس الاطار فقد انخفضت جميع عملات الأسواق الناشئة ،منذ منتصف العام الماضى ،وتراوحت نسب الانخفاض ما بين 20 و 50% ، وفى مقدمتها : البرازيل والمكسيك وماليزيا ،واندونيسيا وروسيا وجنوب افريقيا، اضافة الى تركيا وفنزويلا،و كولومبيا، و تشيلي.
ما تأثير ذلك على الأسواق الناشئة؟
توسعت الدول الناشئة التى كانت تصدر المواد الأولية للصين فى إضافة استثمارات استخراجية جديدة ممولة بقروض واصدارات سندات دولارية بأسعار فائدة منخفضة نتيجة السياسة النقدية الانفراجية التى يتبعها البنك الاحتياطى الفيدرالى فى الولايات المتحدة. وكذلك اعتقادا منها أن نمو الاقتصاد الصينى مستمر للأبد. نتيجة ذلك تضاعفت ديون الدول الناشئة فى الخمس سنوات الأخيرة إلى 4.5 تريليون دولار ، ولكن تركزت الديون الخارجية هذه المرة فى القطاع الخاص وليس لدى الحكومات، وذلك على خلاف الوضع فى الازمة العالمية عام 1997 .
وتواجه الدول الناشئة التى اعتمدت بدرجة كبيرة على الصادرات للصين تحديا كبيرا فى اعادة هيكلة اقتصادياتها.
.. وما هو تأثير ذلك على مصر؟
يمكن قراءة تأثير التطورات الاقتصادية العالمية على مصر من اوجه ومستويات عديدة ،اذا اخذنا فى الاعتبار ان مصر ليست مثل باقى الدول الناشئة التى تصدر المواد الأولية للصين، فانها على العكس ستستفيد من انخفاض أسعار المدخلات الصناعية والسلع الرأسمالية، ولكن فى المقابل ستتأثر بتباطؤ الاقتصاد العالمى وانخفاض حركة التجارة العالمية، وعلى مستوى انخفاض أسعار البترول ، فان هذا الامر سيسهم فى تقليل فاتورة استيراد المواد البترولية ، ولكن من ناحية اخرى سيؤثر ذلك على حجم التدفقات المالية فى مصر من دول الخليج العربى.
هناك تخوف أن تقوم الصين بتصدير الانكماش لباقى اقتصاديات العالم التى من المحتمل أن تحاول جميعها الحفاظ على أسواقها بتخفيض عملاتها لتنشيط الصادرات.
ومن المؤكد ان جميع الدول الناشئة، بما فيها مصر، ستتأثر من تخفيض صناديق الاستثمار العالمية من استثماراتها فى الأسواق الناشئة والعودة إلى أسواق أكثر أمانا، تحديدا الولايات المتحدة، وهناك تخوف من الخروج الجماعى للصناديق المتخصصة فى سندات الأسواق الناشئة الذى سيضع ضغوطا إضافية على هذه الدول،كما ان هناك توقعات من تقليل الصين من استثماراتها فى السندات الحكومية الأمريكية ومن الممكن أن تقوم بتصفية بعض موجوداتها، الأمر الذى سيؤدى إلى ارتفاع أسعار الفائدة على السندات الحكومية الأمريكية.
ماهى مقترحاتك لصانع السياسة الاقتصادية المصرية لامتصاص وتقليل حدة الاثار السلبية لهذه التداعيات ؟
فى رأيى ان مصر تحتاج الى تبنى وتنفيذ سياسات مالية ونقدية منفحتة وانفراجية وليست انكماشية لمواجهة التباطؤ المتوقع فى الاقتصاد العالمى ، واتجاه العديد من الدول خاصة الناشئة الى تخفيض قيمه عملاتها للحفاظ على الصادرات، ومن شأن هذه السياسات المنفتحة الحفاظ على تنافسية المنتجات المصرية وإدارة الميزان التجارى بكفاءة،وهو الامر الذى يصعب معه الحفاظ على قيمة الجنيه الحالية، كما يهدف أيضا إلى الحد من التضخم والسيطرة على الأسعار..
التخفيض التدريجى للجنيه قد يكون هو الحل فى هذه المسألة الشائكة،ولكن ضمن حزمة سياسات مالية واقتصادية – كما ذكرت - وفى كل الاحوال فان السياسة النقدية هى اختصاص اصيل للبنك المركزى .
كما انه فى ظل عجز فى الموازنة يصل إلى حوالى 12% من حجم الناتج القومى، سيكون من الصعب اتباع سياسة مالية أكثر انفراجا، إلا أنه يمكن للدولة زيادة مواردها عن طريق تحسين كفاءة تحصيل الضرائب وتوسيع مظلة الضرائب لتشمل القطاعات التى خارجها، وبشكل خاص من خلال اتخاذ اجراءات حقيقية لضم الاقتصاد غير الرسمى الى الاقتصاد الرسمى كما يجب ان اشير هنا الى ان زيادة عبء الضرائب على الممولين الحاليين يؤدى إلى نتائج عكسية ، وربما كان الوقت الراهن الانسب لتنتهز الحكومة انخفاض أسعار البترول عالميا ، للاستمرار فى اعادة هيكلة الدعم على الطاقة تدريجيا لتحسين عجز الموازنة أو توجيه تلك الموارد لبنود انفاق أخرى.
مع التأكيد انه لابديل فى كل الاحوال عن تحسن السياسات والبيئة الحاكمة للاستثمار من خلال المواجهة الجادة والسريعة للبيروقراطية ، وتطوير القوانين المعوقة.