تحقيقات «الأهرام» تجولت فى بعض مناطق القاهرة واستمعت إلى آراء المواطنين فى الشارع لتنقل صورة معبرة من أرض الواقع عن التكدس المرورى الحاد الذى يقتل أوقات المواطنين ويؤخرهم على أعمالهم ومدارسهم وجامعاتهم ويزيد من حدة التلوث السمعي والبصرى والبيئى فى الشوارع ..
في البداية رصدنا ما شهدته منطقة وسط القاهرة من أزمة مرورية حادة بميادين التحرير وطلعت حرب وعبد المنعم رياض وأعلى كوبري أكتوبر وشارع رمسيس بجميع المداخل والمخارج المؤدية إليها الأمر الذى يستدعي وقفة جادة من رجال المرور لتسيير الحركة المرورية فى الشارع.
يقول عبد الرحمن أحمد - طالب- إن تكدس السيارات فى شارع 26 يوليو يرجع إلى عدم وجود رجل مرور بالشارع بصورة مستمرة يمنع وقوف السيارات على جانبي الطريق أو يضبط أي سائق ميكروباص يقف أمام ( مطلع ) كوبرى 15 مايو حيث تتكدس الميكروباصات وتعوق مرور السيارات وتؤثر على حركة المرور فى الشارع لفترات طويلة خلال اليوم .
ويشكو علي عبد الرحمن من تسبب التكدس المروري في الصباح الباكر قبل الساعة السابعة في تأخره عن مواعيد المدرسة مما يؤدي الى منعه من الدخول أو احتساب اليوم «غياب» أو اضطراره للعودة الى المنزل مما يعتبر غيابا بدون اذن ويؤثر على نسبة الغياب المسموح له بها ويؤخر تحصيله الدراسي بينما لو تأخر أتوبيس المدرسة فإنه لا يتم منع الطلاب به من الدخول لأنه تأخر بسبب الطريق ، فلماذا لا يتم السماح لنا نحن الذين نستخدم مواصلات خاصة أو عامة ونتأخر دون تقدير لسبب تأخرنا؟
ويطالب محمود عبد الله – موظف بإحدى المصالح الحكومية - بإلغاء استخدام السيارات الكبيرة ذات السعات اللترية المرتفعة ، ومنع سير الاتوبيسات الكبيرة فى وسط القاهرة ويقتصر الأمر علي الميكروباص ، لتساعد على انفراجة مرورية ويتسع الشارع لعدد أكبر من السيارات .
وترى سعاد إبراهيم - موظفة بالشهر العقاري- أن الحل يكمن فى نقل الموظفين إلي أماكن قريبة من محال إقامتهم فغير معقول أن يقيم موظف في مصر الجديدة ويعمل في حلوان وآخر يقيم في إمبابة ويعمل في 6 أكتوبر ، وهناك نماذج كثيرة من الموظفين تقيم فى مناطق وتعمل فى أماكن بعيدة تماما عن مقر عملها الأمر الذى يستلزم التنقل بوسائل المواصلات المزدحمة دائما مما يؤدى إلى زيادة حركة السير فى الشوارع وبالتالي التكدس المرورى الحاد .
ويطالب محمود فهمي – صاحب محل سيارات – بتطبيق نظام تسيير السيارات الملاكي الفردية ثلاثة أيام في الأسبوع ، بينما يتم تسيير السيارات الزوجية الأيام الثلاثة الأخري ، لتتحقق الانسيابية المطلوبة وتنخفض أعداد السيارات في الشوارع.
مواقف عشوائية
ويعلق د. إبراهيم عشرة – على الزحام الشديد فى شارع الجلاء قائلا : الأزمة تأتي بسبب عدم وجود مواقف خاصة أو جراج كبير يستوعب حجم السيارات التى تقف يوميا فى الشارع وبالتالي تقف السيارات بطريقة عشوائية مع مرور الميكروباص وأتوبيسات هيئة النقل العام فى الشارع مما يؤدى إلى سكتة قلبية فى الشارع لدرجة أن سيارات الإسعاف تشق طريقها بصعوبة لتمر من الشارع .
وأكد أهمية وجود رجل المرور فى الشارع على مدار اليوم لضبط حركة مرور السيارات ومنع أى اختناقات تحدث بسبب تكدس الميكروباص .
وتؤكد وئام سامي - مذيعة – أن أزمة المرور تحتاج إلى تكاتف جميع فئات المجتمع للمساهمة فى تخفيف هذه الأزمة والعمل على إيجاد الحلول الناجحة لها خاصة أنها أصبحت شبحا وكابوسا يهدد جميع برامج التنمية .
وتشير إلى ضرورة الاعتماد على الأتوبيسات ذات الدورين لأنها مناسبة لحجم الحركة المرورية فى الشارع وتناسب أيضا ظروف مدينة القاهرة وحالتها المرورية خاصة أن طول الأتوبيس يصل إلى 12 مترا .
ويقول محمد راشد - محاسب – إن مشكلة المرور في الأساس مشكلة سلوكية يجب أن يعتاد المواطن علي تنفيذ القانون واتباع قواعد وتعليمات المرور للمساهمة فى حل مشكلة المرور.
ويضيف أن قيادة السيارة في مصر تختلف عن أى دولة أخرى من حيث مستوى الطرق والخدمة عليها والالتزام بالقواعد المرورية وعدم الانتظار الخاطئ فى الطريق ، فقائد السيارة يتجه يمينا أو يسارا فجأة دون أن يسبق ذلك إشارة ، وقد يتجاهل السائقون المحيطون به اشارته فتحدث احتكاكات ويتعطل المرور ، كما أن البعض دائما ينشغل عن الطريق بالإضافة إلى السير عكس الاتجاه ، وطالب بوضع خطط لتثقيف السائقين ليلتزموا بقواعد المرور والمساهمة فى حل هذه المشكلة الأزلية.
أزمة مزمنة
ويعلق اللواء يسري الروبي الخبير الدولي للمرور والإنقاذ والتدخل السريع بأن أزمة المرور «مزمنة» تبحث عن حل جذري خاصة أنه لا يوجد لدينا نظام مرورى واضح ، وأضاف أن مشاكل المرور تعود إلى تعطل المركبات المتهالكة نتيجة تاريخ انتاج السيارات المستخدمة ، حيث نجد سيارات منتجة من الخمسينيات ومازالت تسير حتى الآن فى الشوارع ، والواقع يفرض «تخريد» هذه المركبات، وأشار إلى أن برنامج الإحلال يجب أن يمتد أيضا إلي السيارات الملاكي لنضمن أن جميع السيارات العاملة منتجة حديثا وتلافي مشاكل تعطلها.
طرق مخططة
وأكد د. رضا بدران - أستاذ النقل وهندسة المرور بجامعة الأزهر - أن هناك محاور أخرى لحل أزمة المرور من بينها العمل على وجود طرق مخططة بشكل صحيح بها تجهيزات مرورية ورصيف مشاة، علاوة على رفع ثقافة المرور داخل المؤسسات التربوية المختلفة مثل تلقين الأطفال إشارات المرور وهو أمر غير مطبق في مصر، علاوة على التوعية داخل وسائل الإعلام ، مطالبا بأن يكون هناك مدارس لتعليم ثقافة المرور في مصر.
وأكد أنه في ظل وجود أكثر من 9 ملايين سيارة داخل مصر فإن أغلب من يقودون السيارات لا يعرفون القيادة بشكل صحيح، وهو ما يتطلب أن يتم وضع تقييم للسائقين وفي حالة ارتكابه خطأ يتم سحب الرخصة منه وفقا لدرجة الخطأ .
وطالب بتقليل عدد السيارات والمرور بالشارع من خلال كسر فترة الذروة بمعني أن يكون وقت العمل على مراحل وفترات معينة بشكل يحد من وجود السيارات داخل الشارع علاوة على توفير وسائل نقل تجذب المواطنين لاستخدامها .
كاميرات مراقبة
وأكد د.عادل الكاشف رئيس الجمعية المصرية لهندسة الطرق أن نحو 80% من السائقين الذين لديهم رخصة قيادة لا يعرفون معنى كلمة خط الوقوف والعلامات المرورية لذلك يجب ضبط الحركة المرورية بكاميرات مراقبة لضبط المخالفين الذين يحاولون إعاقة الطريق وتغريمهم على مخالفتهم وهو ما يؤدي إلى التقليل من المخالفات المرورية والتكدس المروري .
واشار إلى أن حل أزمة المروريبدأ بتعليم وتأهيل السائقين لقيادة السيارات بطريقة صحيحة ووجود رغبة حقيقية بذلك من خلال تفعيل القانون على الجميع بلا تمييز.
النقل الجماعي
وأكد اللواء أشرف موافي الخبير الأمنى أن الأزمات المرورية يمكن حلها من خلال الاستثمار في وسائل النقل العام كثيفة الحركة وتطويرها وتحفيز الناس علي ركوبها، وخلق رأي عام واع بأهمية النقل الجماعي وتشجيع أصحاب السيارات الخاصة والسيدات علي ركوب هذا المرفق المهم للمساهمة في خفض عدد المركبات في الشوارع.
وشدد على ضرورة تحفيز المجتمع المدني علي المشاركة في حل مشاكل المرور لتحقيق 3 أهداف الأول : تنمية السلوك المسئول للمواطن في مجال المرور مما يدفعه للالتزام بتعليمات وقواعد وقوانين المرور ويسهم بشكل ايجابي وفعال في تحقيق السيولة المطلوبة والقضاء علي أي تكدس، الثاني : وضع إطار لمشاركة المجتمع المدني في ضبط وسيولة المرور مما يحقق الهدف من هذه المشاركة وهو التفاعل الجاد والايجابي، الثالث: تحقيق السيولة الأكبر للمرور من خلال الالتزام بقواعده و تبني حملات التوعية المرورية التى ستسهم بشكل فعال في تحقيق السيولة المرورية، لأن نشر ثقافة المرور بين جميع المواطنين خاصة من جمعيات المجتمع المدني سيسهم إلي حد كبير في إظهار أهمية وضرورة اتباع قواعد وتعليمات المرور وبالتالي سيدفع جميع المتلقين إلي اتباع تعليمات المرور وتنفيذها مما يحقق السيولة المطلوبة.
ويشير إلى أن مشكلة الانتظار الخاطئ يسبب الكثير من أزمات المرور فى ظل عدم وجود أماكن كافية ومناسبة لانتظار السيارات مما يدفع أصحاب السيارات إلي ترك سياراتهم في أماكن ممنوع الانتظار فيها أو الوقوف كصف ثان مما يسبب مشاكل مرورية وتحدث المعاناة .
وفى النهاية تبقي رئة القاهرة مسدودة وتطلق صافرة الإنذار لقائدى المركبات بضرورة الالتزام بقواعد المرور وعدم التهاون فى تنفيذها والالتزام بالسلوكيات الايجابية فى أثناء القيادة.