فى الواقع لم أشاهد المسرح وقد امتلأت كل مقاعده وبناويره بالمتفرجين، منظر المتفرجين طغى على إحساسى لدرجة أن كل فترة من عرض المسرحية كنت أعيد مشاهدة المتفرجين باعتبارهم فى اعتقادى جزءا مهما من العرض.
فماذا عن هذا العرض؟ كونه من الماضي.. ومن التراث، وكأنه بغداد أيام أن كانت بغداد، ومن يتحركون أمامنا على خشبة المسرح يخيل إليك أنهم قد عادوا جميعا إلى الماضي.. جو له بعض من السحر ولا تستطيع أن تدرك السبب بسهولة، هل هى تلك الأشعار العامية البديعة لواحد من أكبر شعرائها «بيرم التونسي»، أم هى الموسيقى المصرية الشرقية الأصيلة لأحمد صدقي، أم لمن قدم هذه الأشعار والأغنيات والموسيقى مع أىضا الاستعراضات لتكتمل بذلك هذه الليلة من ألف ليلة. فيما أعتقد أن السبب هو كل تلك المقومات مجتمعة مع أداء ساحر أيضا للنجم يحيى الفخرانى الذى طالما استغربت اختياره لهذا العمل ليعود به إلى خشبة المسرح، فهو فى النهاية أوبريت، والأوبريت بمعنى أنها الموسيقى مصحوبة ببعض من التمثيل.
المهم أنه على أية حال نجح فى أن يعود إلى المسرح بعد رائعته «الملك لير» بهذا العمل، فقدرات الفخرانى الأدائية عندما تمتزج بالأشعار العامية فلها بالفعل طعم خاص وهو ما شاهدناه فى هذا العمل. مع الفخرانى مجموعة كبيرة من الممثلين أجد معظمهم كوجه جديد بالنسبة لى لأعرف من مدير المسرح القومى يوسف إسماعيل أنهم من طاقم المسرح القومى بعضهم بالفعل أجاد والآخر ربما يكون فى الطريق وهذا يمكن مع ظهورهم فى أعمال أخري. ومعهم الممثل القدير البسيط والمتألق لطفى لبيب الذى شاهدته منذ أربعين عاما فى أول ظهوره بمسرحية هاملت مع محمد صبحى وكان لطفى يقوم بدور حفار القبور.
شاهدت واستمتعت أيضا من خلال موسيقى أحمد صدقى وتوزيع أحد أبنائى من أكاديمية الفنون يحيى الموجي، شاهدت واستمتعت بالصوت الغريب محمد محسن وأقول غريب لأننى لم أستمع من قبل لمثل هذا الصوت القوى بموازين الموسيقى وأمامه صوت آخر لفنانة امتزج جمالها بجمال صوتها وهى منى مجدى وإن كنت أفضل صوتا شرقيا أكثر. هذا الجمع قدم هذه الليلة من خلال إخراج واع لمحسن حلمى وديكور متميز أبرزته الإضاءة وهو لمحمد الغرباوى مع أزياء أخذت حقها فى التفنيد والإبداع لنعيمة عجمي.
ليلة من الزمن القديم ومن التراث صاغها بيرم ليقدم فيها شحاتة الشحات واللص والمتآمر وأيضا الطيب يحيى الفخرانى وكانت ألحان أحمد صدقى مواكبة للألحان الشرقية القديمة وللأحداث الفردية والجماعية «الكورال» أعادها المسرح القومى ربما ليذكرنا بماضيه الرائع والذى بدأ مع بداية الأوبرا القديمة وكانت قمته فى منتصف القرن الماضي. الآن بقى المسرح صرحا وتغيرت الوجوه لأجد مدير المسرح يوسف إسماعيل لما لاقاه طوال شهور فى إعداد هذا العمل ومعه جمال حجاج وهو الذى عمل بالمسرح منذ سنوات مديرا لدار العرض وربما أحيى أيضا إدارة المسرح بصفة عامة على مجموعة من العاملين بالمسرح لترتيب مقاعد المتفرجين وهم يرتدون البدل الأنيقة فى مظهر جديد بالنسبة لى مع العمر الطويل الذى قضيته فى المسرح بداية من أخباره ثم نقدا لأعماله. أرجو أن نكون بصدد نهضة جديدة للمسرح المصري.