يعيش فيها نحو مليونى نسمة وفقًا لتقرير الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء وهو يفوق تعداد سكان بعض الدول العربية والاوروبية ؛ اعتادوا الحياة بقلوب ميتة وسط الاموات ويديرون مجتمعهم بطريقتهم بعيدًا عن المسئولين ، بعد فقدان الأمل فى النظر اليهم ، فنجد جميع فئات المجتمع من متسولين وبلطجية وسائقين وموظفين ومدمنين وتجار وتلاميذ وعمال وطلاب ولصوص وهاربين من أحكام ويزاولون جميع الأنشطة وسط المدافن بمخازن خشب وكارتون وقطع غيار سيارات وانتيكات وتحف وورش سمكرة ودوكو وكاوتش ومقاه ومطاعم وحتى أسواق الخضار وتربية الحمام والطيور وافران خبز حتى بلغ بهم الحد للبناء فوق القبور طابقا وطابقين وثلاثة، لقد وصل الزحف العمرانى منتهاه ليهجم على القبور متناسين حرمتها والنشأه النفسية والأجتماعية والدينية والصحية للاطفال و الصبية .
على الجانب الآخر تجد أطفالا بدأ المشيب يظهر فى رءوسهم بسبب فزع سكون الموت والخوف الذى ينتابهم كل مساء؛ فبعضهم لا يتوقف عن البكاء إلا عند بزوغ الفجر؛ والأحلام والكوابيس المزعجة تؤرق الجميع فى نومهم أطفالا كانوا أو كبارًا فلا يجدون سوى مشاركة الموتى بعد ان ضاقت بهم الظروف واجبرتهم على دفنهم احياء داخل القبور
تقول الدكتورة هبة عيسوى استاذ الطب النفسى بجامعة عين شمس : لكى ينشأ الطفل سويا من الناحية النفسية لابد وان يعيش فى بيئه طبيعية اجتماعية متوازنة تساعده على العبور من مرحله الى مرحله أخرى ومن مرحلة نمو نفسى إلى مرحلة اعلى إلى ان يصل لمرحلة النضوج وهى مرحلة اكتمال النمو النفسى ، لذلك لابد من توافر 3 اساسيات لأى طفل فى العالم وهى توفير النواه الأولى من مأكل ومشرب والشعور بالأقامه الآمنه ( السكن ) والشعور بالأمان خارج السكن ، وإذا طبقنا هذه الاساسيات على سكان القبور سنجد ان الطفل يعيش فى حوش المدفن ، وفناء الطفل هو الشاهد المدفون فيه الميت ، فحياة الطفل تخلو من المرحلة الثانية والثالثة الاساسية ويتعرض لعوامل اخطر من اطفال العشوائيات فطفل المدافن يتعرض لكم كبير من التلوث السمعى من صراخ ونحيب وبكاء وحزن وخوف وفزع ورعب فمشاهد نزول الجثث امام عينيه يفقده الشعورالنفسى والانسانى المرهف الذى يقوم ويعدل من سلوكه ويشوه من نفسيته وبالتالى فقد حجر زاوية اساس السلوك السوى ، فالحد الأقصى لتعرض الطفل والصبى والمراهق المستمر يرفع عندهم حد ومقاييس العنف فى «فسيولوجيا العصبية » وبالتالى يصابون باضطراب السلوك ويتطور إذا استمر فى هذه البيئه الى شخصيه سيكوباتية تتسم بالقسوة وعدم التسامح والرأفه وعدم الشعور بالألم وتقدير الذات وبالطبع يفتقدون الانتماء لأسرته و لمجتمعه ويعتبر فريسه سهله لأعداء الوطن .
مضطرون
ويرى الدكتور طه ابو كريشه الأستاذ بجامعة الازهر عضو هيئة كبار العلماء بالأزهرالشريف ان الدوله هى المسئوله بالدرجة الاولى على مر العصور عن هؤلاء المواطنين من سكان القبور ونشكو الان من سلبياتهم وخروجهم على الاعراف الدينية والمجتمعية ومشاركتهم لسكن الاموات ليس عن طيب خاطر منهم ولنتذكر مقولة سيدنا عمر بن الخطاب حين قال لو ان بغلة عثرت بالعراق لسئلت عنها امام الله عز وجل لما لم اسو لها الطريق فإذا كان الشعور بالمسئوليه تجاه الحيوان فكيف يكون الشعور بالنسبه للانسان فغياب الشعور بالمسئوليه لدى المسئولين فى كل موقع من المواقع فتح المجال لأن يسير كل انسان على هواه فى اى مكان وبأى طريقة يريدها بغض النظر عن اثر ذلك بالنسبه للمجتمع او حتى للدولة او بالنسبة للصورة التى ينقلها الاخرون عنا فغياب الشعور بالمسئوليه ادى الى انتشار العشوائيات ، والاخطر الى اتخاذ الاحياء القبور سكنا لهم ، وبالتالى نبتت فى قلوبهم كل السلبيات التى خرجت عن كل القيم التى تتعلق بالعلاقات فيما بينهم او التى تتعلق بالموتى فى قبورهم ، ثم نبت وراء ذلك الاقدام على كل جريمة اخلاقية دون رادع من دين أو عرف .
ويستكمل الدكتور كريشه قائلا إن ظاهرة سكن القبور فى حقيقتها عار على الامه وإذا كنا نريد الارتقاء والتحضر لابد وان تكون سكان القبور والعشوائيات فى مقدمة الاولويات التى نبدأ بها الطريق الطويل للتحضر.
ولا يجوز محاسبتهم من منطلق الحلال والحرام ولا مخالفة القانون ، وانما الحساب يقع علينا نحن المسئولين لأنهم لجأوا لسكن القبور بعد ان فقدوا الامل فى معيشة كريمة لائقة بالانسان وكرامته ، فهؤلاء يقعون تحت مصطلح المضطرين المكرهين على هذا السكن ، ونذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ ام ضيع حتى يسأل الرجل عن أهل بيته والوطن هو البيت الكبير بالنسبه لكل مسئول .
فى حين يؤكد بعض رجال الدين ان الضرورات تبيح المحظورات بمعنى أنه إذا جاز البناء على القبر فالواجب أن يكون البناء بقدر الضرورة فقط ، وهى حفظ الميت ، فلا يرفع البناء ، ولا يزين ، ولا يشيد ، كما يحدث ، حتى صارت بعض القبور أشبه بالبيوت المهيأة لسكنى الأحياء.
فحرمة المتوفى بعد موته باقية ، كحرمته وهو حى ، فلا يجوز الاعتداء عليه ولا إهانته ، حتى قال الرسول صلى الله عليه وسلم : (كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا) أَنَّهُ لَا يُهَان مَيِّتًا ، كَمَا لَا يُهَان حَيًّا وقد جاء الشرع باحترام القبور والأموات وحرم إهانتها بأى طريق من طرق الإهانة ، حتى إن الشرع نهى عن الجلوس فوق القبر لما فيه من إهانة الميت وأذيته ، ومنع مجرد الاتكاء والاستناد عليها ، وذلك احتراما للأموات ,فما يحدث هو اهانه للاموات والاحياء معاً.
مناطق مغلقة مقدسة
وتتساءل الدكتورة عزة كريم استاذ علم الاجتماع بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية لماذا لم ينظر المسئولون الى سكان القبور مثل العشوائيات رغم انها اكبر خطورة ؟! هل لأن لها سمات خاصة تختلف عن العشوائيات فالقبور مناطق مغلقه مقدسه لها طبيعة معينة بعيدة عن عيون المسئولين والرقابه والأمن وبذلك تكون تربه خصبه لأوكارالمجرمين والخارجين عن القانون والهاربين واللصوص والمدمنين وتستغل لتخزين السلاح والمخدرات وبالتالى فهى الادعى بالاهتمام وضرورة توفير سكن يليق بآداميتهم ومشاعرهم واحاسيسهم التى افتقدوها بمعاشرتهم للاموات فاحساسهم بالموت انتهى فاصبحوا لا يهابون الموت واحساسهم بالرهبة غير موجود فالاموات تحيطهم من كل جانب والحزن والبكاء والصراخ والفزع يصاحبهم منذ طفولتهم والاحساس بالدونية والاهمال وقلة الحيلة تلاحقهم فهذه البيئة الاجتماعية التى نشأ فيها سكان القبور اشد خطورة من سكان العشوائيات ومن هنا نؤكد ضرورة ايجاد حلول لانقاذ الاسر قاطنى القبور والاهتمام بهم ماديا واجتماعيا ونفسيا وتقترح الدكتورة عزة تفريغ هذه القبور من السكان وإقامة مناطق سكنية مناسبة كاملة المرافق والخدمات وقريبة من اعمالهم سواء تجارة أو صناعة، أى مخطط متكامل لمثل هؤلاء حتى يقبلوا الخروج من مناطقهم الى مناطق جديدة تلبى احتياجاتهم وتليق بآدميتهم، ولكى يتم ذلك لابد من تكوين لجنة مشكلة من مختلف الوزارات، الصحة والشئون الاجتماعية والاسكان والبيئة والتعليم والقوى العاملة كل يقوم بدوره فى بناء مدن سكنية متكاملة تشبع جميع الاحتياجات الضرورية لسكان القبور .