فقد كان بالأمس القريب ثراءًا وثقلا ً نفتقدهما اليوم ونعانى الإسفاف فى أغلب الأصعدة . مما جعلنا نستحضر الماضى دومًا، وأصبحت العودة إلى زمن الفن الجميل والحنين إليه هو ملاذنا.
فلم يقتصر علينا قط سماع الأغانى القديمة لرموز تلك الفترة أو مشاهدة أفلامهم، بل دأب كثير من الفنانين يشكلون لوحات من مختلف المدارس الفنية لتلك القامات، لتحظى الست أم كلثوم على النصيب الأكبر .
ليس فقط من قبل تشكيليين مصريين كالراحل صلاح طاهر، والفنان جورج البهجورى، صلاح عنانى ووليد ياسين .
بل أيضًا من قبل فنانين أجانب كالفرنسى جولو، الكرواتى آنتى سارد يليتش، السورى أسعد عرابى والعراقى حسين الودى : والذى صدر لهُ كتاب بعنوان "أغانى أم كلثوم فى لوحات فنية" مزج بداخلهُ بين قصائدها وبين الفن التشكيلى من خلال 30 لوحة فنية ؛ بل وصل الأمر الى تزيين حوائط بعض المنازل والمقاهى برسوم لهذه الشخصيات الخالدة .
فى البداية يقول الفنان سمير فؤاد : تمثل تلك المشاعر والأحاسيس التى كانت تستثيرها معايشة فنانى هذا الزمن هو العامل الرئيسى الذى جعلنى أرسمهم . فكنت مثل معظم أبناء جيلى مفتونين بالرقص الشرقى . ولذلك عندما رسمت تحية ونعيمة وسامية، كنت أحاكى لحظات الفرح التى كنت أعيشها معهن كراقصات وكممثلات .. الممثل الوحيد الذى رسمته هو العبقرى الضاحك الباكى نجيب الريحاني. وظفتهم بأسلوب تعبيرى مع الاهتمام بتمثيل عنصر الزمن والحركة، لتلعب الخطوط والألوان دورًا هامًا فى التعبير عن الشخصية المرسومة ومشاعرى تجاهها .
ويؤكد فنان الكاريكاتير عمرو فهمى أن زمن الفن الجميل كما يطلق علية دائمًا مليء بالرموز والقامات الإبداعية، ولذلك فكرت أن استدعى هؤلاء العظماء ليكونوا منارة لجيل يبحث عن هويته . فقد أقمت معرضًا بعنوان حدوته مصرية, وأعكف حاليًا على عمل معرض أخر . وقد اخترت بعناية موضوعات اللوحات وأبطالها. فى أغلب الأحيان أحب سماع الأغانى القديمة والتى تساعدنى على الاندماج فى العمل الفنى وخاصة عند رسم أم كلثوم وحليم, الأطرش, اسمهان وليلى مراد . كل هؤلاء قمت برسمهم أثناء سماعى لأصواتهم العذبة، والتى من المؤكد تضيف للعمل الفنى سواء كان تصوير واقعى تسجيلى أو به لمسة كاريكاتيرية .
ويقول الفنان وجيه يسى : تربى جيلى على صوت أم كلثوم، وعبدالوهاب وحليم . فهم جزء من تاريخنا القومى وأيضًا جزء من الذكريات الشخصية لكل منا. فأم كلثوم تعد الهرم الرابع كما أطلق عليها، وواحدة من عمالقة ذلك الجيل التى أثرتنا بفنها ومازالت لها تأثيرها وسحرها الواضح . وقد رسمتها بكل حب ووظفتها فى قالب تشكيلى كما يترأى لى وبأسلوب معبر يتماشى مع أحساسى الداخلى تجاهها . وبشكل عام فرموز الزمن الجميل هم قيمة وقامة لما بذلوه واجتهدوا فيه فهم كانوا وسيزالوا جزء لا يتجزأ من حياتنا .
وتقول الدكتورة سامية قدرى أستاذ علم الاجتماع بكلية البنات جامعة عين شمس : الحنين إلى الماضى وخاصًة لزمن الفن الجميل، هو تيار عام موجود فى مصر حاليًا وبالفعل لدى أصدقاء مهتمين بأحياء الفن الغنائى والرسم القديم . فقد تجد اليوم انتشارا لذلك التيار على شبكات التواصل الاجتماعى, ذلك بعدما أصبح لدينا تردى فى الفنون بأنواعها .
بالإضافة إلى تشبعنا بالجرائم التى تحدث اليوم فى المدارس والعنف الآسرى والتطرف الفكرى . كل تلك المظاهر السلبية سببها الابتعاد عن الإبداع والفكر والفن وبالتالى العودة إلى الزمن الجميل بفنونه وإبداعاته هو ملاذ كثير من الناس . بأن ينطلقوا وجدانيًا فى أفق غير الأفق والمشاكل الاجتماعية والتى للأسف تلقى بظلامها على حياتنا .
حتى بمجال الفن التشكيلى كانت بالماضى تخضع الأعمال لاعتبارات الابداع والمزاج العالى وليس لمجرد خروج عمل عشوائى كما يحدث اليوم . فكثير من الأعمال المقدمة تخضع مع الأسف لاعتبارات السوق . فالناس اليوم أصبحوا يرون فى الفن الواقع وفى الواقع الواقع المر . فلم يعد الفن قادرا على أن يخرج الإنسان من ذلك الواقع إلى أفاق أجمل . على عكس الماضى فكان الفن معبر ويحلق بالناس فى سموات أعلى بعيدًا عن الواقع الذى كان مؤلمًا سواء فترة حرب، فقر أو مشاكل سياسية .
وأنى أرى "وبالطبع ليس كل ما هو تراثى جميل" ولكن مقارنة بالحاضر الذى نعيشه فكل ما هو تراثى جميل . لذلك يعود الفنان التشكيلى للماضى بكل معانية ليستدعى رموزهُ بحثـًا عن المعانى المفقودة وبدلا ً من حالة التردى الموجودة فى مصر حاليًا .