رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

مفاجأة إغلاق باب المندب
البحرية المصرية سيطرت على نصف مليون كيلومتر فى البحرين الأبيض والأحمر ومنعت الإمدادات عن العدو

مصطفى تمام :
كان على القوات البحرية المصرية إغلاق جميع الممرات والمنافذ المائية لمنع وصول الإمدادات الخارجية إلى ميناء ايلات, خاصة القادمة من دول شرق آسيا, والبترول الإيرانى الذى كان يصل إليها عبر مضيق باب المندب, والبحر الأحمر, وخليج العقبة .

ولذلك كان القرار السياسى والعسكرى المصرى لبدء التخطيط الاستراتيجى لإدارة الصراع المسلح فى منطقة الشرق الأوسط يتضمن فى أبعاده التعرض المباشر للخطوط الملاحية الإسرائيلية بخليجى العقبة والسويس فى إطار أعمال قتالية محددة طبقا لإمكانيات القوات المسلحة, ولتنفيذ ذلك يجب التعرض البحرى فى منطقة جنوب البحر الأحمر.

والتفاصيل كما رواها اللواء بحرى متقاعد يسرى قنديل تمثلت فى 3 اتجاهات رئيسية هى: أخذ الاتجاه الأول شكل العمل العربى فى إطار جامعة الدول العربية نحو دعم الوجود العربى لمجموعة من الجزر العربية فى جنوب البحر الأحمر, من حيث تقديم المشورة العسكرية للدول المعنية بالمنطقة من أجل ذلك شكلت لجنة من مجموعة ضباط من هيئة عمليات القوات المسلحة وإدارة المخابرات الحربية و الاستطلاع. وقيادة القوات البحرية قامت بزيارتين لليمن الجنوبية واليمن الشمالية آنذاك و استطلعت الجزر جنوب البحر الأحمر وتصويرها جوا وقدمت تقريرا بذلك إلى القيادة العامة للقوات المسلحة ـ أعقب ذلك فى شهر مارس 1973 زيارة للمشير أحمد إسماعيل والوفد المرافق له إلى السودان والصومال وأثيوبيا على وجه الخصوص للحيلولة دون حصول إسرائيل على تسهيلات عسكرية بالجزر الإثيوبية جنوب البحر الأحمر. كل ذلك فى إطار التحضير لعملية التعرض للنقل البحرى الإسرائيلى جنوب البحر الأحمر.

أما الاتجاه الثانى فتمثل فى أن القوات الجوية الإسرائيلية هى العنصر الرئيسى الذى يمكن أن يعتمد عليه الجانب الإسرائيلى فى الرد على عملياتنا البحرية ضد خطوط مواصلاته البحرية, وتم وضع الإجراءات المضادة ضد هذه الأعمال المنتظرة. من ناحية أخرى فإن القوات البحرية الإسرائيلية الموجودة فى ذلك الوقت فى منطقة البحر الأحمر فى إيلات وفى شرم الشيخ لم تكن قادرة على تحقيق عمل بحرى مضاد فعال.

وفى الاتجاه الثالث يتم الإعداد النهائى لفكرة التعرض لخطوط مواصلات إسرائيل عبر جنوب البحر الأحمر دون الإفصاح عنه لغير المشتركين فعلا تحت أى ظرف من الظروف دون إشتراك أى عناصر عربية. كذلك ربط هذا التخطيط فى إطار الأهداف الإستراتيجية التى تهدف لها الخطة الشاملة لحرب أكتوبر 1973.

خداع العدو

استغلت مصر الترتيبات العلنية المتعلقة بإصلاح الغواصات بباكستان لكى تأخذ الغواصات المصرية مواقعها فى مسرح البحر الأحمر فى سرية, والإيحاء بأن شدة حاجتها للإصلاح تجعلها غير صالحة للعمليات, وقد تم إبراز ذلك بتكثيف اتصال البحرية المصرية عن عمد مع السلطات الباكستانية لسرعة نقل التجهيزات الخاصة بأحواض إصلاح الغواصات إلى ميناء كراتشي, وكذلك استغلال المناورة التعبوية السنوية للقوات البحرية فى رفع درجات الاستعداد والتجهيز لتحميل الألغام واتخاذ الوحدات مواقع عملياتها تحت ستار التجهيز التمهيدى للمناورة ثم تنفيذ الفتح الفعلى على أنه تحركات داخل إطار المناورة وفى حدودها.

القانون الدولى و المهمة

وكان من الضرورى إعطاء أهمية بالغة للجانب القانونى عند التخطيط لتنفيذ مهمة التعرض لخطوط المواصلات حيث ان التعرض للسفن التجارية ومهاجمتها والتدخل ضد حركة الملاحة الدولية يجب ان يتماشى مع قواعد القانون البحرى الدولي, علاوة على أن فرض السيطرة البحرية على المضايق الحيوية يجب ان يتم بطريقة لا تثير الدول البحرية. وبناء على تقدير الموقف بمسرح البحر الأحمر, كان قرار قائد القوات البحرية, تلغيم مدخل خليج السويس باستخدام كاسحة وسرب لنشات هجومية سريعة قبل بداية العمليات, وبث كمائن من الألغام فى الممرات المؤدية الى مراسى العدو ومنابع البترول فى خليج السويس باستخدام الصاعقة البحرية, علاوة على تعطيل العمل بحقل بلاعيم باستخدام الضفادع البشرية, و استخدام الممرات فى منطقة مدخل البحر الأحمر الجنوبى لممارسة حق الزيارة والتفتيش ومنع السفن المتجهة الى ميناء ايلات من الإبحار شمالا, واستخدام الغواصات شمال شرق بورسودان لمهاجمة السفن الاسرائيلية التى قد تنجح فى الدخول من باب المندب فى حالة تطور الموقف بهذه المنطقة لأى سبب.

اعتراض الفرقاطة الأمريكية (Charles Adams)

واجهت القوات البحرية صعوبات فى فتح القوات فى قواعد ومراسى البحر الأحمر لكى تلبى متطلبات عمليات التعرض لخطوط مواصلات إسرائيل البحرية والتى تمتد بطوله, هذا فضلا عن صعوبات تعزيز تجهيزات القواعد البحرية والمراسى الصديقة المحيطة بباب المندب لخدمة الوحدات البحرية المصرية العاملة بهذه المنطقة, ومع كل ما صادفناه من مشكلات إدارية و صعاب فنية فى تجهيز مسرح العمليات فإننا نجحنا بفضل التعاون البناء بين أجهزة القوات البحرية وأجهزة سائر أفرع القوات المسلحة و سلطات الدول الصديقة المعنية فى الانتهاء من تلك التجهيزات فى الوقت المناسب لاستقبال وحداتنا البحرية بالقدر المطلوب من السرية والتمويه, فتمركزت المدمرات فى عدن والغواصات فى بورسودان, وزوارق الصواريخ فى سفاجا, و وحدات بث الألغام فى الغردقة وسفاجا.

وقبل ساعة العبور تسللت الغواصات المصرية بهدوء إلى مناطق عملياتها للتعرض لخطوط المواصلات الإسرائيلية فى وسط البحر الأحمر, وحدات التلغيم كانت قد بثت حمولتها من ألغام بمياه المدخل الجنوبى لخليج السويس, ناقلات البترول المصرية بحركاتها الرتيبة المألوفة تقترب من مناطق عمليات مجموعة باب المندب لإمداد وحداتها بحاجتها من الوقود, ثم صمت وترقب وعيون تبرق داخل مراكز القيادة بعد ان رفعت خرائط المناورة التعبوية, وحلت محلها خرائط العمليات البحرية الفعلية ومع بداية انطلاق شرارة الحرب, و فى الساعة الثالثة والنصف أعلنت مصر فى بيان عالمى أصدرته وزارة الخارجية عن مناطق العمليات الحربية فى مسرحى البحر المتوسط و البحر الأحمر, وأصدرت أيضا حكومة اليمن الجنوبية إعلانا مشابها يشمل مياه منطقة باب المندب وأصبحت العمليات البحرية المصرية ضد اسرائيل تغطى أكثر من نصف مليون كيلو متر مربع من مياه البحرين المتوسط و الأحمر.

وفى الساعة الثانية عشرة من ظهر السادس من أكتوبر أرسلت قيادة القوات البحرية إشارة للوحدات البحرية العاملة بالبحر الأحمر, قامت بموجبها بفتح المظاريف السرية و بها المهام المكلفة بها فى التعرض للنقل البحرى الاسرائيلى بالبحر الأحمر وبدأت المدمرات من أماكن تمركزها بميناء عدن فى ممارسة حق الزيارة و التفتيش من منطقة عملها بين جزيرتى بريم جنوبا و جبل الطير شمالا وأخطرت جميع السفن المدنية بمناطق مرور المدمرات بعدم الإبحار شمالا عند خط العرض 2300 شمالا بين جدة و بور سودان حيث بدأت العمليات الحربية بهذه المنطقة بين مصر واسرائيل و لعدم التعرض لخطر الاشتباكات.

وخلال الفترة من 6 أكتوبر 73 إلى فبراير 74 اعترضت المدمرات 200 سفينة تجارية و قامت بتفتيش سفينتين مشتبه فيهما إحداهما ناقلة البترول ايلينى وكانت تحمل علم اليونان، وسفينة نقل أغنام كانت تعمل بين السعودية والصومال.

وأثناء مرور المدمرة الفاتح على الخط الواقع بين جزيرتى «جبل الطير» و«بريم» اعترضت السفينة الحربية الأمريكية لاسال يوم 9 أكتوبر 73 و هى سفينة مساعدة, إلا أنها لم تمتثل و أطلقت عليها النار من المدفع 4 بوصة أمام مقدم السفينة مما أجبرها على رفع علم أمريكا, و فى الواحدة بعد منتصف الليل يوم 10/10/73 اعترضت المدمرة الفاتح الفرقاطة الصاروخية الأمريكية (Charles Adams) عند جزيرة جبل الطير و أبلغتها إعلان حالة الحرب بين مصر وإسرائيل و أخطرتها بعدم الإبحار شمال الخط 23 فامتثلت و اتجهت جنوبا نحو جيبوتى . وبهذا تمكنت القوات البحرية المصرية من استخدام سلاحى المدمرات و الغواصات علاوة على سلاح الألغام البحرية فى تنفيذ هذه المهمة بنجاح للمرة الأولى و بفاعلية تامة وعلى أعماق بعيدة خارج الحدود.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق