ولعل القرآن الكريم يضرب الأمثال بنماذج نسائية خالدة «مريم ابنة عمران، وبلقيس ملكة سبأ ، وآسيا بنت مزاحم زوجة فرعون، وامرأة العزيز، وابنة شعيب عليه السلام .. وغيرهن»، إنما يحتفل القرآن بهذه النماذج النسائية من أجل حث النساء على الاقتداء بهن فى حياتهن العامة والخاصة.
وقد تبع رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم فى احتفائه بالنساء حينما قال صلوات الله وسلامه عليه:« كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا أربع : مريم ابنة عمران وآسيا بنت مزاحم وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ».
ويقول الدكتور محمد الشحات الجندي، عضو مجمع البحوث الإسلامية، إن الاستحقاقات السياسية التى كفلها الإسلام للمرأة، مردها قول الله تعالي: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِى مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، فهذه المبايعة التى وردت بنص واضح وصريح يجعل من دور المرأة فى الممارسات السياسية حقيقة واقعة فى الحياة السياسية والاجتماعية، وهو ما طبق على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وبرهان ذلك مبايعة المرأة للرسول صلى الله عليه وسلم فى بيعة العقبة الثانية، التى كانت بمنزلة عقد اجتماعى مهد السبيل لنشأة الدولة الإسلامية فى المدينة المنورة، ومعلوم أنه كان من بين الأنصار الذين بايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم على الولاء والنصرة، كان من بينهن، امرأتان كانتا تمثلان بنات جنسهما فى وضع حجر الأساس فى الدولة الإسلامية الأولي، ومصداق ذلك ما ينشره التاريخ الإسلامى من موقف السيدة أم سلمة «أم المؤمنين»، من صلح الحديبية عندما رفض المسلمون تنفيذ أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، عندما كانوا ساخطين على ما انتهت إليه معاهدة الصلح بين المسلمين والمشركين، فقد كان بمشورة وتدخل السيدة أم سلمة باقتراحها على أن ينفذ الرسول صلى الله عليه وسلم ما أمرهم به وأنهم سيفعلون مثله ويطيعونه، وهى التى أدت إلى إنهاء المشكلة بسبب هذا الموقف الحكيم من السيدة أم سلمة فى أمر عام يتعلق بمسيرة الدولة الإسلامية فى علاقتها مع المشركين.
الحقوق المجتمعية
وأوضح أن الإسلام كفل للمرأة العديد من الحقوق المجتمعية على اعتبار أنها إنسانة ملقى على عاتقها مسئولية مجتمعية بالمعنى الموسع الذى يشتمل على حقوق سياسية واجتماعية وأسرية، وبالطبع فإن هذا يستلزم من المرأة أن تضطلع بهذه المسئوليات وأن تمارس هذه الحقوق السياسية والاجتماعية، وأن تمكنها الدولة والمجتمع من أداء هذه المسئوليات لأن المجتمع بحاجة ملحة إلى وجود كل فرد فيه الرجل والمرأة على سواء، ولا ننسى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( النساء شقائق الرجال )، فهذا الحديث يضع المرأة مع الرجل على قدم المساواة فى الاستحقاقات المجتمعية بصفة عامة، ولا يستثنى من ذلك إلا ما تحوله ظروف المرأة الخاصة من أدائها.
شرط الخبرة والكفاءة
ويقول الدكتور محمد نجيب عوضين، أستاذ الشريعة الإسلامية، إن المشاركة السياسية للمرأة وترشحها فى مجلس الشعب، من الواجبات التى فرضها الإسلام على الإنسان، المشاركة الإيجابية فيما يعود على الأمة بالاستقرار وتحقيق المصلحة، إما بالمشاركة الفاعلة، لكل من يجد فى نفسه الكفاءة، وتوافر شروط التقدم لهذه المسئولية، وذلك كالترشح للوظائف والمجالس النيابية، وغير ذلك، لأن القرآن الكريم بين لنا فى قصة يوسف عليه السلام، أنه يجوز للإنسان أن يعرض خبرته وكفاءته للمساهمة فى بناء المجتمع، فى مختلف أوجه الحياة، ومن بين هذه الأعمال ما تمر به البلاد من ضرورة قيام المجلس النيابي، لضبط التشريعات وتحقيق الرقابة لمقاومة الفساد، فورد على لسان يوسف عليه السلام مخاطبا حاكم مصر، (اجعلنى على خزائن الأرض إنى حفيظ عليم)، وهذا الأمر لا فرق فيه بين الرجل والمرأة، فكلاهما عليه أمانة وواجب الشهادة، فكما أن هناك من تترشح من النساء، فعلى النساء أيضا الإدلاء بأصواتهن، ولها الحرية فى أن تختار رجلا أو امرأة، المهم أن تتوافر الكفاءة والصلاحية، كذلك فإنه إذا كانت المرأة ذات ثقافة عالية ولديها خبرة فى مجال الحياة، وكان ذلك لا يخل بسلوكياتها، التى أمر الإسلام بها من حيث المظهر والتصرف، ولا مانع أن تكون هناك أستاذة جامعية أو طبيبة أو محامية أو مهندسة أو غير ذلك، ولديها خبرة سياسية كبيرة، ولا مانع شرعا أن تترشح هذه المرأة للمناصب القيادية أو الوظائف العليا، أو المقاعد البرلمانية، وقد كانت إحدى النساء فى عصر الإسلام الأول تقوم بوظيفة الاحتساب، وهى وظيفة مهمة، تحتاج إلى جرأة وإلى إعمال العقل والشجاعة، حيث إنها تقوم بالتفتيش على الأسواق من ناحية ضبط الأسعار وسلوك التجار، وتحيل من يخالف إلى القضاء، وأن الإسلام كانت تجلس فيه كثير من النساء للفتوى وإظهار الرأى الشرعي، لعل فيه أمنا السيدة عائشة خير مثال على ذلك، عندما قال النبي، صلى الله عليه وسلم فى حديثه، خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء، وغير ذلك مما اشتهر من الفقيهات فى كتب العلم فلكى نحقق ما أمر الله به سبحانه وتعالى من ضرورة إعمار بلادنا، والدفع بها إلى التنمية والاستقرار، فإن علينا أمانة مسئولية كبرى فى الخروج من السلبية، والتحول إلى المشاركة الفعلية من الرجال والنساء فى كل هذه المجالات.
ألا وقول الزور
من جانبه يؤكد الدكتور عبد الفتاح إدريس، أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة، بجامعة الأزهر، من المعروف شرعا أن للرجل والمرأة حق فى الحياة السياسية، ولهذا فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يطلب من أصحابه أن يقدموا إليه المشورة والنصيحة، فيقول أشيروا على أيها الناس، وكانت المرأة تمارس حقها فى الأمور العامة فى الدولة الإسلامية على أوسع نطاق، لقد كانت تبايع ولى الأمر، وتراجعه فيما يريد اتخاذه من سياسة، وقد يعدل عن رأيه نزولا على رأى المرأة.
وفيما يتعلق بممارسة المرأة للعمل السياسي، فإن النساء خرجن فى مكة عام الفتح، يبايعن النبي، صلى الله عليه وسلم، على الطاعة، فى المنشط والمكره، ولهذا فإن النبي، صلى الله عليه وسلم، جلس فى خيمة يبايع هؤلاء النسوة، ومبايعة ولى الأمر هى من أخص خصوصيات السياسة العامة للدولة، وفى زمان عمر بن الخطاب، أراد أن يضع حدا أعلى للمهور، فلا يزاد عليه، وخطب فى الناس، وقال: ألا لاتغالوا فى أمور النساء، فإنها لو كانت مكرمة فى الدنيا لكان أولاكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقامت إليه امرأة من صفوف النساء وقالت له: (ليس هذا إليك ياعمر) كيف تقول هذا والله سبحانه وتعالى يقول فى كتابه، (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج، وأتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا) فبكى عمر وقال كل الناس أفقه من عمر حتى النساء فى البيوت، ويقال إنه رجع فى قوله على المنبر، وقال: لقد قلت لكم آنفا ما قلت، فمن أراد أن يعطى من ماله ما يشاء فليفعل، ومراجعة المرأة لعمر، فى سياسته، بوضع حد أعلى للمهور، هو نوع من الاعتراف على ولى الأمر فى سياسته، وهو نوع من المشاركة فى سياسة أمور الدولة، ولم ينكر عليها عمر، ولم ينكر عليها أحد من الذين حضروا كلام عمر، وهذا يدل على أن المرأة فى عصور السلف كانت تتمتع بالمشاركة السياسية، فى أمور الدولة، وإذا كانت المرأة التى راجعت عمر، كانت فى مسجد، فلا أقل من أن تشارك المرأة فى المجالس النيابية، قياسا، على ما فعلته هذه المرأة فى المسجد فى مواجهة الناس ومواجهة ولى الأمر، ولذا فمن حق المرأة الترشح للمجلس النيابي، وأن تكون نائبة عن أفراد المجتمع، فى رعاية مصالحه فى هذا المجلس، وهذا حق مقرر فى الشرع.